يعتبر السؤال الأهم المطروح الآن على الساحة السياسية التركية هو؛ هل بإمكان حزب الشعوب الديمقراطي تجاوز عتبة الـ 10% أم لا؟ ويحمل هذا السؤال في طياته الكثير من التساؤلات عن مستقبل تركيا إذا ما استطاع الحزب تجاوز نسبة 10%، خصوصًا مع إعلان حزب العدالة والتنمية بأن غايته تتمثل في الانتقال بتركيا إلى نظام رئاسي بدلًا من النظام البرلماني المعمول به حاليًا، وعن رغبته في إنجاز الدستور الجديد، إذ إن انتصار حزب الشعوب الديمقراطي سيعتبر نقلة نوعية في التاريخ الحزبي الحديث لتركيا، ويعتبر عائقًا أمام الحزب الحاكم، فالساحة التركية لم تشهد خلال العقدين الماضيين أي ظهور تقريبًا لحزب جديد ليس ذي خلفية إسلامية، استطاع تحريك الشارع التركي بهذه الطريقة، وأضحى في الوقت ذاته قاب قوسين أو أدنى من كسر حالة الجمود الحزبي الذي شهدتها الساحة التركية منذ ظهور حزب العدالة والتنمية، ساعيًا بذلك لخلق خريطة سياسية جديدة قد يشهدها البرلمان التركي بعد الانتخابات البرلمانية، التي ستجري في الـ 7 من يوليو القادم.
وتشير استطلاعات الرأي التي قامت بها ثلاث شركات في الـ 23 من هذا الشهر، بأن حزب الشعوب الديمقراطي لن يستطيع تخطي عتبة 10% وجاءت استطلاعاتهم كالتالي:
استطلاع konsensus
استطلاعات Genar
استطلاعات Denge
إلا أن هناك استطلاعات رأي أجراها حزب الشعوب الديمقراطي وشركات أخرى، تشير إلى حصول الحزب على أكثر من 10%، وهي النسبة التي تؤهله لدخول البرلمان، فحسب استطلاعات الرأي التي قامت بها شركة Andy-A، فإن حزب الشعوب الديمقراطي سيحصل على نسبة 10.4%.
هذه النسب التي تبدو متقاربة مع بعضها البعض، والتي تعطي مؤشرًا على أن هناك احتمالية لحصول حزب الشعوب الديمقراطي على نسبة تؤهله من الدخول للبرلمان، تجعل من المهم النظر في الشرائح التي ستدعم الحزب في الانتخابات القادمة.
إن خصوصية هذه الانتخابات وموقف الأطراف المختلفة منها، تجعل من المهم تقسيم الفئات التي ستدعم حزب الشعوب الديمقراطي إلى عدة أقسام:
1- الكتلة الرئيسية للحزب وهي من الأكراد.
2- الكتلة التي تدور حول برنامج الحزب الديمقراطي من جهة تأييده للحريات المختلفة.
3- الاتجاهات اليسارية، التي ستدعم الحزب لكون حزب الشعوب الديمقراطي يساري التوجه، ويحتوي على أحزاب يسارية داخل ائتلافه.
4- التوجهات المخالفة لحزب العدالة والتنمية، التي ترى في نجاح حزب الشعوب الديمقراطي هزيمة لحزب العدالة والتنمية.
أولًا: الأكراد
تعتبر الحركة السياسية الكردية هي الكتلة الأساسية المكونة لحزب الشعوب الديمقراطي، الذي بدوره يعتبر تطورًا من تطورات هذه الحركة وامتدادًا طبيعيًا للأحزاب الكردية السابقة مثل حزب السلام والديمقراطية، ويحمل حزب الشعوب الديمقراطية هموم الشريحة الكردية، ويطالب بحقوقهم الأساسية، بالإضافة إلى حكم محلي للمناطق الكردية، ولا شك أن هذه الانتخابات، ومع وجود حزب الشعوب الديمقراطي، تعتبر انتخابات استثنائية لدى الأكراد؛ الذين يرون أن نجاح حزب الشعوب الديمقراطي قد يعني كثيرًا لقضاياهم العالقة منذ عدة عقود، إلا أن الأمر الذي لا يمتلك أحد الإجابة عليه، هو هل ستنتصر القومية الكردية لحزب الشعوب الديمقراطي، أم أن الاختلافات بين التيارات الفكرية الكردية، الإسلامية منها والعلمانية والقومية واليسارية، ستبقى حاضرة في خيارات الناخب الكردي.
وتقدر نسبة الكتلة التصويتية للأكراد لصالح حزب الشعوب الديمقراطي حوالي 7%، وهي نسبة جيدة، لكنها غير كافية لتمكين الحزب من تجاوز نسبة 10%.
ويعتقد كثيرون، ومن بينهم مرشحة حزب الشعوب الديمقراطي في إسطنبول شريفة أرباي، أن الكثيرين من الأكراد المؤيدين لحزب العدالة والتنمية سيتوجهون للإدلاء بأصواتهم لحزب الشعوب الديمقراطية، خصوصًا بعد موقف الحكومة من أحداث كوباني، حيث يعتبر كثيرون أن تقاعس حكومة العدالبة والتنمية عن نصرة الأكراد في كوباني سيوجه الأكراد الذين يدعمون حزب العدالة والتنمية لتغيير خياراتهم في هذه الانتخابات، ويصوتون لصالح حزب الشعوب الديمقراطي، دعمًا للقومية الكردية.
ثانيًا: اليساريون
فقد اليساريون في تركيا زخمهم في ثمانينات القرن الماضي، وبعد اتجاه العالم نحو سياسة القطب الواحد والانفتاح بعد سقوط المعسكر السوفيتي، ضعف التواجد الحزبي اليساري ولم يمتلك أي حزب ذي خلفية يسارية زخمًا مهمًا، إذ تتشكل الخارطة اليسارية في تركيا من بعض الأحزاب الصغيرة التي لا حول لها ولا قوة، واعتاد الناخبون اليساريون في تركيا إعطاء أصواتهم لحزب الشعب الجمهوري، الذي يعتبر أقل الأحزاب القوية محافظة، إلا أن الانتخابات الحالية ستوجه اليساريين، سواء أكانوا منتمين لأحزاب يسارية صغيرة أو منتمين لحزب الشعب الجمهوري، للإدلاء بأصواتهم لصالح حزب الشعوب الديمقراطي اليساري الوجهة، ومع ذلك لا يمكن التنبؤ بنسبة الأصوات التي سيخسرها حزب الشعب الجمهوري لصالح حزب الشعوب الديمقراطي؛ لأنها المرة الاولى التي تشهد الساحة التركية هذا الحدث الاستثنائي.
ثالثًا: الديمقراطيون وداعمو الحريات
لا يوجد شريحة يطلق عليها كتلة أو شريحة الديمقراطيين، إلا أن هناك العديد من المهتمين بالشؤون السياسية يعتبرون أنفسهم ديمقراطيين قبل أي اعتبار آخر، وهؤلاء يسعون لتعزيز المفاهيم الديمقراطية والارتقاء بمستوى الحريات، والضغط ضد أي محاولة انفراد بالسلطة من قِبل أي حزب، هؤلاء المؤمنين بالحريات والداعمين للديمقراطية يرون في حزب الشعوب الديمقراطي غايتهم، وذلك لأمرين اثنين؛ أولًا لأن حزب الشعوب الديمقراطي يمتلك برنامًجا ديمقراطيًا حرياتيًا – ليبراليًا – أكثر من غيره من الأحزاب، إذ يؤيد حزب الشعوب الديمقراطي على سبيل المثال حقوق المثليين، وثانيًا لأن حزب الشعوب الديمقراطي، بنظر هؤلاء الديمقراطيين، هو ضمانة لديمقراطية أفضل، حيث يعتبرون انتصار حزب الشعوب الديمقراطي انتصارًا للديمقراطية من خلال تمثيل شرائح أوسع في المجتمع التركي داخل البرلمان، بالإضافة إلى تقييد حزب العدالة والتنمية.
رابعًا: المعارضون للنظام الرئاسي
ينضوي تحت هذا اللواء كل من ينوي التصويت لصالح حزب الشعوب الديمقراطي لمنع حزب العدالة والتنمية من تحقيق رؤيته بشأن النظام الرئاسي وتغيير الدستور، وهؤلاء أيضًا يتمثلون في داعمي الديمقراطية وبعض المناوئين لحزب العدالة والتنمية حتى من أحزاب المعارضة، الذين يرون أن إيقاف حزب العدالة والتنمية أهم من التصويت لأحزابهم، ولذلك سيتجهون لدعم حزب الشعوب الديمقراطي، الوحيد الذي يستطيع تحقيق هذه الغاية في الوقت الراهن، ومن بين الذين ربما يسلكون هذا الطريق هم جماعة فتح الله غولن، حيث من المحتمل أن يؤيدوا حزب الشعوب الديمقراطي لعدائهم المعلن للحكومة ولحزب العدالة والتنمية.
أخيرًا لا يمكن لحزب الشعوب الديمقراطي الانتصار بدون تأييد شرائح من المجتمع التركي، حيث إنه لا يمكنه الاعتماد على الأكراد فقط الذين ينتمون لأكثر من تيار فكري، وبينما يبدو أن الحزب واثق من انتصاره في هذه المعركة، إلا أن العوامل التي توجه الناخب الكردي والتركي متعددة ومتغيرة، قد تكون كافية لإدخاله البرلمان، وقد تقف عقبة أمام تحقيق هذا الأمر.