يعتبر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي سليل الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية بعد إعلان ولائها لتنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن يوم 25 يناير، وكان يتزعمه في تلك الفترة عبد المالك درودكال المكنى بأبي مصعب عبد الودود، الذي تولى القيادة منذ سنة 2004 وهو في الثلاثينات من عمره والذي عرف عنه معرفته الواسعة في مجال صناعة المتفجرات.
وبحسب أدبيات التنظيم، فإنه يقدم نفسه على أنه “يسعى لتحرير المغرب الإسلامي من الوجود الغربي والموالين له وحماية المنطقة من الأطماع الخارجية”.
ورغم أنه نجح في جلب الأنظار بعملياته الإرهابية في الجزائر خاصة ثم باقي المنطقة، إلا أنه لا توجد إحصائيات دقيقة لعدد مقاتلي الجماعة، فالثابت هو أن أغلب عناصره جزائرية الأصل فيما يتوزع الباقون على جنسيات مختلفة أبرزها موريتانيا وليبيا والمغرب وتونس ومالي ونيجيريا.
وقد تمركز نشاط التنظيم أساسًا في الجزائر في مرحلة أولى، ليمتد لاحقًا إلى جنوب الصحراء وباقي مدن المغرب العربي، بعد أن ركز جهوده على تدريب عناصر من دول الجوار.
وقد صنفت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي كحركة إرهابية.
وتماهيًا مع تبعات ظهور تنظيم الدولة في السوق الجهادية، التي انسلخت عن تنظيمها الأم، القاعدة، مقدمة طرحًا جديدًا وتصورًا مغايرًا للأسس الإستراتيجية التي وضعها بن لادن وشركاؤه، شهدت خلايا تنظيم القاعدة في بلاد المغرب سجالات واسعة حول كيفية التعاطي مع هذا الطرح الجديد؛ فانقسم الصف المتشدد بين داعم له وبين مرتاب ومحافظ على انتمائه السابق.
ارتفاع عدد المبايعين للبغدادي في دول المغرب العربي
يبدو أن القدرة التسويقية العالية التي ظهر بها تنظيم الدولة منذ إعلان الخلافة وتنصيب أبي بكر البغدادي خليفة للمسلمين كانت كفيلة بدفع العديد من الخلايا والتنظيمات في بلدان المغرب العربي إلى فك الارتباط مع تنظيم القاعدة ومبايعة التنظيم الوافد.
الجزائر
ففي الجزائر، أعلن منشقون عن تنظيم القاعدة برئاسة أيمن الظواهري، في بلاد المغرب العربي إنشاء تنظيم مسلح جديد تابع لتنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ “داعش”، حيث أعلنت مجموعة من عناصر تنظيم القاعدة، تنشط في مدينة “سرايا” وسط الجزائر، في بيان تأسيس تنظيم “جند الخلافة في أرض الجزائر” مرتبط بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.
وتقرر تأسيس التنظيم، بحسب البيان الرسمي للجماعة الوليدة، “بعد اجتماع لمجلس شورى منطقة الوسط في كتيبة الهدى وبعض السرايا التي كانت تتبع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، حيث تم الاتفاق على تأسيس جند الخلافة في أرض الجزائر بقيادة خالد أبي سليمان وبيعة البغدادي”.
وقد بايعت هذه المجموعة البغدادي في 13سبتمبر 2014 ويقدر عدد مقاتليها بـ 105 مقاتلاً، وتتواجد بالمثلث بومرداس البويرة تيزي وزو وسط الجزائر، وتتكون أسلحتها من مركبات رباعية، رشاشات، قناصات، عبوات ناسفة كاتيوشا، وكلاشات وأبرز عملياتها اختطاف وذبح رهينة فرنسي في الجزائر في شهر سبتمبر الماضي.
كما شهدت الجزائر إعلان كتيبة أخرى تابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، تنشط بمحافظة سكيكدة، شرقي الجزائر، انشقاقها عن التنظيم ومبايعتها لأمير داعش، أبو بكر البغدادي،، بحسب بيان نشرته مواقع جهادية.
وجاء البيان عبر كلمة صوتية لأحد أعضاء الكتيبة تحت عنوان “بيان من كتيبة سكيكدة، كتيبة أنصار الخلافة بجبال الرحمن، ببيعة خليفة المسلمين وانضمامهم للدولة الإسلامية”.
وتبنت الكتيبة التي أطلقت على نفسها أيضًا تسمية “جند الخلافة في أرض الجزائر” إعدام رعية فرنسي يدعى هيرفي غوردال، اختطفته بجبال تيزي وزو شرق العاصمة في 21 سبتمبر، وقد بايعت هذه المجموعة البغدادي يوم 9 مايو 2015.
تونس
تونس هي الأخرى لم تشذ على ظاهرة الانقسام التي صدرتها المعارك في سوريا، حيث سارع تنظيم أنصار الشريعة المحظور إلى إعلان بيعته لتظيم الدولة يوم 6 يوليو 2014، ويتزعمه سيف الدين الرايس.
ويعود تأسيس هذا التنظيم إلى أبريل 2011 وأعلنه رئيس الحكومة التونسية، تنظيمًا إرهابيًا يوم 23 أغسطس 2013.
ورغم أن أغلب الدراسات تشير إلى كون كتيبة عقبة بن نافع المتحصنة بالجبال على الحدود بين تونس والجزائر كانت بمثابة الذراع العسكرية لأنصار الشريعة، إلا أن التقارير أشارت إلى أنها بايعت في مرحلة أولى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، قبل أن تعلن بيعة البغدادي يوم 21 مايو 2015.
حيث أعلنت صفحة أفريقية للإعلام، الجناح الإعلامي لكتيبة عقبة بن نافع، عن انضمامها لتنظيم داعش، ونشرت الصفحة بيانًا على شبكة الإنترنت أكدت فيه البيعة لزعيم داعش أبو بكر البغدادي والجهاد تحت راية التنظيم في تونس.
ودعت الكتيبة كل مسلم في تونس وخارجها، بالمسارعة لتوحيد الصّف وتكثير سواد المؤمنين ومبايعة خليفة المسلمين أبو بكر البغدادي.
ونجحت الكتيبة حتى الآن في شنّ عمليات استعراضية أبرزها الهجوم الدامي على متحف باردو في 18 مارس الماضي الذي أوقع 22 من الضحايا، بينهم 21 سائحًا أجنبيًا وعنصرًا أمنيًا قبل أن تتدخل قوات خاصة وتجهز على العنصرين المسلحين وتحرر بقية الرهائن داخل المتحف.
ليبيا
وفي ليبيا، بايع تنظيم أنصار الشريعة البغدادي يوم 22 يونيو 2014، وقد تأسس في أبريل 2014 لينشط أساسًا في بنغازي ودرنة وسرت وسبها وصبراتة.
وبحسب التقديرات، يضم التنظيم 1500 مقاتل وكانت من أبرز عملياته الهجوم على القنصلية الأمريكية، في بنغازي ومقتل السفير الأمريكي في 28 يونيو 2014 .
المغرب
على عكس باقي الدول المغربية، لا يوجد حديث حول تنظيم إرهابي مغربي مستقل بذاته وإنما خلايا متكونة من أفراد لم تؤسس لافتة خاصة بها وكانت تابعة خاصة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب.
وقد أعلن المغرب طيلة السنوات الماضية على تفكيك عشرات الخلايا الإرهابية، ووفقًا للمكتب المركزي للأبحاث القضائية بالمغرب، فإن مصالح الأمن فكّكت 132 خلية إرهابية بين عامي 2002 و2015، وأوقفت 2720 شخصًا، وأحبطت اغتيال 109 شخصيات، و119 عملية تفجير، وسبع عمليات اختطاف، وأكثر من 40 عملية سطو مسلح.
وكشفت الداخلية المغربية، أن أفراد الخلية الإرهابية التي اعتقلها السلطات المغربية في سبتمبر 2014، والتي تنشط بكل من الناظور (شمال) ومليلية (تقع تحت السيرة الإسبانية)، كانوا يطلقون على أنفسهم اسم “أنصار الدولة الإسلامية في المغرب الأقصى”، والتحقوا بما يسمى “جند الخلافة” بالجزائر.
وتشير بعض التقارير إلى وجود أكثر من 1203 جهادي مغربي يقاتل في صفوف التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق ضمنهم 118 معتقلاً سابقًا في قضايا الإرهاب، يضاف إلى هؤلاء الجهاديون المغاربة الحاملون لجنسيات أوروبية وعددهم يزيد عن 500 ويمكنهم الانضمام إلى جهاديي الداخل أو تنفيذ مخططات إرهابية منفصل.
موريتانيا
وفي موريتانيا، أعلنت جماعة “المرابطون” المسلحة، 13 يوم مايو، مبايعتها لأمير تنظيم الدولة الإسلامية، أبو بكر البغدادي.
وبررت الجماعة مبايعتها للبغدادي في تسجيل صوتي بأنها “امتثال لأمر الله تعالى، وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم”، وما وصفته بـ “لزوم الجماعة ونبذ الفرقة والاختلاف”.
وذكرت وكالة الأخبار الموريتانية أنه وقع تسمية أمير جديد لجماعة “المرابطون” الناشطة في منطقة الساحل والصحراء وهو عدنان أبو الوليد الصحراوي، ويعتبر الصحراوي أول أمير تعلن عنه الجماعة بشكل رسمي .
يذكر أن جماعة “المرابطون” تكونت من اندماج جماعتي “التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا”، و”الملثمون” التي يقودها الجزائري مختار بلمختار، والتي تأسست في العام 2013.
هذا وقد رفض القيادي الجهادي مختار بلمختار بيعة البغدادي، مؤكدًا أن البيان المعلن “لا يلزم شورى المرابطين”.
وأكد بمختار التزامه ووفاءه لبيعة أيمن الظواهري على الجهاد في سبيل الله تعالى، ووصف بيعة البغدادي بأنها لم تلتزم “شروط وعهود الشورى في التنظيم”، كما أنها خالفت “مخالفة صريحة البيان التأسيسي الذي حدد منهج وسلوك التنظيم”، حسب تعبيره.
وقد أتى رفض القيادي الجهادي مختار بلمختار الجزائري الجنسية، بيعة المرابطين للبغدادي ليؤكد حدة الخلاف بين أنصار الدولة وأوفياء القاعدة.
لم يكن المغرب العربي في معزل عن الانبهار بتنظيم الدولة وما سوقه من إنجازات، والثابت أن التنظيم شرع في عملية استحواذ على الرصيد الذي كانت القاعدة تعول عليه لتثبيت أركانها في هذه المنطقة، استحواذ سينهي القاعدة متى تواصل بنفس هذه الوتيرة.