لم يكن يعلم “هين” ما هي البلد التي انتقل إليها وهو في سن الخامسة، فقد قيل له أنه قادم هنا ليعمل فقط، وقد صار له سبع سنوات يعمل في عالم الحشيش في بريطانيا دون مقابل تعرض فيها لكل أنواع الاستغلال والبؤس، حتى وقع في أيدي السلطات البريطانية، والتي حاكمته بالطبع وأرسلته للسجن دون أن تدري، أو تكترث، بأنه ضحية كآلاف غيره يتم استجلابهم كل عام للعمل دون مقابل، في واحدة من أكثر البلدان تقدمًا في العالم.
لم يمتلك هين أي خيار سوى أن يخضع لخاطفيه، وهو اليتيم القادم من فيتنام، ليمضي خمس سنوات من عمره متنقلًا مع عصابات الإتجار بالبشر، قبل أن يُرسَل إلى بيت يضم عمال فيتناميين في لندن، ويعمل خادمًا لهم دون مقابل، وهو البيت الذي رأى فيه العشرات من الأطفال الفيتناميين يأتون ويذهبون، بينما اضطر هو للنوم في الحدائق العامة والتقاط الطعام من القمامة بعد أن تخلى عنه الشخص الذي استجلبه، والذي قال له طوال تلك الفترة أنه عمه – ولم يكن عمه بالطبع.
لاحقًا، وجد هين ضالته في الإقامة مع زوجين فيتناميين، ولكن المقابل كان العمل مجانًا في مزارع الحشيش في مانشتر وإسكتلندا، وهو أمر لم يكن يعلم عنه شيئًا طبقًا لشهادته للشرطة البريطانية، فقد ذكر أثناء التحقيقات أنه تعامل مع مجموعة مختلفة من النباتات ولم يكن يعلم أنها مخالفة للقانون، وكل ما قيل له أنها تجلب الكثير من الأموال، وبالطبع الكثير من الأمراض كما علم لاحقًا، حيث تدهورت صحته نتيجة استخدام المبيدات في المزارع، وهي مهمة كانت جزءًا من مسؤولياته في العناية بالحشيش.
حين اعتقلته الشرطة البريطانية، كان هين وحده مع الحشيش، وبدأ يحكي حكايته الطويلة في محاولة لشرح الموقف، ولكن الشرطة لم تقتنع بما قاله على ما يبدو بسهولة، وأرسلته لإصلاحية للمجرمين صغيري السن في إسكتلندا، حيث أمضى عشرة أشهر، ليتم إطلاق سراحه فقط حين تدخل أحد القضاة ممن ارتأوا أنه ضحية للإتجار بالبشر وليس مجرمًا.
أطفال فيتنام وعصابات الإتجار بالبشر في بريطانيا
يشكل الأطفال حوالي رُبع الأشخاص الذين يتم الإتجار بهم وجلبهم إلى بريطانيا، والبالغ عددهم حوالي 13،000 سنويًا، وأطفال فيتنام تحديدًا هم المجموعة الأكبر من هؤلاء، حيث يصل حوالي 30 طفلًا فيتناميًا كل شهر تقريبًا إلى البلاد طبقًا لمكتب الأمم المتحدة للجريمة والمخدرات، لينضموا إلى ثلاثة آلاف موجودين بالفعل يعملون قسرًا عن طريق عصابات إجرامية تدير مصانع حشيش، وأحيانًا أيضًا منازل خاصة بأعداد كبيرة كما كان يفعل هين، وبيوت للبغاء، ومصانع للأقمشة.
لطالما سيطرت العصابات الفيتنامية على تجارة الحشيش في بريطانيا، والتي تقدّر بحوالي مليار جنيه إسترليني، وتُعَد صاحبة الدور الأبرز في ارتفاع نسبة الحشيش الذي تتم زراعته محليًا داخل البلاد من 15٪ عام 2005 إلى 90٪ الآن، حيث نمت مصانع الحشيش المملوكة لفيتناميين بنسبة 150٪ على مدار العاميين الماضيين فقط، وهو توسّع تحاول الدولة البريطانية جاهدة أن تواجهه عبر القوانين، كما أنه يتعرّض أصلًا لهجوم مضاد من المنافسين البريطانيين في سوق الحشيش، والمتضررين من المنافسة الفيتنامية.
تقرّ الشرطة البريطانية أنها تعاني بالفعل من سرعة وكفاءة عمل تلك العصابات الفيتنامية، والتنوّع في الأنشطة الذي بدأت تتسم به مؤخرًا، بل واتجاهها إلى إسكتلندا وأيرلندا الشمالية انطلاقًا من إنجلترا، “علينا أن نتمكن من فهم الأساليب الجديدة لتلك العصابات، والعمل نحو وقف الطلب الذي يجلب لهم الأرباح من ناحية، وتحجيم قدرتهم على در الأرباح من ناحية أخرى عبر مكافحة منظومتهم المالية،” هكذا يقول ستفين كارترايت، رئيس وحدة محاربة الإتجار بالبشر في شرطة إسكتلندا.
تكمن المشكلة الرئيسية هنا أن مكافحة المخدرات وأنشطة تلك العصابات، غالبًا ما تصبح المواضيع ذات الأولوية الأبرز، مما يجعل منظومة العدالة البريطانية تحاكم الكثير من الضالعين في تلك النشاطات، ومنهم الأطفال المهرّبين، دون إدراك أن معظمهم ضحايا لتجارة تلك العصابات بالبشر، ورُغم أن البعض الآن قد بدأ ينتبه لتلك المسألة، كما تثبت حالة هين الذي تم إطلاق سراحه، إلا أن تحري الدقة في تلك العماليات سيستغرق وقتًا طويلًا كما تشي بذلك الإحصاءات الحالية، والتي تشير إلى أن الأطفال الفيتناميين هم ثاني أكبر مجموعة عرقية في الإصلاحيات البريطانية.
علاوة على ذلك، التعرف على الضحايا من بين تلك الشبكة المعقد من المجرمين لن يكون كافيًا، بل بداية لرحلة أخرى لاكتشاف حيوات أولئك الأطفال، والجرائم الأخرى التي يتعرضون لها بجانب السخرة، كما يقول فيليب إشولا، الرئيس السابق لمكتب مكافحة الإتجار بالبشر في بريطانيا، “تدرك الشرطة والسلطات في بريطانيا الآن أن هؤلاء الأطفال ضحايا ليس إلا، وأنهم يعملون رُغمًا عنهم في مزارع الحشيش، ولكن السُخرة ليست سوى غيض من فيض مما يتعرضون له، فنحن نعتقد أن هناك مشاكل أخرى يتعرضون لها سنكتشفها مع الوقت، وسنحتاج لبذل الكثير من الجهد لوقف هذه الجرائم.”