لا أحد ينكر بأن إيران نجحت، ومنذ بداية أزمتها النووية، في كسر الكلمة الأمريكية – الإسرائيلية على المنطقة، فعلى مدار عقدين (تقريبًا) من الأزمة، لم تستطع الولايات المتحدة ولا المتحالفة معها من كسر ما انطلقت عليه بشأن برنامجها النووي، باعتباره سيادي وسلمي فقط، وكانت بدأت نجاحاتها منذ حصولها على اتفاق نووي أواخر 2013، والذي تم التوقيع عليه مع الدول الغربية (5+1) ومشاركة الولايات المتحدة، والذي نصّ على تجميد “مؤقّت” لبرنامجها النووي، في مقابل تخفيض العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، على أمل التوصل إلى اتفاقات نهائية خلال أوقات لاحقة.
وبغض النظر عن مواقف أطراف مؤيدة، وأقل تأييدًا للاتفاق الحاصل، إلا أن مواقف أخرى بدت غير راضية تمامًا عنه، وخاصةً الصادرة عن إسرائيل والمملكة السعودية، كونهما الدولتان اللتان تعتبِران نفسيهما تحت تهديدات إيرانية مباشرة، وكانتا تتأذّيان بعد كل تفاهمات تنتج عن المفاوضات الجارية معها، بسبب أنها لا تلبي مطالبهما السياسية والأمنية كما ينبغي.
فكما أبدت إسرائيل تأففها، وتمكّنت من خلاله وصف الاتفاق، بأنه يمثل نجاحًا غير مسبوق لإيران، ومن ثم يحق لها رفع شارة النصر، لاسيما وأنها حافظت على مشروعها النووي وعلى موقفها من الدولة، من حيث عدم الاعتراف بها أو التهديد بمحوها، فقد أبدت السعودية ملاحظاتها أيضًا على نفس الاتفاق، بسبب أن نجاحات أخرى سترافقه، وبالتالي ستنعكس عليها بالدرجة الأولى، فإلى جانب استطاعة إيران كسرها لمشروع الهيمنة الغربية على المنطقة، فقد تحصل على مكانة عسكرية واقتصادية ودينية “شيعيّة” بخاصّة، تفيض عن المعقول على حسابها باعتبارها قائدة دول المنطقة “السنيّة”.
وحتى اتفاق فيينا، والذي تم توقيعه مؤخرًا، أبدت إسرائيل قلقًا أكبر، حيث وقع عليها الاتفاق وقوع الصاعقة، ومثّل لها صدمة ملأت جوفها ألمًا وحسرة، بحيث لم تستطع كظم غيظها، ولم تخفِ معارضتها له، أو الإعلان عن ضرورة إفشاله بمفردها أو بالتعاون مع جهات خليجية كارهة، وإن بطرقٍ غير مباشرة، كونها تشترك معها بشأن تخوفاتها القائمة والمستقبلية، كما أفضت الرياض عن تحفظات مثيرة وشكوك مترامية، فيما إذا كانت إيران ستلتزم به أم لا؟ وعبّر عنها الملك “سلمان بن عبد العزيز” من خلال إهماله تلبية دعوة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لحضور قمة كامب ديفيد المُعدة لهذا الأمر.
أوباما وكما كان حريصًا على التنسيق مع إسرائيل بشأن المفاوضات مع إيران من أجل تسهيل وجهات نظر مُعقدة، فقد كان على نوايا مماثلة بالنسبة لأصدقائه العرب وخاصة السعودية، وعلى أساس توفير ما يلزم في مقابل سكوتها عن الاتفاق، وقد تعهّد بنفسه خلال قمة كامب ديفيد أواسط الشهر الجاري، أمام زعماء الخليج الحاضرين، بضمان أمن وسلامة بلادهم، في مقابل أيّة تهديدات إيرانية مقبلة.
لكن كما يبدو، فإن الرياض بشكلٍ خاص، لم تكن مرتاحة تمامًا للتعهدات الأمريكية، نتيجة لقلقها المتزايد حيال التهديدات الإيرانية، وخاصة في ضوء الأزمات التي تعصف بالمنطقة ككل، ومع اقتراب توقيع الاتفاق النهائي، وكما كانت لا تقل كثيرًا عن الطموحات الإسرائيلية بشأن تفضيلها تنفيذ خيار عسكري، بجهود أمريكية أو يسمح لها البيت الأبيض كي تقوم بتنفيذه، فإنها رغبت في قيام واشنطن بالضغط على طهران لشطب برنامجها بالكليّة، أو تضطرّها إلى وضعه تحت الشمس مباشرةً، بسبب أن لا ضمانات مُقنعة، بأن تقوم بعسكرته وصولًا إلى القنبلة النووية.
الآن، وإن كانت الرياض، وبالنظر إلى اعتبار النشاطات النووي الإيراني، هو واحد فقط من الأوجه المتعددة للتهديدات الإيرانية باتجاهها بخاصة، فإنها تطمح في مقابل سكوتها عن أي اتفاق قادم، إلى اقتناء قنبلة نووية، وسواء بالسماح لها بصناعتها أو بشرائها جاهزة، وخاصة من باكستان، لاسيما وأنها قامت بتمويل جزء كبير من البرنامج النووي الباكستاني، فإن إسرائيل وفي مقابل سكوتها أيضًا، وعدم التهديد بعمل عسكري، تريد تعويضًا لائقًا وبما يتناسب مع تخوفاتها المختلفة؛ فإلى جانب أنها تمتلك القوة النووية، فإنها ترغب في أن تقوم الولايات المتحدة بتحديث سلاحها بصورة منتظمة، إضافة إلى اشتراطات تتمثّل بنقل الأموال إليها كـ “مساعدات دائمة”، وأخرى تتمثّل بالتصدي نيابة عنها، أمام المحافل الدولية خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
على أي حال، فإن أوباما، الذي لا تأكيدات لديه من حصوله على بصمة إيران إلى حد الآن، فإنه غالبًا ما يشعر بالحيرة، فيما إذا كان بمقدوره حيازتها من جهة، والتوفيق بين سياساته والمواقف السعودية – الإسرائيلية الفائتة من جهة أخرى، لكن هذه الحيرة، لن تمنعه من العمل على كافة الجبهات، باعتباره يبحث عن إنجاز بالنسبة لطي الملف الإيراني على يديه، وباتجاه إرضاء الدولتين “إسرائيل والسعودية” بخاصة، باعتبارهما واحدة حليفة وأخرى صديقة، وإن كان بلسانين مختلفين، كما هو الحال عادةً.
فهو سيبذل جهده باتجاه إسرائيل، من أجل إقناعها بالاتفاق النهائي المحتمل، مقابل أثمان مُجزية، بدءًا بتوفير شروطها التسليحية والمالية، وانتهاءً بالأممية أيضًا، وقد سمعنا عن كميات خيالية من الأسلحة، وأرقامًا مالية غير مقروءة بسهولة، قد تتسلمها إسرائيل في أيّة لحظة، بالإضافة إلى مشاهدتنا خلال اليومين الفائتين، كيف قام أوباما بإفشال المؤتمر الأممي بشأن إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية لصالح إسرائيل؟ وقد كان سيمثل حرجًا بالغًا، ربما لا دواء له ولا شفاء منه.
وبالمقابل فإن اللسان الثاني، سيقول إن للسعودية النصيب الوافر أيضًا، ولكن دون كسر قواعد التفوق الإسرائيلي، ودون ما يدور في مخيلتها أيضًا، بإمكانية تملّكها سلاحًا نوويًا، حتى في ضوء اتخاذها قرارًا بذلك، بسبب أن أوباما نفسه، يشترك مع تل أبيب ضد طرح كهذا، بحجة أن السماح لها بذلك، يُنذر بإطلاق سباق تسلح نووي، ليس بمنطقة الخليج وحسب، بل سيكون حافزًا أمام دول أخرى، كمصر وتركيًا وغيرهما من دول المنطقة، كما – وهو الأهم- لا يمكن استبعاده من أن يكون موجّهًا لإسرائيل في يوم ما، كما يقول الإسرائيليون على الأقل.