ترجمة وتحرير نون بوست
لم يتغير شيء، عيناه لاتزالان نصف مغلقتين بالتجاعيد التي تحيط بهما، وعبوسه مايزال يحدث شقوقًا غائرة في جبينه، ولكن، قبل كل شيء، لم يتغير استعداد محمود أحمدي نجاد لتلبية طلبات الملتمسين الإيرانيين المتواضعين، الذين يقابلهم وجهًا لوجه، وكل على حدة، تمامًا كما كان يفعل عندما كان رئيسًا حتى عام 2013.
تبدأ طقوس نجاد في الساعة السابعة صباحًا، حيث يخرج في معظم أيام الأسبوع إلى ضاحية طهران الشرقية التي تدعى نارماك، والتي يقطن فيها نجاد في منزله العائلي الذي يتشاركه مع اثنين من أولاده المتزوجين، ويمسك نجاد بطلبات مكتوبة بخط اليد، في الوقت الذي يصطف فيه الرجال والنساء في الشارع، خلف حاجز حديدي منخفض، في مشهد يعيد إلى الأذهان التقليد العريق الذي يتمثل بإصغاء الحاكم الحميد لشكوى الفقراء.
الحراس الشخصيون المسلحون يحضرون إلى المكان لمعاينته، قبل فترة وجيزة من وصول الرئيس السابق بمشيته الرشيقة، ليحيي أول الملتمسين، والموضوع لا يأخذ أكثر من نظرة متعاطفة، وتركيز مدروس، تليها بضع كلمات، وعلى إثرها يتحرك مقدم الالتماس ليسمح للشخص الذي يليه بالحضور أمام نجاد.
ابتسامة الرئيس السابق المتعاطفة انتهت فقط عندما راوغت أنا ومترجمي الفارسي حتى نصل إلى بداية الصف لنسأل نجاد فيما إذا كان يعتقد أن المفاوضين الإيرانيين يقومون بعمل جيد في المحادثات النووية، وهنا أجابنا بتكشيرة “لا لقاءات”، وعندما طرحت سؤالي التالي باللغة الإنجليزية ليترجمه مساعدي باللغة الفارسية “هل تخطط للترشح للرئاسة مرة أخرى؟”، اختفت الابتسامة نهائيًا وتوسعت التكشيرة وكرر قائلًا بلهجة حازمة “لا لقاءات”.
السؤال الذي طرحته حول ترشح نجاد للرئاسة هو أحد الأسئلة التي تساور الكثير من الإيرانيين، فليس هناك رئيس إيراني سابق آخر يمارس هذه الطقوس القديمة أمام الجمهور الذي يرغب بطرح مشاكله وحلها، ونجاد مشهور بهذه الممارسة التي اتبعها طوال فترة رئاسته التي امتدت لعهدين رئاسيين من عام 2005 وحتى عام 2013، حيث تتناسب هذه الممارسة مع صورته الشعبوية المتمثلة بالإصغاء لشكاوى الناس العاديين، على عكس رجال الدين المتحفظين الذين جاءوا قبله وبعده إلى هذا المنصب، ولكن يبقى السؤال: هل هذه الممارسة هي مجرد عادة ثابتة ومستمرة، أم أن هنالك هدف يسعى إليه نجاد على المدى الطويل؟
لا بد من الإشارة إلى أن لقاء نجاد مع الملتمسين لا يظهر في وسائل الإعلام الإيرانية، وبذلك فإنه من الواضح أن هذه اللقاءات لا تحصّل له الدعاية السياسية أو الشهرة، وفي الواقع، وفي ظل نظام الرقابة والرقابة الذاتية المعقد الذي يؤثر على الصحافة والتلفزيون الإيراني، اسم نجاد لم يعد يظهر أبدًا الآن على وسائل الإعلام، والقضاء الإيراني أصدر مؤخرا أمرًا بحظر أي ذكر أو اقتباس من الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، ورغم عدم وجود أي أمر مشابه حول نجاد، بيد أن الصمت الرسمي يفرض هذا الحظر على نجاد من تلقاء ذاته.
العودة إلى الساحة السياسية
وفقًا للعديد من المحللين في طهران، نجاد قد يكون أمامه مستقبل سياسي، فإذا فشلت المحادثات النووية، وعادت علاقات إيران مع الغرب إلى حالة التوتر والتنابز المتبادل بالألقاب، فإن المرشد الأعلى للبلاد آية الله علي خامنئي، قد يقرر حاجة البلاد إلى الرئيس المتشدد والشعبوي مرة أخرى، وقد تتحقق فرصة نجاد أيضًا في حال نجحت المحادثات، ولكن تبين أن رفع العقوبات، الذي يتطلع إليه معظم الإيرانيين بفارغ الصبر، لم يحقق أي تحسن كبير في مستويات المعيشة، وهنا سيتم اتباع سياسة إلقاء اللوم على الرئيس الحالي وفريقه، والعودة إلى الشعبوية، وفي كلا السيناريوهين سيكون نجاد بطاقة رابحة في يد خامنئي.
على الرغم من أن وسائل الإعلام لا تسلط الضوء على لقاءات نجاد، ولكن في ذات الوقت، فإن تجمع الناس في نارماك بعد الفجر بقليل سببه تناقل الأحاديث حول نجاد بين عامة الشعب، وللصدق نقول، إن قائمة الانتظار ليست طويلة، ووسطيًا يتجمع حوالي نصف دزينة من الأشخاص يوميًا، وفقًا لما قاله لنا أحد رجال الشرطة الذي يعمل كحارس خارج منزل نجاد، ولكن الكلمة تسافر وتنتقل ضمن المجتمعات رغم الرقابة، وصورة نجاد كرجل شعبوي قادر على فهم مشاكل وأوجاع الناس العاديين، تنتقل من أفواه بعض الناس إلى مسامع آخرين.
“لماذا أتيت؟” سألت شابًا كان يجلس في سيارته، ويحاول أن يشرح لزوجته ما قاله له نجاد، واستطعت أن أعرف أن الشاب كان يعمل في شركة مشروبات غازية توقفت قبل 18 شهرًا، وتقدم إلى نجاد طلبًا للمساعدة بعد أن أخفقت جهوده الأخرى للعثور على وظيفة، وحينها أجابه الرئيس السابق بصراحة “لا أعتقد أنني يمكن أن أساعدك، لم يعد لي هذه السلطة الآن، ولكن عد إليّ مع طلب لنرى ماذا يمكن أن نفعله”، الشاب لم يكن يعرف أنه بحاجة لجلب طلب، لكنه سيحضر واحدًا وسيعود مرة أخرى.
شاب آخر أحضر معه طلب، أخبرنا أنه نام كامل الليلة السابقة في حديقة مجاورة، حتى يكون موجودًا عندما يأتي نجاد، هذا الشاب يحتاج للمال حتى يدفع إيجار منزله، وإلا سيتم طرده هو وزوجته وطفله، واتباعًا لاقترح أحد الملالي في مسجده، جاء الشاب إلى نجاد، الذي أخذ الطلب ووعده بإيصاله إلى وكالة رعاية تقدم قروضًا رخيصة.
ومن بين الأشخاص، أرملة عجوز، كانت تعمل كمساعدة في متجر، سبق لها وأن زارت نجاد، وفي زيارتها السابقة كان نجاد مايزال رئيسًا، وأعطاها حينئذ ما يعادل 700 دولار لمساعدتها في شراء شقة لنفسها ولأولادها المتزوجين، والآن، هي بحاجة لأكثر من ذلك، فهي، وفق ما قالت لنا، غير معجبة بالرئيس الإيراني الحالي، حسن روحاني، ولكنها تعرف أن نجاد قادر على مساعدتها.
شخصية مثيرة للجدل
لا يوجد سياسي إيراني حديث يثير هذه المشاعر المؤيدة أو المعارضة، فبغض النظر عن جميع مقدمي الطلبات الذين يأتون إلى نارماك، هناك الكثير من الإيرانيين الآخرين الذين ينتقدونه، ويقول البعض إنهم يخجلون مما فعله بصورة البلاد.
في محل صغير يبعد عن منزل نجاد بضعة أمتار، يتجمع أفراد من أسرة الرئيس السابق في بعض الأحيان، “تم عزل بلدنا بعد الثورة الإسلامية، إلا أن نجاد كان أكثر عزلة، لقد كانت وجهات نظره بشأن المحرقة (الهولوكوست) غريبة، ومجتمعنا لا يتفق معها”، قال الشاب الذي يدير المحل، وتابع قائلًا “إن رفع العقوبات سيعطي إيران صورة أفضل، ولكن البعض يعتقد أن الاقتصاد كان أفضل في ظل حكمه، ولكنني أشك في أن نجاد يمكن أن يعود إلى السلطة حقًا، فلقد تناهى إلى أسماعي أنه لا يستمع لرأي مستشاريه، لقد كان يحكم لوحده”.
في أروقة مجلس الشورى، وهو البرلمان الإيراني، تختلط الآراء، كون أداء نجاد في السلطة أدى إلى إقصاء العديد من النواب خارج المجلس، “كان لديه بعض النقاط الإيجابية، إنه رجل عملي، ومدير جيد، ولكني أشك في عودته إلى السلطة”، يقول محمد إسماعليان النائب عن خراسان، ويضيف “قد يكون نجاد شعبيًا بين الجمهور الأقل حظًا من التعليم، ولكن من يحلل الأمور سيدرك أن أولوياته لم تكن تصب في المصلحة العامة”.
حسين الكناني مقدم، مؤسس حزب الخضر الذي يضم خمسة أعضاء ضمن البرلمان، يوجه انتقادات لاذعة لنجاد، حيث يقول “إن الناس المؤيدة لنجاد تتطلع لفشل الاتفاق النووي، لكنهم يشكلون أقلية، وسيتم إقصاؤهم من المجلس من خلال التصويت في انتخابات فبراير القادم، إذا تم عقد الصفقة”، ويتابع بقوله “نجاد يعيش في كهف، فهو يمضي وقته بالصلاة، ولكنه سياسيًا انتهى، ولديه العديد من الأسئلة التي يجب أن يجيب الناس عنها، إنه كمحمد مرسي -الرئيس المصري المخلوع -، إلا أنه لا يقبع في السجن، إنه يعيش في سجن داخل عقله”.
الإرث التي تركه نجاد في الاقتصاد، صعّب من مهمة حكومة روحاني، كون فتح اليدين للملتمسين وأصحاب الطلبات من الأفراد، كان يتم على المستوى الوطني خلال الفترة التي قضاها نجاد في السلطة؛ فخلال رحلاته المتكررة للمحافظات كان يستمع إلى مناشدات الناس العاديين أو المسؤولين المحليين حول طلبهم للجسور الجديدة أو أنظمة الري الجديدة، وكان يوجه موظفيه لاتخاذ الإجراءات اللازمة فورًا، ولكن مشاريع البنية التحتية الخفيفة التي تم البدء بها، كان لا بد من تقليصها أو إيقافها، بسبب تصاعد حجم التضخم في الدولة الإيرانية.
سعيد ليلاز، محلل اقتصادي وإصلاحي، حُكم عليه بالسجن لمدة طويلة بعد أن تم إعادة انتخاب نجاد في عام 2009، هو بطبيعة الحال ليس من مناصري نجاد، حيث يشير أن العقوبات وانهيار أسعار النفط العالمية لم تكن وحدها التي أدت إلى ركود الاقتصاد الإيراني، بل إن ممارسات نجاد ورفاقه الثوريين، وتسلقهم واستفادتهم من نظام العقوبات هو ما فعل ذلك، حيث يقول “نجاد كان يريد أن يحقن الاضطراب في المجتمع، لقد حقق هو ورفاقه أرباحًا طائلة من العقوبات المفروضة على إيران، لقد نهبوا هذا البلد، وأنشأوا طبقة اجتماعية جديدة”.
الوقوف في وجه جورج دبليو بوش
يعتمد النظام السياسي الإيراني على من يقبل به رجال الدين الذين يحكمون البلاد كمرشح، ليتم طرح اسمه للتصويت الشعبي، ويعد مجلس صيانة الدستور المكون من 12 عضوًا (6 منهم من علماء الدين الذين يعينهم القائد الأعلى للثورة و6 منهم من المحامين الذي يتم انتخابهم من مجلس الشورى) القائمة المثلى لمرشحي الرئاسة، ويرى بعض المحللين أن ترشيح نجاد في عام 2005 لرئاسة إيران، كان يبدو منطقيًا في الوقت الذي كان فيه البيت الأبيض في يد الشخصية الهجومية المتمثلة بجورج دبليو بوش.
يقول أمير موهبيان، مدير وكالة الأنباء آريا، والذي يصف نفسه بأنه سياسي معتدل “نجاد يختلف تمامًا عن روحاني، لأنه يتمتع بثقة عالية جدًا بالنفس، لقد كان موقفه النفسي محضرًا دائمًا للهجوم على كل قضية، وفي الشؤون الدولية على وجه الخصوص، كان يعتقد أن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع، وكان يرى أن القوة هي التي تصنع الفرق بين البلدان، وأن القوة هي التي تصنع الحق، لذلك كان على إيران أن تُظهر قوتها للعالم، من وجهة نظره”، وتابع قائلًا “بوش لم يكن شخصًا عقلانيًا، لقد كان أحادي النزعة وعدوانيًا، وكان يسعى لمهاجمة إيران مع العراق، وفي ذلك الوقت كان رئيسنا خاتمي عقلانيًا، ومع ذلك وصف بوش إيران بأنها جزء من محور الشر، حتى عندما كان خاتمي في السلطة، وهذه الظروف كان تملي أن يصل إلى الرئاسة في إيران شخص غير عقلاني، لقد كان من الصعب معرفة ما الذي يدور في ذهن نجاد أو ما الذي يخطط ليفعله، وهذا كان يعمل بمثابة رادع للجميع”.
بعد خاتمي الإصلاحي، ونجاد المحافظ، كانت إيران بحاجة في عام 2013 لشخص مثل روحاني، الذي يجمع شيئًا من كلا الشخصيتين، وبعبارة أخرى وسطي، كما يقول موهبيان، ولكن ما سيحدث بعد ذلك، وفق تعبيره، يتوقف على ما إذا كان سيتم عقد اتفاق نووي من عدمه، وعقد هذا الاتفاق بدوره يعتمد على ما إذا كانت الولايات المتحدة ستطالب إيران بالكثير من التنازلات في الأسابيع الأخيرة من المحادثات.
نجاد قد يكون خارج الضوء الإعلامي عندما يخرج ليحيي ملتمسيه الهزيلين يوميًا، ولكنه مازال على اتصال مستمر مع السياسيين المتشددين في إيران، للتخطيط لتحركاتهم المقبلة، وبالنسبة للمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، نجاد هو حليف محتمل ولكنه شائك، حيث سبق لخامنئي ونجاد وأن دخلا في نزاع في أبريل 2011 عندما سعى الأخير إلى إقالة حيدر مصلحي، وزير الاستخبارات، وعارض خامنئي هذه الخطوة علنًا، وحينها اعتزل نجاد في منزله في نارماك وبقي هناك عابسًا لمدة 11 يومًا ويفكر بقرار الاستقالة، لكن في نهاية المطاف عاد إلى مكتبه، وتعهد بولائه لخامنئي.
“على الرغم من هذه التوترات، بيد أن نجاد لايزال من الممكن استخدامه كورقة مساومة من قِبل خامنئي، سواء ضمن المفاوضات، أو كحماية إذا ما ساءت الأمور، فنجاد هو الوجه المتشدد الأكثر شهرة في إيران”، يقول موهبيان، ويختم قائلًا “في الوقت الراهن نحن في إيران بمكان جيد وعقلاني ومعتدل، والكرة الآن في ملعب الولايات المتحدة، وهي إما أن تظهر عقلانيتها أو لاعقلانيتها في المرحلة القادمة من المحادثات، ونحن بحاجة إلى شخص لتهديد الولايات المتحدة أنها إذا تصرفت بشكل سيء، فنحن على استعداد لإقحام نجاد مرة أخرى إلى المشهد السياسي”.
المصدر: ميدل إيست آي