ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
حقق تنظيم داعش ضربة إستراتيجية وإعلامية كبيرة إثر الاستيلاء في أسبوع واحد على مدينتي الرمادي بالعراق وتدمر بسوريا، وبعد التراجع الذي شهده التنظيم بسبب الهزائم التي تعرض لها في عين العرب وتكريت، تمكّنت عناصره من السيطرة على أراض تمسح 300 ألف كيلومتر مربع، يعيش فيها بين 8 إلى 10 مليون نسمة، وقد استغل تنظيم داعش سيطرته على الحدود السورية – العراقية لمحاصرة جنود النظام السوري الذين مازالوا متواجدين في محافظة دير الزور، كما راجع التنظيم إستراتجيته الساعية للربط بين الرمادي وتدمر عبر الطريق الصحرواي الجنوبي، بعد الفشل في فتح قناة للتواصل في الشمال بين الرقة والموصل بسبب تواجد مقاتلي البشمركة الأكراد.
وساهمت الخسائر المزدوجة، في صفوف الجيش العراقي من جهة والجيش السوري من جهة أخرى، في تعزيز مشاعر القوة التي تغذيها الدعاية التي يبثها تنظيم داعش عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ما يسمح له بالزيادة في موارده الطاقية والعسكرية، فلقد تمكنت عناصر التنظيم من الاستحواذ على مستودعات كبيرة للأسلحة، وثلاثة حقول غاز بواحة تدمر، فكيف تمكنت هذه المنظمة الجهادية التي تُقصَف كل يوم من قِبل التحالف الدولي من تحقيق هذه الانتصارات في فترة زمنية قصيرة؟
سواء في الرمادي أو تدمر، كان تنظيم داعش قادرًا على الاستفادة من القصور الإستراتيجي لخصومه ومن استغلال الوضع الاستثنائي.
هزيمة مزدوجة
تسببت السيطرة على الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار، في هزيمة مزدوجة لبغداد، عسكريًا والأهم سياسيًا؛ فالهزيمة العسكرية تتجلى مرة أخرى في عدم قدرة الجيش العراقي على مجابهة تنظيم داعش من دون الحصول على المساعدة من الميلشيات الشيعية، التي تدعمها إيران، والهزيمة السياسية تتمثل في أن الرمادي كانت إحدى المعاقل السنية الأخيرة التي لاتزال تقاوم هذا التنظيم المتطرف، والتي كانت تشكل قبائلها دعمًا قيمًا وذلك على غرار ما كانت تقوم به قوات الصحوة، في محاربتها لتنظيم القاعدة.
وقد أعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، عن انطلاق حملة استعادة محافظة الأنبار في 8 أبريل الماضي، في حين أكدت القيادة المركزية الأمريكية على قدرتها على استعادة مدينة الموصل في شهر مايو، ولكن تجد القيادة في بغداد نفسها أمام موقف صعب ومعقد، فلا خيار أمامها سوى محاولة إعادة السيطرة على مدينة الرمادي بالاستعانة بالميليشيات الشيعية، وذلك رغم المعارضة المحلية في هذه المحافظة ذات الأغلبية السنية، بسبب التوتر الطائفي وغياب الثقة بين الطرفين.
وقد جاءت السيطرة على واحة تدمر، التي تحتوي على تراث لا يقدر بثمن يعود للعصور القديمة، بعد عشرة أيام من المعارك المتواصلة بين قوات الجيش النظامي ومقاتلي التنظيم، ولطالما أثارت هذه المعارك الشكوك حول العلاقة الغامضة بين تنظيم داعش والنظام خاصة وأن هذا الأخير سمح لعناصر التنظيم بالسيطرة على منطقة إستراتيجية تربط بين دير الزور وحمص ودمشق.
وقد خسر النظام حقول غاز هامة كما وقعت قواته في كمين مما اضطرها للتراجع للعاصمة، من دون شك هذه هزيمة كبيرة لدمشق، ولكن هل كان النظام غير قادر على الدفاع عن تدمر؟ أم تعمد عدم المقاومة بشراسة في حين أن التراث الأثري يواجه خطر التدمير؟ وهل فعل ذلك بهدف تلميع صورته أمام الغرب وتسليط الضوء على خطورة المجموعات التي تقاتل ضده؟
أمر مستبعد ولكن ليس مستحيلاً
يحاول النظام إنقاد نفسه عن طريق الترويج لصورته “كمحارب للهمجية”، إذ دعا مدير الآثار السورية، مأمون عبد الكريم، العالم للتحرك للحفاظ على هذه الكنوز العالمية، ليحقق النظام بذلك ودون أي شك أسبقية إعلامية ويظهر كقوة خير تتصدى نيابة عن العالم لتنظيم داعش الذي يهدد الآثار التي لها قيمة إنسانية عالمية، ولكن على العكس من ذلك فإن النظام يعاني من عدة نقاط ضعف خصوصًا بعد الهزائم المتتالية التي شهدها في الشمال؛ حيث فقد معقلاً داخل جسر الشغور، ويبدو أنه يعاني الآن من خسائر كبيرة منها نقص في الجنود، ومواجهته لانقسامات داخلية، ومروره بتغييرات إستراتيجية من جانب حلفائه الروس وخاصة الإيرانيين، ونظرًا لاستحالة استعادة كافة الأراضي السورية، وعدم قدرة الميليشيات الشيعية على القتال على الجبهتين العراقية والسورية في نفس الوقت؛ فإن إيران تفضل الدفاع عن “الأجزاء المفيدة لها من سوريا”، لتقبل بخيار التضحية ببقية الأراضي.
أصبح تنظيم داعش بعد سيطرته على تدمر يملك رمزين مهمين، والذين يمكن استغلالهما في نشر الدعايات لصالحه، أو ضده، ويتمثل الرمزان في سجن وموقع أثري؛ فالسجن معروف تاريخيًا أنه من بين السجون الأكثر وحشية في العالم، حيث شهد خلال ثمانينات القرن الماضي مقتل المئات من السجناء وممارسات تعذيب ممنهجة، لذلك فإن سيطرة تنظيم داعش على سجن تدمر المرتبط بالذاكرة الشعبية السورية والعربية في أسوأ لحظات يمر بها النظام السوري يُعد خطوة ذكية وماكرة، ففي نظر العديد من السجناء “هذا السجن سيطرت عليه قوات مناهضة للنظام السوري”، ما يدفع ببعضهم للالتحاق بالتنظيم، وخاصة الذين تكون خلفيتهم الفكرية قريبة من أفكار التنظيم، في صورة ما لم يتم إخلاء السجن من قِبل جنود النظام قبل إخلائه.
وفيما يخص الموقع الأثري فإن جميع المراقبين اليوم يطرحون نفس الأسئلة: هل سيدمر تنظيم الدولة الموقع الأثري؟ إن كان نعم فمتي سيكون ذلك؟ وفي هذه الحالة هل سيبقى المجتمع الدولي مكتوف الأيدي؟
لم يتدخل التحالف الدولي حتى اليوم لكي لا يظهر في صورة المساند لدمشق، وحتى في إطار وجود ضغط شعبي هائل أو بدء عملية تدمير الموقع فهنالك فرصة ضئيلة لتدخله، من جهة أخرى يهدد مقاتلو الدولة الإسلامية بتدمير معبد الإله بعل والذي يعود إلى فترة ما قبل الإسلام، دون أن يشيروا إلى تدميره بالكامل، وهذا المعبد قادر على أن يكون مصدرًا هائلاً لتهريب الآثار.
إن تقدم تنظيم داعش يُظهر بوضوح فشل الإستراتيجية الأمريكية التي عولت كثيرًا على الضربات الجوية، والآن باتت العاصمتان العراقية والسورية تواجهان الخطر؛ فمدينة الرمادي تبعد 112 كلم فقط عن بغداد، في حين أن تدمر تفتح الطريق نحو دمشق.
إن سيناريو رؤية المدينتين محاصرتين من قِبل عناصر التنظيم لايزال غير محتمل، ولكنه ليس مستحيلاً على الإطلاق، وفي كلتا الحالتين فإن هذا الأمر سيؤدي إلى نشوب معارك طاحنة ستشكل نقطة تحول تدفعنا للتساؤل عن مدى قدرة النظامين على مواصلة الصراع من أجل البقاء.
المصدر: صحيفة لوريون لوجور