“لقد أسقطنا حائط برلين الخاص بنا،” هكذا قالت ليونورا فرولي، أحد أنصار حقوق المثليين في أيرلندا، بعد الإعلان عن نتيجة الاستفتاء على الاعتراف بزواج المثليين بموافقة أغلبية الأيرلنديين، لتصبح البلاد أول من يقوم بذلك التحول باستحقاق انتخابي، ولتبدأ الاحتفالات في العاصمة دابلن، والتي اتشحت بألوان الطيف المعروفة لعلم نشطاء حقوق المثليين، حيث انطلق المثليون وأنصارهم احتفاءً في شوارع المدينة.
تم فرز الأصوات بحلول مساء الأمس، لتُظهِر النتيجة تصويت 62٪ من الناخبين لصالح إقرار الزواج، والبالغ عددهم حوالي ثلاثة مليون ناخب، حيث بلغت أعداد الموافقين 1،201،607، والرافضين 734،300، وقد توزع الموافقون على المقاطعات الانتخابية الـ43 لأيرلندا بشكل كبير، ليحقق الموافقون أغلبية في كافة المقاطعات باستثناء واحدة فقط، مما أظهر شبه إجماع بين سكان الريف والحضر، على عكس ما تخوّف منه البعض من انقسام التصويت.
تشي تلك النتيجة بتحوّل كبير في مجتمع طالما اعتبره الكثيرون محافظًا نسبيًا، لا سيما مع الدور المركزي الذي لعبته الكنيسة الكاثوليكية في تاريخ أيرلندا السياسي والاجتماعي، والتي دعا الكثيرون من قساوستها إلى التصويت بـ”لا” قبل الاستفتاء ولكن دون جدوي على ما يبدو، وهو ما رآه البعض رغبة من الأيرلنديين في الالتحاق ببلدان أوروبية أخرى قننت زواج المثليين، وتراجعًا لنفوذ الكنيسة الاجتماعي.
“بالنظر للخصوصية التي يتمتع بها المصوتون في الصناديق، يمكن أن نرى بوضوح أن المواطنين في هذا البلد قد اختاروا الانحياز لحقوق مجتمع المثليين، واتخاذ موقف واضح بدعمهم على مستوى الجمهورية كلها، إنه ليس فقط تصويتًا لزواج المثليين، بل تصويت للتسامح والمحبة والرحمة،” هكذا قال إندا كِنّي، رئيس وزراء أيرلندا، في تعليقه على النتائج.
“إنها ثورة اجتماعية،” وفقما قاله وزير الصحة ليو فارادكار، والذي أفصح هو نفسه عن ميوله المثلية في وقت سابق من هذا العام، ليصبح أول وزير مثلي في أيرلندا، في إشارة إلى السنوات الطويلة التي ظل نشطاء حقوق المثليين يدفعون فيها نحو تعزيز موقفهم، بدءًا من عام 1993، حين توقفت البلاد عن اعتبار المثلية الجنسية جريمة يعاقب عليها القانون، وصولًا إلى اعتراف السلطات بالزواج رسميًا الأمس بناءً على طلب الجماهير.
أمام قلعة دابلن، والتي كانت مقر السلطة البريطانية يومًا ما، ومقر المحكمة الوطنية اليوم، تجمع الآلاف من أنصار حقوق المثليين في مشهد ربما لم يتخيّله أحد أمام واحدة من أبرز المباني التاريخية في البلاد، احتفالًا بتعديل الدستور البالغ عمره 78 عامًا، والذي كان ينص في السابق على أن الزواج رسميًا هو عقد بين رجل وامرأة، ليصبح الآن أي ”تعاقد وفق القانون بين شخصين بدون النظر إلى جنسيهما.”
يعزو المحللون والأخصائيون الاجتماعيون ترجيح كفة الموافقين لتدفق الناخبين من الشباب، والذين عززوا من نسبة المشاركة بشكل كبيرة، حيث بلغت 61٪، وهي نسبة تفوق حتى نسبة من شاركوا عام 1998 في التصويت على اتفاق بِلفاست، والذي أنهى النزاع بين إنجلترا وأيرلندا حيال وضع جمهورية أيرلندا الشمالية، والذي يُعتَبَر واحدًا من أبرز الاستحقاقات الانتخابية في تاريخ البلاد.
كذلك، ساهمت جهود النشطاء في محاولة جذب الأيرلنديين المقيمين بالخارج للتصويت، والذين تتسم مواقفهم بالميل أكثر نحو الأنماط الليبرالية اجتماعيًا، حيث انطلقت على مدار 11 ساعة حركة منفصلة على وسائل التواصل الاجتماعي تدعوهم إلى العودة للمشاركة في التصويت التاريخي، وترجيح كفة “نعم”، وهي الحملة التي انطلقت تحت هاشتاج #hometovote.
على صعيد آخر، وفي إقرار منه بالهزيمة وبتراجع تأثير كنيسته، أقر أسقف دابلن، ديارمويد مارتن، بأن ما جرى ثورة اجتماعية بالفعل، وأنها “جارية منذ سنوات طويلة، وأن الكنيسة وأهلها لم ينجحوا ربما في فهم ذلك الحراك.. كما أنه من الواضح أن النتيجة تدعيم لمواقف الشباب، مما يعني أنه يقع على عاتق الكنيسة الآن دور مهم لفهم ما يدور.”
بدورها، كانت الكاتبة البريطانية المعروفة جيه كيه رولينغ، مؤلفة سلسلة قصص هاري بوتر، موجودة في دابلن لمتابعة التصويت بنفسها، فيما اعتبرته حدًثا استثنائيًا ومبهرًا وتاريخيًا، “لقد صنع الأيرلنديون التاريخ اليوم.. لقد صوتوا للحب والمساواة.. وأوسكار وايلد (الروائي الأيرلندي الشهير الذي عُرفَت عنه ميول مثلية) كان ليكون فخورًا جدًا،” هكذا قالت رولينغ.