بعنوان “مصر: عامان بعد مُرسي”، عقدت اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التابعة للجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكي، جلسة استماع حول الأوضاع المصرية في 20 مايو المنصرم، تكلّم فيها كل من إريك تراجر، المتخصص بالشؤون المصرية بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، والمعروف بدعمه لإسرائيل، وصامويل تادرس، الباحث بمعهد هادسن للحريات الدينية والمتخصص في دراسات الحركة الإسلامية، ونانسي عقيل، الباحثة المصرية والمدير التنفيذي لمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط.
وعادة ما تختار لجان الكونغرس الباحثين اعتمادا على مجالات تخصصهم وتميزهم، حيث يتم تكليف الباحث أو الأكاديمي بعرض رؤيته في موضوع مُعين، وهو ما ظهر في طبيعة الموضوعات التي أدلى المشاركون بشهادتهم فيها.
شهادة إريك تراجر
بطبيعة تحيزاته لصالح إسرائيل، أدلى تراجر بالشهادة الأكثر انحيازًا للنظام المصري الحالي، وقال بوضوح أن وقف وصول المعونة الأمريكية البالغة قيمتها 1.3 مليار دولار كان خطأ كبيرًا من إدارة أوباما، وأن منع المعونة كان عملية خاسرة في كل الأحوال لأنه لا يؤثر على الوضع السياسي الداخلي، ولم يؤدي سوى لتراجع العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، في مقابل اتجاهها لشركاء آخرين، مثل اتفاقاتها مع فرنسا، والتي بلغت 5.4 مليار دولار، ومع روسيا، والتي بلغت 3.5 مليار دولار.
أشار تراجر بوضوح في شهادته إلى العلاقة الوطيدة التي بدأت في التبلور بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره المصري، والاستقبال الحافل الذي حظي به بوتين في القاهرة في فبراير المنصرم، في محاولة منه لتحذير الإدارة الأمريكية من عواقب الاستمرار في سياساتها الحالية التي تحتفظ فيها بمسافة بين واشنطن والقاهرة، كما أشار إلى العلاقة بين الإمارات ومصر، واللتين تنسّقان بدون واشنطن، على حد قوله، وهي خسارة لأمريكا طبقًا لوجهة نظره.
كانت إدارة أوباما بالفعل قد بدأت تغيّر من مواقفها نوعًا ما بعد أن لاحظت أن الضغط على النظام المصري الجديد لم يُجدي كثيرًا، وأعلنت في مارس الماضي أنها ستواصل تقديم معونتها، ولكنها لا تزال تمنع تدفق المعونات المالية الأخرى، وأعلنت أنها ستظل تمنعها حتى عام 2017، مما يعني استمرار التوتر السياسي في العلاقات رغم تحسّنها على المستوى العسكري، والحيوي لواشنطن الآن، وهو ما يحذر تراجر من مغبه الاستمرار فيه نظرًا لإمكانية اتجاه القاهرة نحو أي شريك آخر قد تتعارض مصالحه مع واشنطن.
في نقاط موجزة، لخّص تراجر حجته في الانفتاح أكثر على مصر في تلك النقاط:
أولًا؛ مصر الآن عادت كشريك استراتيجي في احتواء إيران، بعد الانفتاح الذي قام به مُرسي نوعًا ما على النظام الإيراني
ثانيًا؛ مصر تواجه الجهاديين في سيناء بعُنف ودون مواربة لأول مرة في تاريخها، على عكس المواقف اللينة التي اتخذتها أيام مرسي، مما يجعلها طرف رئيسي في الحرب على الإرهاب
ثالثًا؛ علاقات مصر بإسرائيل هي الأقوى في تاريخ البلدين، مما يعني ضرورة الاهتمام بالقاهرة بالنظر للعلاقة الخاصة بين واشنطن وتل أبيب
رابعًا؛ مصر الآن تضيق الخناق على حماس في غزة، مقارنة بالدعم الذي كانت تحظى به حين كان الإخوان يحكمون في مصر
شهادة صامويل تادرس
بطبيعة عمله واهتمامه بالحريات الدينية، انصبت شهادة تادرس على تطور هذا الملف تحت رئاسة السيسي، ولم يتطرق إلى الملفات السياسية الساخنة العالقة بين واشنطن والقاهرة، وقد سرد حوادث الاعتداء على الكنائس التي استمرت خلال العامين الماضيَّين، وأبرزها حادث قرية الجلاء بالمنيا، والذي سرد بخصوصه أمام الكونجرس الضغوط التي تعرّض لها الأقباط من جانب السلطات لقبول كافة شروط من قاموا بمهاجمة الكنائس، بما في ذلك عدم رفع أي شعار مسيحي على الكنيسة (كالصلبان مثلًا).
من ناحية أخرى، أشاد تادرس بزيارة السيسي للكاتدرائية المرقسية في عيد الميلاد، ولكنه قال بأنها لا تكفي، وثمّن خطاب السيسي الداعي إلى الإصلاح الديني، وإن كان يرى أنه ما زال يفتقد إلى الجدية اللازمة التي ستجعل له دورًا في احتواء التطرف كما وصفه، كما ناقش ملف محاكمات ازدراء الأديان، والتي طالت كثيرين ممن عبروا عن آراء دينية غير مقبولة، أو أفكارًا إلحادية، على وسائل التواصل الاجتماعي، كما ذكر أيضًا الضغوط التي يتعرض لها المخالفون في الرؤى الدينية مثل الشيعة والبهائيين.
تحدث تادرس عن ضرورة مساهمة واشنطن عبر معونتها في الضغوط من أجل إصلاح المنظومة التعليمية، والتي وصفها بأنها تقوّض من مفاهيم المساواة والمواطنة، كما انتقد بقوة المدارس الأزهرية باعتبارها معقلًا للأفكار المتطرفة والمناهضة لحقوق المسيحيين، وأخيرًا، دعا الإدارة الأمريكية إلى الاهتمام بكيفية تنفيذ سياساتها في مصر لتتمكن من تحقيق أهدافها بشكل أكبر، والتركيز على ملفات الحريات الدينية وحقوق الأقليات، وضمان ألا تنزلق مصر إلى الفوضى المحيطة فيها في دول عربية أخرى، مشيرًا إلى أن الاقتصار على الملفات الأمنية مثل مكافحة الإرهاب ومرور التجارة من قناة السويس سيضر بالولايات المتحدة على المدى البعيد.
شهادة نانسي عقيل
قدمت نانسي ربما الشهادة الأكثر عمقًا وتوازنًا في آن، حيث تمحورت حول ستراتيجية التعارض بين الديمقراطية والحقوق من ناحية، ومكافحة الإرهاب وإرساء الأمن من ناحية الأخرى، التي يروجها النظام المصري، والتي تعتبرها في الصميم من فشل حربه على الإرهاب، حيث تزداد الهجمات كما تشير الإحصائيات في سيناء، كما يزداد الوضع الأمني تفككًا في غرب مصر نتيجة سهولة تهريب السلاح عن طريق ليبيا.
أشادت نانسي بقرار عودة المعونة العسكرية إلى مصر، ولكنها نبّهت إلى ضرورة أن تنتبه واشنطن لكيلا تُستخدَم المعونة بشكل غير مسؤول، وألا تؤول في النهاية لتعزيز قبضة النظام المصري على المعارضة السلمية في الداخل، كما دعت إلى تطوير منظومة المعونة العسكرية والأمنية لتتعامل بشكل أكفأ مع التحولات الجارية في ساحات الجماعات العنيفة، والتي أصبحت وسائلها أكثر تطورًا واعتمادًا على وسائل التواصل الاجتماعي، كما يشي صعود داعش على حساب القاعدة وأساليبها التقليدية.
طالبت نانسي واشنطن بضرورة الاهتمام بالحقوق والحريات، لا سيما وأنها تدعم على المدى البعيد استراتيجية مكافحة الإرهاب والمصالح الأمنية الأمريكية في المنطقة على حد قولها، فالضغط من أجل إرساء حكم القانون وإصلاح المؤسسات الأمنية سيخلق حالة من الرضا العام التي ستجفف منابع الأفكار المتطرفة بشكل كبير، لا سيما وأن الاتجاه للعنف غالبًا ما يكون ناتجًا عن سخط الشباب.
في نقاط موجزة، ارتكزت دعوة نانسي إلى الآتي:
أولًا؛ ضرورة تعزيز المنظومة القانونية وفتح المجال العام السياسي
ثانيًا؛ الدفع قدمًا نحو المسائلة والمهنية في المؤسسات الأمنية
ثالثًا؛ حماية مساحات العمل المدني والتفاعل في المجال العام، حيث يمكن للمصريين التعبير عن معارضتهم للنظام وسخطهم بشكل سلمي، وهي نقطة ضرورية بالنسبة لنانسي والتي ترى في غياب تلك المساحات تعزيزًا لفرص انتشار الإرهاب
رابعًا؛ دعم وسائل الإعلام المستقلة والمتنوعة، والتفاعل مع البدائل الموجودة في المجتمع المدني كشريك أساسي في عملية الإصلاح والحكم
خامسًا؛ الانتباه إلى المجموعات المهمشة، مثل الأقليات والنساء والفقراء، وهي مجموعات أوسع نطاقًا من تلك التي ذكرها تادرس، حيث تشمل القطاعات التي قد تميل بسهولة إلى العنف لتفريغ الإحباط واليأس السياسي والاجتماعي، بالإضافة إلى الأقليات الدينية التقليدية