خرجت القمة العربية الـ 26 من مصر متبنية ضرورة تشكيل قوة عربية مشتركة، لتفعيل معاهدة الدفاع المشترك بين الدول الأعضاء للجامعة العربية، الحجة التي استند إليها الداعون لتشكيل القوة العربية المشتركة هذه المرة، هي التنسيق الدفاعي أمام مشكلة الإرهاب، أو إن شئت قل أمام مشكلة الثورات بشكل أوضح، وذلك لوضع إطار قانوني للتدخل العربي داخل بلدان الدول الأعضاء.
يبدو أن مشهد اليمن وسط التحالف العربي بات مغريًا للعديد من الدول العربية، وعلى رأسها الدولة المصرية، والتي تريد تشكيل هذه القوة بأسرع مما يمكن، جاء ذلك على لسان رئيس أركان الجيش المصري الفريق “محمود حجازي”، الذي أكد على ضرورة الانتهاء من الترتيبات الخاصة لإنشاء القوة العربية المشتركة، وذلك قبل تاريخ 29 يونيو، جاء ذلك خلال كلمته في افتتاح الاجتماع الثاني لرؤساء أركان الجيوش العربية بالجامعة العربية.
حجازي يزعم أن هذا الاستعجال إنما لتطبيق قرار القمة العربية التي أعطت وقت حتى 29 يوليو القادم لتشكيل القوة، لكن أكد أنه ينبغي الإسراع في الانتهاء منها قبل 29 يونيو وقبل الموعد المحدد بنحو شهر كامل، حتى يتسنى للقادة العرب الوقت اللازم والمناسب لقراءة ودراسة النتائج التي سيتم التوصل إليها.
معاهدة الدفاع العربي المشترك التي يستند عليها المصريون لتشكيل هذه القوة أبرمت في العام 1950، ولم يوقع عليها سوى 6 دول عربية من بين دول الجامعة، أبرز هذه الدول التي تمتلك جيوشًا قوية هي مصر وسوريا والعراق، وها هو الجيش السوري لحق بالجيش العراقي ولم يعد لهم أي ثقل أو تواجد على الأرض، فالجيش العراقي بعد تفكيكه وإعادة بنائه بأيد أمريكية يفر كل يوم أمام مليشيات “تنظيم الدولة”، والجيش العربي السوري منذ تدخل لوأد الثورة السورية على نظام آل الأسد، حتى فقد سيطرته على أكثر من نصف سوريا أمام المعارضة المسلحة وتنظيم الدولة أيضًا.
لم يتبق سوى الجيش المصري الذي اتجه في الآونة الأخيرة لتغيير عقيدته القتالية التي صنعتها أحداث تاريخية، للمضي في اتجاه الانضمام إلى نادي “الحرب على الإرهاب”، ليتصدر أعضاء النادي في الشرق الأوسط، هذا المصطلح الأمريكي المطاط التي اُرتكبت باسمه أشنع الجرائم في العالم وفي الشرق الأوسط تحديدًا، بالتأكيد ستعتمد هذه القوة المشتركة على الجيش المصري اعتمادًا كليًا في تشكيلها ولقيادتها أيضًا، ولكن ماذا وراء الإسراع بتشكيلها رغم أن هناك خلافات عربية داخلية حول أهداف ومضمون هذه القوة؟
إن النظام المصري بالتأكيد سيروج لكلمة “التصدي للإرهاب” أكثر من ذلك في الجامعة العربية، وأول ما يراه المصريون إرهابًا وفق اتجاههم الجديد، هو الصراع الليبي، وقد صرحت القاهرة أكثر من مرة في هذا الشأن، وثبت تورطها بالتدخل في الشأن الليبي، بل بحثت القاهرة عن غطاء إقليمي أو دولي لشن عمليات عسكرية في ليبيا، وهو ما لم تجده، بسبب موقف السعودية السلبي من هذه العمليات.
القوة العربية المشتركة ستسهل على مصر أمر استصدار قرار بالتدخل العسكري في ليبيا، كالنموذج اليمني الماثل أمام أعين النظام المصري، وهو ما ترفضه دول كالجزائر؛ التي رفضت عرضًا مصريًا سابقًا يحمل نفس المضمون، كذلك السعودية التي منعت النظام المصري من شن عمليات عسكرية ممنهجة في ليبيا ورفضت دعمها، بالإضافة لمعارضة العراق وسوريا لمثل هذه التدخلات في الشؤون الداخلية للدول العربية، فالعراق وسوريا أولى الدول التي تخشى من التدخل العربي في الشأن الداخلي لهما، بسبب تدهورات الأوضاع الداخلية المستمرة، في ظل الحديث عن إمكانية انطلاق عاصفة حزم سورية بقيادة سعودية، أو لجوء السعودية للتدخل في العراق تحت ذريعة الدفاع عن السنة هناك، وكل ذلك ستشكل القوة العربية المشتركة غطاءً قانونيًا له.
ربما تجد بعض الدول العربية غايتها في تشكيل هذه القوة واستدعائها في لحظات انهيار الأنظمة، لوأد أي تحركات داخيلة للإصلاح، كذلك الذي حدث في البحرين إبان الانتفاضة التي قامت في مارس 2011، واستنجدت البحرين بقوات درع الخليج، التي تدخلت وأنهت هذه الاحتجاجات القائمة لشيعة البحرين.
فتفادي مصير بن علي والقذافي وحسني مبارك لدى بعض الدول يتطلب وجود قوة للحماية، فربما كان هذا مآرب البعض من تشكليها، لكن الرأي الآخر يرى ممانعة هذا التدخل بأي شكل ولأي سبب كان، لأن دولًا ذات نفوذ في الجامعة العربية يسهل عليها الضغط لاستخدام هذه القوة للتدخل في الشؤون الداخلية لبلاد أخرى، تحت ذريعة التصدي للإرهاب، كما هو الحال في النموذج المصري والحالة الليبية.
هذا الغموض الذي يكتنف هذه القوة العربية المشتركة، أكثر من أمر التكهنات بأهدافها أو بشكلها، فالإسراع بتشكيلها بهذه الطريقة دون دراسات كافية أو أهداف واضحة معلنة يجعل الشك متاحًا في قرار تشكيلها بالأساس لأغراض ستخدم لوبيات عربية داخل الجامعة، فاجتماعات قادة الأركان لم تصدر أي قرارات بشأن تمويل هذه القوات وتدريبها وأماكن تواجدها ونسب تشكيلها من كل دولة، كل ما يكتنف هذه القوة من تفاصيل لم يتم حسمه إلى الآن، بالتزامن مع الإسراع في تشكيلها دون تحديد هذه التفاصيل، ما يجعل احتمالية فشل تكوينها قائمًا.
فيما يرى محللون أن الإسراع بتشكيل هذه القوة على هذا النحو سيجعل منها قوة شكلية لا أكثر، ولن يكون لها صدى على أرض الواقع، وستقتصر على ثلاثة دول لهم مآرب من تشكليها، لاستخدامها كغطاء قانوني لعمليات عسكرية في بلدان عربية، وهو ما يرفضه عدد من الدول الأعضاء.
كما أن الخلفية التاريخية للقوات العربية المشتركة ليست جيدة بالمرة، منذ حرب 1948 وهزيمة الجيوش العربية مجتمعة أمام عصابات إسرائيلية، والقيادة العربية المشتركة التي قامت 1965 والتي انتهت بنكسة 1967، وأُعيدت الكرة في 1976 وتدخلت قوات عربية مشتركة في النزاع اللبناني لكن الدول المشتركة في القوة انسحبت جميعها، ولم يتبق سوى الجيش السوري في لبنان، ما يعطي صورة ذهنية سيئة عن إمكانية تشكيل مثل هذه القوة.
كما يُطرح تساؤل عن وضع الدول التي لن تشارك في القوة المشتركة، حيث تم تداول أسماء دول عربية سترفض المشاركة مثل الجزائر، التي ترفض التدخل عسكريًا في أي نزاعات من أي نوع، وكذلك عُمان والعراق ولبنان، ما سيقلل من فرص نجاحها عربيًا، خاصة مع استهجان هذه الدول الإصرار على تشكيل القوة في غضون شهور قليلة دون وضع أهداف محددة لها.
وسط كل هذه الظروف بالتزامن مع نغمة لا صوت يعلو فوق صوت الحرب على الإرهاب، ستتشكل قوة عربية للتصدي للتنظيمات الإرهابية في الدول العربية، دون أن يحدد ما هو الإرهاب؟ وما هي التنظيمات الإرهابية المقصودة بالمواجهة؟ ما يجعل التساؤل مطروحًا لم الإسراع الآن في تشكيل هذه القوة دون حسم كافة متعلقاتها.