سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على الرمادي منتصف الشهر الجاري ليضمها إلى المناطق الواقعة تحت نفوذه في محافظة الأنبار، وذلك بعد معارك طاحنة مع القوات العراقية، انتهت بفرار قوات التدخل السريع العراقية من أمام قرابة 150 مقاتلاً من تنظيم الدولة تاركين أسلحتهم وذخائرهم، وسط تكبيرات من مسلحي تنظيم الدولة، بعدما واصلوا تتبع الفارين منهم لقتلهم باعتبارهم “جيش الروافض” – ما يطلقه أنصار التنظيم على الجيش العراقي -.
هذا المشهد يعده البعض طائفيًا من قِبل التنظيم، لاستثارة مشاعر السنة أمام تغول الشيعة في العراق، وقد نال هذا المشهد ما يكفيه من الإدانات والشجب والحديث عن إرهاب التنظيم واستخدامه لسلاح الطائفية وما إلخ، من الانتقادات الموجهة للتنظيم وأيديولجيته القائم عليها.
رد فعل حكومة بغداد على سقوط مدينة الرمادي، جاء على لسان حيدر العبادي حينما صرح أن استعادة الرمادي من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية هو الخيار الوحيد أمام حكومته، متعهدًا باستعادة المدينة خلال أيام.
واليوم تعلن بغداد عن انطلاق عمليات عسكرية للجيش العراقي مدعومًا بميلشيات الحشد الشعبي والعشائر السنية لتحرير محافظة الأنبار من داعش، حسب إعلان وزارة الدفاع العراقية، الخبر إلى هذه النقطة منطقي للغاية، ولكن استكمالًا لما تبقى من الخبر، يخرج أحمد الأسدي، المتحدث باسم قيادة قوات “الحشد الشعبي” المؤلفة من فصائل شيعية تقاتل إلى جانب القوات الحكومية معلنًا انطلاق عملية أطلق عليها “لبيك يا حسين” وهو شعار طائفي بامتياز في العراق، وذكر الأسدي أن العملية تستهدف مناطق شمال صلاح الدين وجنوب غرب تكريت وشمال شرق الرمادي، لتطويق المحافظة للبدء في تحريرها من عناصر داعش.
صمت الحكومة العراقية آذانها عن هذا الإعلان كالعادة وعن هذا الشعار، فبينما ترفع داعش شعار “سنقاتل الروافض”، ترفع المليشيات الشيعية الطائفية شعارات تنم عن طبيعة المقاتلين في هذه المعركة، فأين الاختلاف بين الفريقين؟ وكأن العبادي فهم كلام الولايات المتحدة عن سقوط الرمادي بأنه مدعاة لمزيد من الحشد الطائفي الروحي الشيعي، لأن الولايات المتحدة قالت إن الجيش العراقي يقاتل بدون إرادة أمام تنظيم الدولة، فانطلقت مليشيات الحشد الشعبي الشيعية ملتحفة شعار “لبيك يا حسين” لرفع الروح المعنوية والإرادة على ما يبدو في وجهة نظر حكومة العبادي.
الحشد الشعبي هو وجه آخر للحكومة العراقية الآن، تقاتل هذه المليشيات مع القوات الحكومية، تنظيم الدولة لإخراجه من المناطق التي سيطر عليها منذ منتصف العام الماضي، لكن اعتداءاتها على سكان المناطق التي يخرح منها التنظيم تكررت، وكان آخرها إعدام نازحين وتفجير المساجد في ديالى أمام أعين السلطة في بغداد، بحسب ما أوردته بيانات لهيئة العلماء المسلمين في العراق (السنية).
بعد تكرار الأمر واعتراف المجتمع الدولي به، والحديث عن مجازر لا تقل بشاعة عن التي يُرمى بها تنظيم الدولة، لجأ بعض سكان المناطق السنية للخروج إلى المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة هربًا من جحيم المليشيات الشيعية التي تقتل أهل العراق السنة باسم “لبيك يا حسين”.
رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي صرح حينها من داخل مجلس النواب على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، وقال إن “القوات الأمنية أخذت التدابير اللازمة لحماية أمن المواطن وأملاكه وعدم السماح لأي قوة خارج الدولة أن تهاجم المدنيين”، وذلك بعدما نجح في تحرير تكريت بواسطة الحشد الشعبي، فاضطر العبادي تحت الضغط الأمريكي للتخلي عنهم مؤقتًا وتنحيتهم عن الأرض، إلى أن سقطت الرمادي في أيدي تنظيم الدولة، حتى هرعت حكومة العبادي للاستغاثة بمليشيا الحشد الشعبي للوقوف أمام زحف تنظيم الدولة.
هذه المليشيات الشيعية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني شكلت أزمة على صعيد العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق؛ فحكومة البغدادي ترى أن لهذه المليشيات الشيعية الفضل في التصدي لتنظيم الدولة، بينما ترى الولايات المتحدة أن حصر قتال تنظيم الدولة في فصائل شيعية، يكرس من مسألة الهيمنة الإيرانية على العراق، وهو ما تحاول التصدي له، باقتراح تسليح العشائر السنية لموازنة الأمر على الأرض، كذلك اقتراح إنشاء حرس وطني سني تسلحه الولايات المتحدة بعيدًا عن وزارة الدفاع العراقية، وهو ما ترفضه بغداد.
وعلى الصعيد الميداني قصف تنظيم الدولة الإسلامية شرقي منطقة العنكور جنوب شرق الرمادي عاصمة محافظة الأنبار، بالتزامن مع بدء القوات العراقية ومليشيات الحشد الشعبي عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على المحافظة التي يفرض التنظيم سيطرته على معظم مناطقها، وهو ما أدى لوقوع قتلى في صفوف الحشد الشعبي والتنظيم، في الوقت نفسه أرسل تنظيم الدولة تعزيزات إلى الرمادي للوقوف أمام هذه الهجمات.
يذكر أن محافظة الأنبار تشترك بحدود مع محافظة صلاح الدين – كبرى مدنها تكريت التي تبعد قرابة 160 كليو مترًا من بغداد – وقد أعلنت بغداد عن تحريرها في نهاية مارس الماضي بعد معارك دامية بين قوات مليشيا الحشد الشعبي والعناصر المسلحة من التنظيم.
استدعاء مليشيات شيعية بشعارات كالتي أُطلقت لتحرير مدينة الأنبار يعزز من وجهة نظر تنظيم الدولة التي يصدرها عن معاركه، وهي عامل جذب أنصار جدد له من العشائر السنية، ولكن حكومة بغداد تصم آذانها عن هذه الحقيقة، فيما تخسر الدعم الحقيقي للعشائر السنية على الأرض والتي ستكتفي بإعلان الدعم الرسمي لهذه الحرب، بسبب الصبغة الطائفية التي طفت على هذه المعارك من جانب الحكومة العراقية.