يعكف المصرف المركزي البريطاني على دراسة المخاطر الاقتصادية التي قد تنجم عن الخروج المحتمل لبريطانيا من بوطقة الاتحاد الأوروبي، وفي ظل تعتيم على هذه المخاطر ذكر مسؤول كبير في المصرف المركزي البريطاني لجريدة الجارديان البريطانية أن أمر دراسة التبعات الاقتصادية لخروج لندن من المنظومة الأوروبية، يجب أن يظل طي الكتمان عن أغلب موظفي المصرف وعن الصحفيين وغير مصرح بالكلام فيه الآن.
الأمر سبقه تصريحات لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة، حيث تعهد بإعادة تقييم علاقات بلاده مع الاتحاد الأوروبي قبل طرح موضوع البقاء أو المغادرة في استفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد، والذي يعتقد أن بريطانيا ستُقبل عليه عام 2017.
في ظل تخوف من قِبل العديد من رؤوساء الشركات البريطانية من احتمالية خسارتهم أسواقًا تصديرية أساسية إذا تخلت لندن عن عضويتها في الاتحاد الأوروبي، كما أن هناك جدلًا مثارًا بشأن تأثير هذا الخروج المحتمل على القطاع المالي البريطاني.
قد نقلت مجلة دير شبيجل الألمانية قبيل ذلك إرهاصات انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، على هامش القمة الأوروبية الماضية في “بروكسل” حين حذركاميرون من أنه لن يكون ضامنًا لاستمرار عضوية بلاده في الاتحاد الأوروبي في حال انتخاب جان كلود يونكر رئيس لوكسمبرج السابق رئيسًا جديدًا للمفوضية الأوروبية، اعتراضًا على سياسته.
حيث قال كاميرون رفضًا للمرشح يونكر الذي من المفترض أن يخلف البرتغالي خوسيه مانويل باروسو: “وجه من ثمانينيات القرن الماضي لن يكون قادرًا على حل مشاكل السنوات الخمس المقبلة”، كذا تعتبره بريطانيا حجر العثرة أمام المضي في إصلاح علاقات الاتحاد الأوروبي المتوترة معها في الفترات الماضية، ولمح كاميرون في حديثه للأوروبيين أن بلاده سوف تذهب إلى استفتاء على بقائها في الاتحاد من عدمه.
وفي مواجهة الضغوط التي تريد تقديم موعد الاستفتاء على هذا البقاء، رفضت الحكومة البريطانية تقديم موعد إجراء الاستفتاء في 2015 بدلاً من 2017، وقالت إن فرص التقديم “ضئيلة للغاية”، في الوقت نفسه تعمل الحكومة بقيادة كاميرون على التقليل من حدة موجة العداء للاتحاد الأوروبي داخل بريطانيا من خلال هذين العامين.
ومن جانب الاتحاد الأوروبي استبعد رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك، إمكانية إعادة فتح التفاوض مع بريطانيا فيما يتعلق بمعاهدات الاتحاد الأوروبي كما يتمنى كاميرون، مشيرًا إلى أن الإقدام على هذه الخطوة من جانب ديفيد كاميرون في هذا الاتجاه مهمة مستحيلة، ما يضع كاميرون في ضغط من كافة الجوانب.
أما عن الدول الأوروبية فقد وضعت الاحتمال الأسوأ وهو خروج بريطانيا، فقد أعلن دويتشه بنك الألماني أنه بدأ استعدادات أولية لاحتمالية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويعد هذا البنك الألماني ثاني أكبر البنوك في منطقة اليورو من حيث الأصول، وله نشاط كبير في بريطانيا.
الداخل البريطاني شبه حسم مسألة الذهاب إلى التصويت ولكن الاختلاف في الدعوات ما بين التصويت بالبقاء أو بالانفصال عن الاتحاد، فعلى سبيل المثال أعلن حزب العمال البريطاني المعارض أن الحزب سيؤيد اقتراح كاميرون بإجراء استفتاء على بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي من عدمه، على أن الحزب سيدعو إلى التصويت في الاستفتاء لمصلحة البقاء في الاتحاد، حسبما نقلت صحيفة صنداي تايمز الصادرة اليوم، على عكس ما يدعو إليه حزب الاستقلال بالانفصال.
في حين دعا زعماء قطاع الأعمال البريطاني إلى ضرورة بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي ولكن على أن يتم ذلك بضمانات عدم التوسع والتغول لسلطة الاتحاد الأوروبي في الشؤون البريطانية، وهو ما يسعى إليه ديفيد كاميرون الآن الذي يميل إلى البقاء في الاتحاد الأوروبي ويبذل قصارى جهده لعدم الرضوخ إلى الضغوط التي تريد أن تعجل بالاستفتاء، ولكنه يعمل وهو يخير أوروبا بين إجراءات الإصلاح أو أن بلاده ستضطر إلى الانفصال، ويتعرض كاميرون لضغوط من النواب المعارضين للبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي داخل حزبه “المحافظين” لوقف تراجع التأييد لصالح حزب “استقلال بريطانيا” الذي يدعو لانسحاب فوري من الاتحاد الأوروبي.
ومن ضمن محاولات كاميرون في شأن البقاء، نقلت وكالة رويترز للأنباء أن جورج أوزبورن وزير الخزانة البريطاني يعمل على إقناع أوروبا بعملية الإصلاح وإلا سيفقد الاتحاد عضوية بريطانيا، وذلك أثناء عقد مؤتمر بشأن إصلاح الاتحاد الأوروبي، مؤكدًا بذلك أن حزب “المحافظين” الذي ينتمي إليه وزير الخزانة البريطاني يحترم كافة تعهداته التي قطعها في قبل إعادة انتخابه في 2015 بأن يعيد التفاوض بشأن علاقة بريطانيا بالاتحاد قبل أن تستفتي الحكومة الشعب البريطاني على مسألة بقاء بريطانيا في الاتحاد.
وجهة النظر المؤيدة لانفصال بريطانيا ترى الوضع الاقتصادي القائم حاليًا، هو السبب الرئيس في جعل الشعوب الأوروبية رهينة للأزمة الاقتصادية، ويؤسس لحالة الانحدار داخل دول الاتحاد، ولذلك فإنهم يرون أن بريطانيا ستواجه نفس مصير أوروبا التي تواجه خيارات الإصلاح أو الاستمرار في هذا التردي، الذي يرفضه البريطانيون بالقطع.
كما ترى بريطانيا أيضًا أن نمو الاقتصاد الأوروبي من خلال الاتحاد قد توقف تقريبًا في مقابل نمو اقتصادات صاعدة مثل الصين والهند، في الوقت نفسه الذي يعاني فيه الاتحاد الأوروبي ي من ضعف في التنافسية حتى قبل أزمة قروض منطقة اليورو التي شلت الاقتصاد الأوروبي، كما ترى بريطانيا كذلك أن الاستمرار على نفس النهج سيؤدي إلى انتقال مراكز القوة إلى الشرق وإلى الجنوب في العالم مع تناقص نصيب أوروبا في العالم بالاضافة لمعاناة الأوروبيين من ارتفاع معدل البطالة، بالرغم من زيادة الإنفاق على الرعاية الاجتماعية.
هذا الخروج ستكون خسارته فادحة من وجهة نظر خبراء اقتصاديين لأن خسارة الأسواق الأوروبية ليست بالشيء الهين على الاقتصاد البريطاني، بالتزامن مع محاولات عديدة من المؤيدين للانفصال من إيجاد حلول وبدائل للتقليل من هذه الخسائر التي سيمنى بها الاقتصاد البريطاني على الأقل في السنوات الأولى من الانفصال.
كما سترغم بريطانيا على إعادة التفاوض حول العديد من الاتفاقيات الثنائية مع الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى مراجعة الكثير من التشريعات والقوانين التي أقرتها وهي داخل الاتحاد لتنفيذ قراراته، وهو عبء آخر سيخلق مزيدًا من المشاكل الاقتصادية الكبيرة، ولكن في النهاية ستكون الخطوة غير مدروسة ويصعب التكهن بتكاليفها.