كثيرة هي المجالات التي تنتظر انكبابًا معمقًا في تونس الجديدة، فبعد أن انتهى الاجتماع السياسي التونسي من إنجاز دستور الجمهورية الثانية، هو اليوم مطالب بالمضي قدمًا في إصلاحات هيكلية تعالج الأسباب التي كانت محركًا لثورة 17 ديسمبر- 14 يناير خاصة المسألة التنموية وما يتعلق بها من مجالات متفرعة.
ولأن هذا البلد الصغير جغرافيًا محدود الموارد الطبيعية، تميز منذ الاستقلال بتعويله على العنصر البشري كمكون رئيس لاقتصاده؛ ما جعل التعليم رافدًا أساسيًا من روافد البناء الاقتصادي.
وباعتبار أن الأنظمة الفاسدة متى حكمت أفسدت في كل المجالات، لا يختلف اثنان في تونس اليوم حول الواقع المتردي للتعليم وهو ما دفع وزارة التربية إلى إطلاق “حوار وطني يستهدف إصلاح التعليم” يوم 23 أبريل الماضي.
انطلاق الحوار
أعطى ناجي جلول، وزير التربية، إشارة انطلاق الحوار الوطني المجتمعي لإصلاح المنظومة التعليمية، معلنًا عن تكوين لجنة وطنية لقيادة إصلاح المنظومة التربوية والتي ستضم وزارة التربية وغيرها من الوزارات ذات العلاقة والاتحاد العام التونسي للشغل وممثلين عن المجتمع المدني، وستتولى اللجنة مهمة الإعداد لإصلاح المنظومة وتيسير مراحل إنجازه وتوفير المجال للأطراف المعنية لتقديم تصوراتها ومشاريعها ومقترحاتها.
وفي تصريح إعلامي، قال جلول إن واقع المؤسسات التربوية في البلاد قد تراكمت فيه جملة من المشاكل والمصاعب قادت إلى اهتراء المنظومة التربوية وتراجع مستوى المدرسة التونسية.
وأوضح جلّول في حوار أدلى به لصحيفة الشروق في عددها الصادر 17 أبريل 2015، أن “التشخيص الأولي لخريطة المؤسسات التربوية بمختلف مسؤولياتها الابتدائية والإعدادية والثانوية والمهنية يجعلنا ندقّ ناقوس الخطر المحدق بمدارس الجمهورية “.
وبيّن أن التركة ثقيلة في مجال البنية التحتية والتجهيزات والموارد البشرية، لافتًا إلى أن المشاكل جمّة في مستوى التكوين والتقييم وفي مسالك التوجيه وفي مخرجات التربية والتعليم على وجه العموم، ولهذا لا بد من خطة شاملة لإصلاح ما فسد.
وزير التربية السابق: لجنة القيادة صلب وزارة التربية هي لجنة بـ “لون واحد”
وفي سياق متصل، اعتبر الوزير السابق للتربية فتحي الجراي أن التمشي الحالي لإصلاح المنظومة التربوية متسرع ومرتجل، مشددًا على ضرورة تشريك جميع الأطراف في إطار حوار مجتمعي تشرف عليه وزارة التربية بكل حياد.
وأضاف الجراي خلال مشاركته في الاستشارة الإقليمية حول إصلاح المنظومة التربوية بصفاقس أن لجنة القيادة صلب وزارة التربية هي، في رأيه، “لجنة بلون واحد” إذ تم إقصاء العديد من الجمعيات التربوية من عملية الحوار.
ودعا الجراي إلى التريث وعدم التسرع في عملية الإصلاح إلا في الأمور المستعجلة مع ضرورة مراعاة مبادئ الموضوعية والإنصاف بعيدًا عما اسماه “بالتشنج والتوظيف السياسي والأيديولوجي”.
كما أوصى بتنظيم الحوار المجتمعي على امتداد سنة كاملة ليتوج بوضع إستراتيجية متكاملة ودائمة “قصد تجنب تكرار السقوط في أخطاء الماضي”.
وقد شكلت وزارة التربية هيئة لإدارة الحوار الوطني في مختلف مراحله وتكونت من وزارة التربية ممثلة في مدير البرامج عادل حداد في وزارة الطيب البكوش وفي الوزارة الحالية.
كما ضمت الهيئة الاتحاد العام التونسي للشغل ممثلاً مرتين (كطرف مستقل وكعضو في شبكة عهد) والمعهد العربي لحقوق الإنسان الذي أورثه الطيب البكوش لعبد الباسط حسن، زوج الناشطة اليسارية رجاء بن سلامة، بالإضافة إلى الهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وفرع تونس لمنظمة العفو الدولية وجمعية القضاة التونسيين والشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان.
وهي منظمات تقودها شخصيات يسارية؛ ما جعل العديد من الأطراف تطعن في هذا الحوار باعتبار أنه لم يشمل مختلف التيارات الفكرية في البلاد.
منظمة الأعراف تستنكر تغييبها
من بين المنظمات التي استنكرت مضي الوزارة فيما اعتبرته إقصاء، نجد الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، الذي عبر عن امتعاضه بسبب إقصائه من الحوار الوطني حول إصلاح المنظومة التربوية عبر بيان قال فيه إأنه فوجئ بعدم إشراكه كأحد الأطراف الرئيسة في الحوار الوطني حول إصلاح المنظومة التربوية والاقتصار على دعوته من قِبل وزارة التربية لحضور الجلسة الافتتاحية.
وعبر الاتحاد عن رفضه لعقلية الإقصاء التي لاتزال تهمين على عقليات بعض الأطراف وأنه لم يتعود على لعب دور “الكومبارس” ولا يقبل بهذا الدور تحت أي ظرف كان، على حد تعبيره.
كما جاء في نص البيان أن الاتحاد يعتبر أن إصلاح منظومة التعليم شأن وطني يهم كل التونسيين وكل الفئات ولا يمكن لأي جهة أو سلك مهني أن يحتكر هذه الاستشارة أو عملية الإصلاح، كما أنه يعتبر أن ما جرى يعد تنصلاً من العقد الاجتماعي الممضى من قِبل الأطراف الاجتماعيين الثلاثة في 14 يناير 2013 والذي نص على ” إجراء إصلاح شامل لمنظومة التعليم بمختلف مراحله بما يجعل مخرجاتها تتلاءم مع احتياجات الاقتصاد”، وفق ما جاء حرفيا في نص العقد الاجتماعي.
غازي الشواشي: الفشل هو مآل الحوار الوطني لإصلاح المنظومة التربوية
من جهته، انتقد غازي الشواشي، القيادي بالتيار الديمقراطي، في تصريح لـ “آخر خبر أونلاين”، الحوار الوطني حول إصلاح المنظومة التربوية، قائلاً إن من إنجازات وزير التربية هو تنظيم حوار وطني يدوم شهرين في الشوارع والمقاهي ولا تشارك فيه الأحزاب السياسية.
وأكد غازي الشواشي، أن المعروض على الحكومة الحالية هو فتح الملفات الكبرى واتخاذ قرارات هيكلية، ومن ضمن القطاعات التي قال إنه من الضروري إعادة النظر فيها هي المنظومة التربوية، مشيرًا إلى أن ناجي جلول وزير التربية فتح حوارًا وطنيًا في الغرض، لكنه عاب عليه عدم إشراك الأحزاب السياسية في هذا الحوار.
وأضاف الشواشي أنه من المفروض أن يتم إشراك جميع المنظمات المعنية ومكونات المجتمع المدني والأحزاب السياسية باعتبار أن لها برامجها الإصلاحية فيما يتعلق بالمنظومة التربوية، معلقًا “اليوم نرى حوارًا مزيفًا وغير جدي وهو عبارة عن ذر رماد على الأعين باعتبار أنه يضم ثلاثة أطراف فقط وهم وزارة التربية والاتحاد العام التونسي للشغل والمعهد العربي لحقوق الانسان”.
كما اعتبر أن المدة الزمنية المخصصة للحوار الوطني قصيرة جدًا (شهران فقط) للوصول إلى إصلاح وطني للمنظومة التربوية، خاصة وأنها شهدت خلال العقود الثلاثة الماضية فسادًا كبيرًا، فضلاً عن أن بلادنا تشهد أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية قد تصعّب عملية الإصلاح، وفق تعبيره.
وتحدث غازي الشواشي أيضًا عن الكتاب الأبيض الذي قال وزير التربية إنه سيتضمن الخطوط العريضة لإصلاح المنظومة التربوية، حيث اعتبر الشواشي أن الحوار شكلي وأن الكتاب الذي تحدث عنه ناجي جلول جاهز وسيقع تقديمه، ذلك لأنه يرى أن إعداد كتاب أبيض في شهران يعد أمر صعب، مشيرًا إلى أن الكتاب سيكون على مقاس وزير التربية الحالي ويحمل خلفيات أيديولوجية، متهمًا وزير التربية بصياغة هذا الكتاب.
وعقّب قائلاً: “أيّ برنامج لا تشارك فيه الأطراف المعنية يكون مآله الفشل”.
راشد الغنوشي: لن نسمح بإصلاحات مسقطة
وتفاعلاً مع هذا الحوار وما سببه من جدل، نظمت حركة النهضة ندوة يوم أمس الإثنين بمقرها تحت عنوان “الإصلاح التربوى الواقع والرهانات”.
وقال الغنوشي على هامش افتتاح هذه الندوة، التي حضرها “نون بوست”، أن الشأن التربوي هو شأن وطني وأي تغيير في هذا المستوى هو تغيير إستراتيجي، ودعا الغنوشى وزارة التربية إلى تجنب ما وصفه بالتعجل في هذا الشان وأن يدرس الإصلاح التربوي على نار هادئة وأن يكون ذلك نتيجة استشارة وطنية واسعة، حاثًا على عدم التسرع في تنفيذه بداية من السنة القادمة.
وقال لا أحد له الحق فى أن يتحكم في مستقبل أجيالنا ولا مجال لانفراد أي جهة أو أي طرف كان بصناعة مستقبل أجيالنا كما كان يحدث في النظام السابق، بل يجب أن يتم الإصلاح بمشاركة الجميع .
وتابع “توجد تيارات أيديولوجية كثيرة في تونس ولا مشكل في ذلك ولكن لا يحق لتيار أيديولوجي أن ينفرد بصناعة مستقبل أجيال تونس والتحكم فيها”. مشيرًا إلى أن التجربة الانتقالية في تونس قامت على التوافق والمطلوب في هذا الشان هو التوافق والتحاور حتى يكون الإصلاح التربوى فعالا.