مشهد 1
المكان: مصر
الزمان: قبيل أيام من بدء امتحانات الثانوية العامة.
الحدث: قوات الأمن تداهم عدة منازل في عدد من المحافظات وتعتقل عشرات الطلاب بالتزامن مع اقتراب الامتحانات.
الأمن الوطني يداهم منزل طالب قاصر في المرحلة الثانوية ويعتدي عليه بالضرب أمام أسرته، ويقتاده إلى قسم الشرطة بتهمة الانتماء لجماعة محظورة وغيرها من التهم الملفقة المُعتاد سماعها في هذه الأيام، وبعد فقدان أسرة الطالب الأمل في خروجه قبل امتحاناته، سعى أهله لاستخراج تصريحٍ يمكّنه من أداء امتحاناته في إحدى اللجان الخاصة بالسجن، في مدرسته بين زملائه، ولكن الاختلاف أنه سيكون برفقة رجال الأمن عنوةً مكبل اليد بقيد من الحديد، ومع ذلك يلقى الأهل والمحامي عدة تعنتات في استخراج التصريح فإن وافقت عليه إدارة المدرسة ترفضه إدارة السجن أو العكس، وربما توافق الإدارتين بعد عناءٍ ولكن يخشى الأهل أن تتعنت إحداهما في إرسال لجان لاختبار الطالب في مقر احتجازه، أو ترحيله للمكان المقرر عقد الامتحان فيه، كما حدث مع عشرات الطلاب قبله، لتصل للطالب رسالة واحدة مفادها: “مهما تحاول، لن تكمل دراستك، سنقضى على مستقبلك داخل السجن إن لم نتمكن من القضاء على حياتك بأكملها خارج السجن لأي سبب كان”.
مشهد 2
ينهي طالب الثانوي دروسه اليومية وهو المطارد أمنيًا بسبب مشاركته السابقة في فاعليات رافضة للنظام ويعود لمنزله لإعداد نفسه للخروج ليلًا للجلوس على أحد المقاهي أو للاختباء في منزل أحد أقربائه غير المعروفين وربما للسير في الشوارع التي اعتبرها أكثر أمنًا من منزله حتى يحل الصباح ويعاود الكرة كما تعود منذ بداية العام الدراسي خشية الاعتقال، في محاولةٍ منه للحفاظ على حريته أطول فترة ممكنة حتى يتمكن من إكمال دراسته الثانوية والدخول للامتحانات، رغم أن المرحلة الثانوية عرفت في البيوت المصرية بأنها فتراتٌ للقلق والتوتر تعيشها قرابة 500 ألف أسرة مصرية سنويًا تزيد مع اقتراب الامتحانات، إلا أن هذا الطالب زاد عليه قلق المطاردة مع احتمالية الاعتقال في أي وقت، فيرد في ذهنه احتمالية أن يخرج من المعتقل جثة هامدة نتيجة التعذيب أو الإهمال الطبي أو أنه لن يقتيد للسجن من الأساس وسيتم تصفيته في أحد الأماكن المهجورة وينشر اسمه على الصحف والمواقع الموالية للنظام تحت عنوان “القضاء على إرهابي أثناء تبادل إطلاق نار بينه وبين رجال الشرطة” كما عهد أن يسمع عن طلاب الجامعات والمعارضين للنظام خاصةً في الآونة الأخيرة حيث زادت وتيرتها.
مشهد 3
بتاريخ 9 مايو2015، قامت قوات الأمن باعتقال طالب الصف الثاني الثانوي “محمود مصطفى عبدالمنعم رمضان” أمام زملائه من داخل مقر لجنة الامتحان بإحدى مدارس الإسكندرية، وأخفته قسريًا عدة أيام بالتزامن مع ورود معلومات لأسرته تفيد تعرضه للتعذيب في مقر الأمن الوطني بالإسكندرية، مصيرٌ بات يخشاه آلاف من طلاب الثانوية العامة بعد عامٍ من المجهود في الدراسة أن يتم حرمانه من أداء الامتحانات بهذا الشكل المهين، ما اضطر بعض الطلاب المطاردين سياسيًا إلى اتخاذ قرار تأجيل العام بأكمله إلى العام الذي يليه عله يكون أكثر أمنًا ما يسمح له بأداء امتحاناته واستكمال دراسته.
مشهد 4
تلك الطالبة التي أُجبرت على تأجيل عام كامل من دراستها الذي ربما يزيد عن ذلك، يعود إلى اضطرار أسرتها للسفر خارج البلاد قبيل أسابيع قليلة من بدء الامتحانات، بسبب إعادة فتح قضية لفقت لها أثناء اعتقالها لانتماء والدها السياسي المطارد هو الآخر، أملت وقتها أن تستطيع إكمال العام الدراسي في الدولة التي خرجت إليها، ولكن حيل بينها وبين أملها، حالها كحال المئات من الشباب والفتيات الذين أجبروا على الخروج إلى دول أخرى لإكمال دراستهم بسبب مطاردتهم أمنيًا أو صدور بعض الأحكام القضائية بسجن عدد منهم، في رحلة خاضها طلاب قصر لم يتجاوزوا الثمانية عشر من عمرهم للبحث عن مصير لمستقبلهم المجهول، وخوض جولات أخرى من الصعاب أملًا في رسم مستقبل أفضل مختلف على نقيضه في مصر.
مشهد 5
الإعدام.. مصيرٌ آخر ربما يحل بطالب ثانوي قبيل أيام من الامتحانات، فبتاريخ 17 مايو الماضي تم تنفيذ حكم الإعدام بحق 6 شباب في القضية المعروفة إعلاميًا باسم “عرب شركس”، وكان من بين المنفذ بحقهم هذا الحكم الجائر الطالب بالصف الثالث الثانوي، عبدالرحمن سيد، الطالب مكث أكثر من عام في السجون المصرية لم يذق فيها غير دروبٍ من العذاب البدني والنفسي حتى وصل إلى حبل المشنقة في قضية لفقت له في حادثة وقعت بعد اعتقاله من قِبل قوات الأمن بأيام، بالتأكيد هو مصير لم يتوقعه قبلًا عبدالرحمن نفسه أو أي طالب بتلك المرحلة الفارقة من عمره.
مشهد 6
أثناء استذكارها دروسها ومحاولتها الضغط على نفسها للمذاكرة في ظل ظروف ربما تهوي بها هي الأخرى لنهاية مآساوية جديدة، تساءلت سرًا عن الجريمة الفادحة التي ارتكبها طلاب في الثامنة عشر من عمرهم لتكون نهايتهم بهذا الشكل الفاشي، ما بين اعتقال أو تعذيب، اختطاف وربما قتل بالرصاص، مداهمات متعددة للمنزل القاطن به، ومطاردات مستمرة، أحكام قضائية جائرة، سفر مفاجئ إلى الخارج، أو قرار يراه الطالب الأصوب بتأجيل الدراسة التي ربما تتسبب في خسارته حريته أو حياته، وتفيق تلك الطالبة مرةً أخرى على كتاب بين يديها تكمل مراجعته علها تستطيع أن تنجو من تلك الكوارث وتجتاز امتحانات الثانوية بسلام.
بالطبع السرد السابق لهذه المشاهد التي يبدو وأنها متفرقة ظاهريًا، ولكن حقيقة هذه المشاهد أنها واقع مُر يعيشه عشرات بل مئات الطلاب يربط بينهم أنه لم يرد لهم بالًا قط أن تكون دراستهم الثانوية جرم بهذا القدر من السوء ليلقوا أحد تلك المصائر الصعبة، فالنظام يرى أن كونك طالب في الثانوية العامة تنتمي لأسرة لها اتجاه سياسي لهو جريمة تستحق العقاب بحرمانك من دخول الامتحان إن كنت سعيد الحظ، وإن لم تكن فربما ستعتقل أو تقتل لتلقى جزاءك جراء كون والدك أو أحد أفراد أسرتك مطاردًا على خلفية سياسية في نظام السيسي، لتكون معاناتهم في مصر ضعفين بين نظام تعليم يخشاه الآمنون في بيوتهم مضافًا إليه مطاردات أقل ما ستفعله هي ضياع مستقبل هؤلاء الطلاب.