ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
أعلن وزير الداخلية اليوناني أن “اليونان لن تدفع الجزء التالي والبالغ قيمته 1.6 مليار لسداد ديونها لدى صندوق النقد الدولي، والذي من المفترض أن يدفع بين 5 و19 يونيو”.
نحن نتجه حتمًا نحو عدم التزام الجانب اليونان بتعهداته، فوراء المواعيد المؤجلة، والإعلانات الكاذبة لثني المفاوضين، يبدو من المرجح أنه لن يكون هناك اتفاق في الوقت المناسب حتى تتعهد اليونان بواجباتها وتدفع ديونها في الآجال المحددة مسبقًا، فالكثير من القروض ستبلغ آجال الدفع خلال الأسابيع القادمة، وماذا سيحدث عندها؟
ستُتّهم الحكومة اليونانية بأنها لم تكن جادة وبأنها لم تتفاوض بحسن نية، كما سيتردد أن الأوروبيين لم يقتنعوا بنتائج الانتخابات التي أوصلت حزب اليسار الراديكالي “سيريزا” إلى الحكم باعتبار أنهم أصروا على مواصلة البرنامج الموقع مع الحكومة اليمينية السابقة، وبطبيعة الحال فإن كل هذا صحيح، لكن فن العمل الدبلوماسي هو العثور على المخرج الضيق الذي يجنب الفشل، إلا أن واقع الحال بيّن أن الفاعلين السياسيين اليوم بعيدين كل البعد عن الحكمة الدبلوماسية.
لكن عدم سداد دين صندوق النقد الدولي لا يعتبر خطأً قانونيًا، باعتبار أن صندوق النقد الدولي سيلاحظ انقضاء المهلة التي حددت مسبقًا وسيعطي اليونان مدة شهر واحد أو اثنين قبل إعلان هذا الخطأ رسميًا، أما في صورة عدم سداد الدين الخاص بالبنك المركزي الأوروبي فسنكون وقتها أمام فراغ قانوني، فالبنك المركزي الأوروبي ليس عليه إقراض الحكومات، تطبيقًا لشرط عدم الإنقاذ، وسيكون الأمر متروكًا له ليقرر ما عليه فعله، ومن المنطقي أنه لن يزيد من تفاقم الوضع وسيسعى لكسب الوقت، وذلك بالطبع تحت رقابة المحامين الألمان الذين تقدموا بالفعل بشكوى ضد البنك المركزي الأوروبي لعدم امتثاله للدستور الألماني، وعلى غرار البنك المركزي الأوروبي، تريد المفوضية الأوروبية الحفاظ على سلامة الوحدة النقدية لكنها لا تملك سلطة حقيقية، وسوف يكون أمامها فقط القيام بالمساعي الحميدة، لتكون اللعبة سياسية بحتة.
وقد اتخذ وزير المالية الألماني فولفجانج شيوبله موقفًا متقدمًا جدًا، فتمشيًا مع الرأي العام لبلاده، قال إنه متعب وغضبان وعلى استعداد لرؤية اليونان تغادر منطقة اليورو، ولا يبدو أن زملاءه (وزراء مالية بقية الدول الأوروبية الأعضاء في منطقة اليورو) حريصون على إحباطه، ولكن ما هو موقف السيد الحقيقي في ألمانيا: المستشارة ميركل؟ إنه الغموض، فهي لا تريد أن تكون مسؤولة عن خروج اليونان من منطقة اليورو، لكنها تؤمن إيمانًا راسخًا بأن الالتزامات التي تعهدت بها دولة ما يجب احترامها، حتى لو كان ذلك سيؤدي إلى تغيير الحكومة، وسوف تحاول عدم فعل أي شيء، لكننا وقتها سنكون أمام مأزق سياسي كبير، وسنعود وقتها إلى الوضع الاقتصادي.
وقد سبق لليونانيين أن قاموا بسحب نصف ودائعهم من البنوك ليتركوا فقط ما يعتقدون أنهم بحاجة إليه لمواصلة العيش، وبالتالي هناك فرضية تجعل احتمال خروج اليونان من منطقة اليورو وشيكة، وأنها سوف تحتاج إلى سحب النصف المتبقي، فللالتزام بتعهداتها سيكون على البنوك اليونانية إيجاد السيولة التي لا يمكن أن يوفرها إلا البنك المركزي الأوروبي، وهناك العديد من الحلول الممكنة، إذا لزم الأمر عن طريق ضبط تفاسير جديدة للنصوص القانونية، ولكن سيكون الموقف وكأنه استسلام لما ينظر إليه على أنه ابتزاز، فالبنك المركزي الأوروبي ليس مؤسسة سياسية، ولن يرغب في اتخاذ مثل هذا القرار، وسنعود وقتها إلى مربع ميركل، التي من الممكن أن لا تبدي أي موقف.
في البداية، فإن الحل الأمثل سيكون بعدم اتخاذ قرارات نهائية، وستفرض السلطات اليونانية قيودًا صارمة جدًا على السحوبات المصرفية، إلى جانب فرض حظر خروج اليورو من البلاد، إلا أن هذا النوع من التدابير يبقى سهل الاختراق بالرغم من إمكانية أن يكون فعال إلى حد ما، حيث سيكون اليونان في وضعية “نصف خروج” من منطقة اليورو، لأن اليورو اليوناني لن تكون له نفس قيمة اليورو الفرنسي أو الفنلندي، لكن هذا سيوفر الوقت ويعطي فرصة أخيرة للمفاوضات، مع عدم وجود ضمان للنجاح ما دام ميزان المواقف لم يتغير.
بالنسبة لليونانيين، فسيكونون أمام حالة من الغموض الذي يقوض الاقتصاد ويشجع على عدم دفع الضرائب، فالرأي العام، الذي يساند حاليًا حكومته، من الممكن أن ينقلب عليها، ونتحدث كثيرًا في هذه الأيام على استفتاء لمنح الحكومة تفويضًا جديدًا للتفاوض بمرونة أكثر، ولكن ما هو السؤال الذي سيطرحه هذا الاستفتاء؟ هل تريد اليونان الاستسلام أم مغادرة منطقة اليورو؟
من الجانب الأوروبي، فقد كرر فولفجانج شيوبله أن منطقة اليورو لم تعد تخشى خروج اليونان، لكن هل هذا صحيح؟ حيث يمكن أن تعتبر الأسواق المالية أن الوحدة النقدية قد تغيرت وأنه من الممكن أن نشهد حالات خروج جديدة، فالجميع يشيد بالسلطات البرتغالية التي كانت عند حسن الظن وأصبحت الآن قادرة على الاقتراض من جديد، ولكننا نعرف جيدًا أن البنوك البرتغالية لاتزال هشة للغاية، وبشكل أعم، إن الاقتصاد البرتغالي لم يتعاف تمامًا، وفي صورة عدم إقراض الأسواق المالية الحكومة البرتغالية، من باب الاحتياط، عندها ستكون الفاجعة بالنسبة لفولفجانج شيوبله، وسيتزايد عدد الدول الهشة وسيكون وقتها على البنك المركزي الأوروبي لعب دور رجال الإطفاء.
الشيء الوحيد المؤكد، هو أن هذا الصيف سيكون ساخنًا، وعلاوة على ذلك، فسيكون الوقت مناسبًا ليزور السياح الآثار اليونانية والشواطئ المشمسة هناك، وسوف تمنح اليوروات التي يصرفها السياح الحكومة اليونانية متنفسًا لخلاص الفواتير العاجلة (رواتب موظفي الخدمة المدنية ومعاشات التقاعد، وما إلى ذلك)، قليلاً من الكوميديا قبل الدراما النهائية.
المصدر: لوفيغارو الفرنسية