تم بنجاح علاج مجموعة من مرضى سرطان الجلد باستخدام عقار جديد مستخلص من فيروس هِربس لِبياليس Herpes Labialis، في تجربة إكلينيكية قد تمهّد الطريق لجيل جديد من عقارات علاج السرطان، وفي واحدة من التجارب الناجحة للعلاج باستخدام الفيروسات، المعروف بالعلاج الفيروسي Virotherapy، حيث يتم استخدام مرض لمواجهة آخر.
إذا ما نجح العلماء في الحصول على الموافقة بإنتاج العقار، فإنه سيكون موجودًا في الأسواق على نطاق واسع باسم تي فِك T-VEC بدءًا من العام المقبل 2016، لا سيما وأن العلماء يقولون أن الدواء لديه إمكانية التغلّب على السرطان حتى بعد أن تنتشر خلاياه في أعضاء أخرى بالجسد، وهو ما سيعطي بارقة أمل لمن اكتشفوا المرض في وقت متأخر.
في تعليقه على النتائج الجديدة، قال كيفن هارينغتون، أستاذ علاجات السرطان الحيوية بمعهد بحوث السرطان في لندن، أن التجربة “أمل كبير، وأنها أول مرة يثبت فيها العلاج الفيروسي نجاحه بعد المرحلة الثالثة من التجارب،” والتي تضمنت حوالي 400 مصاب بالميلانوما الشرسة، تجاوب فيها واحد من كل أربعة مع العلاج، حيث بدأ المرض بالتراجع من 16٪ بعد ستة أشهر، في حين تلاشى تمامًا لدى 10٪ ممن خضعوا للتجربة.
وفقما صرّح به هارينغتون، تُعَد تلك النتائج مدهشة في الحقيقة لأن كل المرضى الذين خضعوا للتجربة كانوا يعانون من السرطان في مرحلة لم تُتِح لهم أي بديل علاجي، بدءًا من أولئك الذين امتد السرطان إلى عضو من أعضائهم، وحتى من انتشرت الخلايا السرطانية لديهم في الرئة والكبد، أي أن العينات المُختَبَرة في هذه التجارب شديدة الصعوبة، مقارنة بالمرضى في المراحل الأولية، والمتوقع أن تكون نتائجهم أفضل بالطبع مع العقار الجديد.
كيف يعمل العقار إذن؟ أولًا يحتوي العقار على فيروس قُرحة الشفة المعدّل بشكل لا يسمح له بإنتاج البروتينات التي تسبب القُرحة، ثم تبدأ الخلايا السرطانية في إنتاج ذلك البروتين نتيجة استضافتها للفيروس، مما يوفّر مناخًا حيويًا لنمو الفيروس بين ثنايا السرطان دون مجهود منه، ليتكاثر الفيروس بقوة ويؤدي لانفجار الخلايا السرطانية، والتي تلفظ تعداد الفيروس إلى المنطقة المحيطة بها، مما يدفع الجهاز المناعي لمهاجمة السرطان.
قُرحة الشفة التي يسببها فيروس هِربِس لبياليس
ما إن يبدأ الجهاز المناعي في حملته بعد أن يحفزه عقار “تي فِك” حتى تصبح قدرته على كشف الخلايا السرطانية والقضاء عليها أفضل كثيرًا، وهو أمر لا تزال أسبابه خافية على العلماء بالكامل، ولكنه مؤكد الحدوث طبقًا للتجارب، بل ويصل تأثيره إلى الأورام الثانوية التي لا تحتوي على الفيروس، والتي تضاءلت أو اختفت كليًا في التجربة الأخيرة.
“عادة ما نفكر في الفيروسات باعتبارها عدوًا ليس إلا، ولكن قدرتها على مهاجمة واستهداف خلايا بعينها وقتلها تجعلها مرشحة للعب دور كبير في مواجهة السرطان، وتطوير عقارات فعالة للقضاء عليه، وفي هذه الحالة تحديدًا فإننا نعتمد على فيروس نقوم بهندسته لقتل الخلايا السرطانية عبر مهاجمتها ثم تحفيز الجهاز المناعي من جانب آخر، في نوع من أنواع الهجوم المزدوج،” هكذا يقول بول ووركمان، المدير التنفيذي لمعهد بحوث السرطان.
يتم العلاج عن طريق الحقن، وقد حصل المرضى في التجارب على جرعة منه كل أسبوعين لمدة 18 شهرًا، ولم يُظهروا أعراضًا جانبية شديدة مقارنة بالعلاج الكيماوي، والذي يترك آثارًا أسوأ بكثير، “استخدام الفيروسات لاصطياد السرطان وتحفيز المناعة على ضربه أمر مثير للغاية، وهذه أول مرة نثبت بالتجربة أن العقار يحسّن بالفعل من فُرَص نجاة المرضى،” هكذا يقول هايلي فريند، مدير المعلومات لدى شركة “كانسر ريسرش يو كيه” Cancer Research UK، حيث كان متوسط الفترة التي بقي فيها المرضى على قيد الحياة مع تناول عقار “تي فِك” حوالي 41 شهرًا، مقابل 21 شهرًا فقط للمرضى الذين لم يحصلوا عليه.
“الأمر أشبه بانتزاع القناع عن الورم، ليتنبه له الجهاز المناعي ويبدأ في مطاردة خلاياه في كل أنحاء الجسد،” هكذا يقول هارنغتون عن العقار، والذي تقوم شركة “أمجِن” Amgen بتطويره حاليًا حالما توافق عليها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، ووكالة الدواء الأوروبية، ليكون متاحًا لمرضى السرطان في الولايات المتحدة بحلول العام المقبل إذا ما حصل على الموافقة، ثم في أوروبا بعد أشهر قليلة.