المكان: دائرة حكومية في بغداد – العراق
الزمان: يوم الأحد
المواطن: السلام عليكم، لماذا الدائرة مغلقة؟
الجندي على باب الدائرة لحراستها: عطلة لهذا الأسبوع كُلَهُ لأن يوم الخميس هنالك زيارة للإمام موسى كاظم.
المواطن: صحيح! ولدي معاملة يجب علي إكمالها هذا الأسبوع.
الجندي: للأسف لا يمكنك هذا الآن. الأسبوع القادم، بإمكانك إكمال معاملتك، وبعد أسبوعين هناك زيارة أيضًا وعطلة كذلك.
نعم سيدي هذه ليست لقطة من مسلسل هزلي ولا مشهد من مسرحية هزلية، بل سيناريو للحياة اليومية في العراق، والذي يتكرر باستمرار وبأسباب مختلفة.
هنا بغداد، بغداد التي كانت بلد الحضارات ومنبع العلم والمعرفة، قطب يجذب طلبة العلم والعلماء؛ الآن تحتل مركز الصدارة بين دول العالم في العطل الرسمية وغير الرسمية؛ فوفقًا لقانون العطل في البلاد، والذي أقره مجلس النواب العراقي، بلغ عدد أيام العطل الرسمية 150 يومًا سنويًا، أي نصف السنة الدراسية عطل، و30% من هذه العطل تكون بسبب المناسبات الدينية والأعياد، ناهيك عن أيام من عدم الدوام قبل وبعد المناسبة، فإن طرحنا منها أيام عطل نهاية الأسبوع البالغ عددها 104 أيام، فإن عدد أيام العطل في أيام العمل 46 يومًا.
وبالمقارنة مع دول العالم المتطور، فإن المناسبات الوطنية في أمريكا، والبالغ عددها 11 يومًا، يتم تأجيل الاحتفال بها إلى عطلة نهاية الأسبوع، وبذلك تكون عدد العطل، رأس السنة الميلادية وأعياد الميلاد وعيد الشكر، فيها لا تتجاوز 10 أيام من أيام العمل من السنة ككل، أما بالنسبة للعطل في المناسبات الوطنية والدينية في المملكة المتحدة، فيبلغ عددها 8 أيام، والتي لا تعطل فيها المؤسسات الخدمية وتلك التي تسير أمور الدولة والمواطنين بتاتًا، فقط القطاع الخاص والمؤسسات غير المهمة في تسيير أمور الدولة.
فلنجري عملية حسابية توضح العدد الحقيقي للعطل في العراق مقارنة مع دول العالم، ففي جميع أنحاء العالم يكون يوما السبت والأحد عطلة نهاية الأسبوع، وبذلك يكون عدد أيام نهاية الأسبوع في العالم ككل 104 أيام، بينما في العراق تكون عطلة نهاية الأسبوع يومي الجمعة والسبت وبذلك يكون متأخرًا عن باقي دول العالم بمعدل يوم في الأسبوع أي 52 يومًا في السنة، ونضيف لها 46 يومًا؛ فيبلغ عدد الأيام 98 يومًا يتأخر بها العراق عن باقي دول العالم المتطور.
ما إن يسمع أي إنسان بالعدد المهول للعطل، يتساءل كيف تسير الدولة؟ وكيف هو وضعها الاقتصادي؟ ومستوى التعليم؟
إن كثرة العطل الرسمية وغير الرسمية هي ظاهرة غير إيجابية تسوق البلد إلى الهلاك لا محالة، فإن العطل توقف سير الدولة وعملها، والنهوض بالبلد بعد الدمار الذي حل به منذ الاحتلال المستمر حتى يومنا هذا، فكيف ينهض البلد ويُعاد بناءه وما يقارب نصف أيام السنة عطلًا.
من الجانب الاقتصادي، فإن كثرة العطل تلعب دورًا رئيسيًا في تدهور اقتصاد البلد، فقد بينت دراسة اقتصادية أُجريت، أن التعطيل لمدة سبعة أيام يؤدي إلى خسارة 30 مليون دولارًا، فما بالك بـ 98 يومًا من العطل الرسمية! بالطبع سيشهد البلد تدهورًا اقتصاديًا وعجز في ميزانية الدولة، فهذه العطل تؤدي إلى عرقلة الحركة التجارية والبطالة؛ فهناك الكثير ممن يعملون بأجور يومية فكل يوم عطلة يخسر هذا العامل قوت يومه، أما بالنسبة لموظف الدولة فلا يؤثر عليه الأمر لأن راتبه ثابت سواء في أيام الدوام والعطل، وهذا ما يؤثر بدوره على عرقلة سير الدولة وشؤون المواطنين.
أما بالنسبة للجانب التعليمي، فإن المستوى التعليمي في العراق متدهور جدًا بسبب الوضع الأمني الذي تشهده البلاد منذ 2003، وحالات الهجرة والنزوح للطلبة والأساتذة التي ازدادت في الآونة الأخيرة، إضافة إلى العطل الرسمية التي وافقت عليها الحكومة والعطل غير الرسمية والمناسبات الدينية لجميع الطوائف والأديان، كل هذه الأسباب أدت إلى عدم إكمال المنهج الدراسي خلال السنة حسب ما هو مقرر في الجداول التربوية، مما يدفع الطلاب إلى أخذ دروس خصوصية لإكمال المادة المقررة، الواقع التعليمي في العراق لا يبشر بخير لبناء جيل متعلم ينهض بالبلاد بعد ما حل به من دمار.
فإن كثرة العطل تعد خسارة كبيرة للدولة ككل، ففي كل يوم عطلة يتأخر البلد يومًا عن الدول الأخرى إذا كان وضع البلد آمنًا مستقرًا، فلو افترضنا أن بلدًا مستقرًا وآمنًا، تبلغ فيه أيام العطل 98 يومًا سنويًا، فخلال 12 سنة يتأخر 1176 يومًا، أي أكثر من 3 سنوات عن باقي الدول، أما العراق منذ أحداث 2003 وحتى يومنا هذا، ليس فقط متأخرًا بل هو في تراجع عن باقي دول العالم بسبب ما يشهده من أحداث إضافة إلى كثرة العطل فيه.