هنا مخيم “أطمة” للاجئين على الحدود التركية السورية، فرت العائلات الأكثر حظًا إليه، بعدما نجت من اصطيادها عن طريق البراميل المتفجرة التي يدك بها طيران النظام السوري أحياء سوريا، يعيش في هذا المخيم أكثر من عشرة آلاف لاجئ سوري، عوائل بأطفالها، وأفراد آخرين فقدوا العوائل والأطفال.
الحافلات التركية لا تتوقف عن نقل عشرات العائلات إلى المخيم بشكل شبه يومي، ليتقاسموا الأغطية والأدوية والأطعمة فيما بينهم، فالمخيم عبارة عن خيام نُصبت على أراضٍ زراعية، حاولت الحكومة التركية تمهيده قدر المستطاع ليستقبل الآلاف من اللاجئين الذين لا مأوى لهم، وبالطبع فرغم مرارة وقسوة العيش به إلا أنه أفضل بالنسبة إلى السوريين من الموت تحت الأنقاض.
العاصفة الثلجية “هدى” كانت أولى الغارات التي شُنت على المخيم، بعد الهروب من غارات الأسد، فقد شنت العاصفة الثلجية أولى ضرباتها على اللاجئين السوريين في المخيمات من الشمال الذي شهد أمطارًا سرعان ما تسببت في سيول أغرقت المخيمات، حيث تحول مخيم أطمة إلى كومة من الوحل بسبب تواجده في الأراضي الزراعية، ناهيك عن البرد المميت الذي هدد سلامة الأطفال في المخيم.
ولكن بعد أن ذهبت العاصفة الثلجية، أدركت العوائل السورية أنها لن تغادر هذا المخيم إلى أن يقضي الله أمرًا، فالأطفال وعوائلهم يعانون من نقص حاد في المستلزمات الأولية للحياة، لكنك ستعجب إذا رأيت إصرار هؤلاء على ممارسة حياتهم بشكل شبه طبيعي، وستتعجب أيضًا على إصرار أطفال المخيم على استكمال دراستهم وتعليمهم، رغم أنهم لا يجدون أوليات الحياة التي تقيم صلبهم.
فرغم كل هذه الظروف الصعبة يصر أبناء النازحين من المقيمين في المخيم وحوله قرب الحدود مع تركيا، على الذهاب إلى فصول يطلقون عليها “مدارس” تمنيًا في المخيم، وذلك لتلقي تعليمهم، دون وجود أي مقومات لتسميته تعليمًا، لكن هذا أفضل ما يجدونه ويصرون عليه.
مسؤول شؤون التعليم في المخيم، كامل إحسان، يؤكد تشبثهم بفرص تعليم هؤلاء الصغار، ومثل ذلك التشبث عند الأطفال وأسرهم أيضًا، فأكثر من 80 تلميذًا انتظموا في تلقي الدروس في صفوف أقل ما يُقال عنها أنها متواضعة، على يد مجوعات من المدرسين المتطوعين في المدرسة التي يشرف عليها المخيم، ورغم ذلك فإن الكثير من الأطفال غير مستوعبين في هذه الخدمات التعليمية البدائية، بسبب عدم توفر الأدوات اللازمة للتوسع في العملية التعليمية لأطفال المخيم.
الأطفال يحاولون أن يتعلموا لغتهم العربية بالإضافة لمبادئ الحساب والرياضيات بجانب بعض الكلمات الإنجليزية البسيطة، إضافة إلى صفوف في القرآن الكريم، علهم يستطيعون اللحاق بأقرانهم، إذا ما عادوا إلى أوطانهم، في حين أن من يقومون على تعليمهم شباب متطوعون لا يأخذون أي أجر مادي نظير هذه الفصول.
أكبر المشاكل التي تواجه فصول التحدي هذه هي نقص المستلزمات الدراسية كالكتب ودفاتر الكتابة الخاصة بالطلاب، والمقاعد الدراسية، ولوحات الكتابة التي يستخدمها المدرسون لتوضع أمام الطلاب، فالقائمون على هذه الصفوف الدراسية البدائية يقولون إن قلمًا واحدًا ودفترًا واحدًا يمثل لهم الكثير.
أطفال سوريا رأوا منازلهم ومدارسهم هُدمت فوق رؤوسهم، وحينما هربوا وأرادوا استكمال دراستهم وحقهم في الحياة، لم يجدوا ما يدونون عليه دروسهم، في حين قلما ينتبه إليهم العالم هم وكافة أطفال سوريا اللاجئين في دول الجوار، فعندما يتحدث العالم عنهم فإنه يكتفي بحصر احتياجاتهم في توفير مآوٍ وغذاء، دون التطرق للمعاناة التي يعيشها هؤلاء الأطفال، الذين خلفوا وراءهم مشاهد الموت والدمار.
وإذا تطرقت بعض المخيمات لحاجة هؤلاء الأطفال للدراسة والتعليم، فإنه لن يتعدى تلقين الأطفال الكتابة والقراءة فحسب، ليحرموا بذلك من ممارسة أنشطة تساعدهم على تجاوز هذا الواقع المآساوي، مع الاصطدام بمحدودية الاعتمادات المخصصة لهذه الأغراض، بالإضافة لضعف تكوين المدرسين والمناهج.
ولكن مشاهد إصرار هؤلاء الطفال كفيلة ببث الأمل في النفوس، وخاصة وأنهم يجلسون في صفوفهم المتواضعة ليتلقوا ما يجدوه من تعليم، منتظرين إتاحة فرص أفضل لهم للانتقال إلى المراحل الدراسية الطبيعية، خاصة وكما يشير المتطوعون لتعليمهم أن هؤلاء الأطفال بهم من المواهب والقدرات ما يمكن تنميته في الظروف الطبيعية، موجهين بذلك صرخة إلى الهيئات الأممية والإغاثية التي تعني بحقوق الأطفال اللاجئين أن يتدخلوا سريعًا لإنقاذهم من واقع مزري يعيشونه، بالرغم من تشبثهم بالأمل وفق الإمكانيات المتاحة لهم.