يجلس الباحثون في مختبر بيركلي الهندسي في كاليفورنيا فخورين حول الروبوت الذي تعلم أن يفتح غطاء الزجاجة بيديه، كأنهم يشاهدون طفلًا صغيرًا يخطو خطواته الأولى، لكن هذا الروبوت تعلم أيضًا من قبل تعليق الملابس، ووضع غرض في مكان ضيق، أو خلع مسمار من قطعة خشب بالمطرقة، وهذه تبدو مهامًا تافهة بالنسبة لك، لكنها تمثل تقدمًا علميًا عظيمًا في تعلم الروبوتات، أحرزه فريق الباحثين في جامعة كاليفورنيا، والذين قاموا بتدريب آلة لها ذراعين على مضاهاة سرعة الإنسان في القيام بالمهام.
الميزة التي قام بها هذا الفريق هي في ابتكارهم لطريقة جديدة لتعليم الروبوتات، تسمى “التعليم العميق”، والتي حققت تقدمًا عاليًا من قبل في مجال تعرف الحواسيب على الحديث والصور، والتي وجد الفريق أنها سوف تُجدي مع تعليم الروبوتات لأنها تتضمن اللمس والرؤية.
دُهش أفراد الفريق لرؤية النتائج مقارنة بالمحاولات السابقة، بداية من قائد الفريق عالم الروبوتات بيتر آبيل، اختصاصي الرؤية الحاسوبية تريفور داريل، الباحث سيرجي ليفين، وشيلسيا فين الطالبة المتخرجة، فبعد أن قاموا بدمج خوارزميات القدرة على التعرف، قاموا بتدريب الروبوتات لتتقن أعمالًا مثل إدخال مكعب على بناء من المكعبات بعدد قليل من المحاولات.
وقال الدكتور آبيل إنه يعتقد أن “التعليم العميق” هو ما أوصل الذكاء الاصطناعي إلى ما بلغه الآن، ففجأة ظهرت كل هذه النتائج أفضل بكثير مما كانوا يتوقعون، أما عالم الروبوتات فقد قال إن قيمة تكنولوجيا بيركلي الجديدة ستكون في التدريب السريع للروبوتات على المهام الجديدة، والذي سيفيد الآلات التي لديها قابلية للتعلم من الإنسان.
غاري برادسكي عالم الروبوتات، واختصاصي الرؤية الآلية، والذي أسس مكتبة مجانية مفتوحة لبرامج الرؤية الآلية أسماها OpenCV، قال إن تمكين الروبوت من مزامنة التحكم في عينيه مع التحكم في يديه يستغرق غالبًا ما يمتد من ساعات إلى أشهر من البرمجة، لكن هذه التقنية الجديدة تُمّكنه من تعلم المهمة بأدائها فقط.
وبالرغم من التقدم الذي أنجزه الباحثون، فقد قالوا إنهم لايزالون بعيدين بفترة تصل إلى عشر سنوات من هدفهم؛ ببناء روبوت يستطيع التصرف وحده تمامًا بعد تعليمه دون أي تحكم بشري، ليستطيع أن يعمل بدل ربة المنزل، أو يعتني بشخص مسن ويقوم على خدمته وتمريضه.
وقال الباحثون إن هذه التقنية الجديدة مع كونها واعدة إلا أنها هشة أيضًا، فبالنسبة لغطاء الزجاجة، فالروبوت يستطيع أن يقوم وحده بذلك إن اختلف لون الزجاجة مثلًا أو عند وضعها في مكان آخر، لكن إذا تمت إمالة زاوية الزجاجة عما تعود عليه قليلًا، فإنه سوف يفشل تمامًا.
ولكي يشرح دكتور آبيل الطريقة الجديدة، ضرب مثالًا بطريقة لاعبي كرة البيسبول في ملاحقة الكرات وإمساكها، فالبشر لا يقومون بعمليات حسابية لتبين مسار الكرة، وإنما يقومون بتثبيت الكرة في مجال رؤيتهم؛ ليضبطوا على أساسه سرعتهم في الركض حتى يصلوا للنقطة التي تهبط فيها الكرة، وهذا يختصر علاقات معقدة بين الاستقبال والحركة، بتقنية بسيطة تعمل في معظم الحالات بدون القلق بخصوص تفاصيل مثل مقاومة الرياح أو سرعة الكرة.
وقد حصد فيديو سابق لمختبر بيركلي يظهر فيه روبوت يقوم بطي الملابس وترتيبها، مع أنه يراها لأول مرة، ما يقرب من المليون مشاهدة حتى الآن، المراقبون لهذا الفيديو لاحظوا أن سرعة الإنسان الآلي تزداد كل مرة عن سابقتها، لدرجة وصلت إلى خمسين ضعفًا، لتظهر الفيديوهات الجديدة الروبوت وهو يقوم بالمهمات بسرعة تماثل سرعة الإنسان، وقد نفاجأ يومًا أن الروبوتات تفوقت على معلميها.