كشفت تحقيقات تجريها السلطات في بنغلاديش وماليزيا، عن شبكات من المافيا تقوم بالإتجار بالبشر، واستغلال مسلمي أراكان (الروهينغيا) الفارين من بلادهم، نتيجة الظلم الواقع عليهم فيها، وأفاد مسؤولون بنغاليون وسكان محليون، بأن أعضاء شبكات التهريب يقومون بتجميع الأشخاص الذين قاموا بإقناعهم، وأولئك الذين اختطفوهم قسرًا، في مكان قريب من سواحل ميانمار، بين مدينتي “تشيتاغونغ”، و”تكناف” الساحليتين شمال غربي البلاد.
وقال زاهد حسين 28 عامًا، – قدم إلى المخيمات التي يسكنها مسلمو أراكان منذ كان طفلًا، ويعمل منذ ذلك الحين في التدريس للأطفال الروهينغيين – “إن وسطاء التهريب يخدعون الروهينغيين، من خلال تقديم وعود لهم بنقلهم بواسطة السفن القادمة من تايلاند”، مفيدًا أن تجار البشر يجمعون الروهينغيين والبنغاليين في قوارب صيد صغيرة، في جزيرة “سانت مارتين”، و”تشراديب”.
بدوره، أفاد قائد خفر السواحل في تكناف، شهيد حسين تشودوري، بأن المهربين ينقلون المهاجرين في جنح الظلام إلى قوارب صيد أكبر من سابقتها، التي ترسو على الساحل، مبينًا أن حركة تلك القوارب سريعة، ويصعب اكتشافها في الليل، كما أشار إلى أن طواقم السفن الكبيرة يكونون مسلحين بأسلحة ثقيلة، وقال مهمون مولاه 19 عامًا – تم إنقاذه بعد أن ألقى بنفسه في البحر من قارب المهربين – “يوجد على متن السفينة من 8 إلى 10 مسلحين، ويهددون من يرفض التعاون معهم بالقتل”.
وينقل المهربون المهاجرين من خليج البنغال إلى منطقة غابات جنوبي تايلاند، قرب الحدود الماليزية، ويحتجزونهم في مخيمات بدائية، ثم يطالبون عائلاتهم بدفع فدية مقابل إطلاق سراحهم، وفي حال رفضت العائلات ذلك، يقوم المهربون إما بقتل الرهائن أو بيعهم كعبيد في تايلاند وماليزيا.
ومعظم المهاجرين، الذين يتركهم المهربون في القوارب قرب خليج البنغال وبحر أندامان، من مسلمي الروهينغيا الذين يفرون من ميانمار نتيجة تعرضهم للظلم والتمييز العنصري في إقليم أراكان، كما يوجد بين المهاجرين بعض البنغاليين الذين يعيشون في المناطق الفقيرة شمالي وجنوب غربي بنغلاديش؛ حيث يخرجون أملًا في الحصول على فرص عمل في ماليزيا وتايلاند.
جدير بالذكر أن أزمة مهاجري دول جنوب أسيا، بدأت عندما اكتشفت السلطات التايلاندية في الأول من مايو الجاري مخيمًا سريًا، أقامته عصابات الإتجار بالبشر في ولاية “سونغ خلا” جنوب البلاد، كما عثرت الشرطة في المكان ذاته على جثث 32 شخصًا من مسلمي الروهينغيا. وعقب حملة بدأتها الحكومة التايلاندية لملاحقة تجار البشر؛ بدأ الأخيرون بنقل المهاجرين من الروهينغيين والبنغال في قوارب، وتركوهم لمصيرهم المجهول في عرض البحر، فيما وصلت بعض تلك القوارب إلى سواحل إندونيسيا وماليزيا وتايلاند.
وتفيد مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، أن نحو ألفي مهاجر من مسلمي الروهينغيا والبنغال، مازالوا عالقين في قوارب وسط البحر، فيما أنقذت دول المنطقة (إندونيسيا وماليزيا وتايلاند) نحو 4 آلاف لاجئ وأخرجتهم من البحر، وتأويهم حاليًا في مراكز إيواء على أراضيها، وبدأت السلطات الإندونيسية عمليات إنقاذ المهاجرين من الروهينغيا العالقين في القوارب منذ بروز أزمة المهاجرين في جنوبي أسيا؛ حيث أفادت الأنباء أن عمليات الإنقاذ لن تكون قاصرة على المياه الإقليمية الإندونيسية فحسب، كما أكدت إندونيسيا أن سفن الإنقاذ ستسحب القوارب التي تحمل المهاجرين إلى مياهها الإقليمية.
وعثرت السلطات الماليزية على 139 قبرًا في 28 مخيمًا من المخيمات التي أقامها تجار البشر شمالي البلاد، وقال مسؤول في الشرطة، يُدعى “خالد أبو بكر”، إن السلطات عثرت على القبور خلال عمليات مستمرة منذ 11 مايو الجاري، موضحًا أنه تم العثور على أكثر من جثة في بعض القبور، وأشار أبو بكر إلى أن السلطات أرسلت إلى المنطقة عددًا من المختصين من أجل استخراج الجثث وفتح تحقيق في القضية، مضيفًا “من المعتقد أن حوالي 300 شخص أقاموا في المخيمات الكبيرة، التي اُكتشفت في المنطقة”.
والقبور التي عُثر عليها في ماليزيا تقع في منطقة قريبة جدًّا من القبور الجماعية التي اكتشفت في تايلاند، وكان وزير الداخلية الماليزي، زاهد حامدي، أعلن أن سلطات بلاده عثرت على مخيمات لتجار البشر ومقابر جماعية قرب مدينة باندانغ بيسار، المتاخمة للحدود التايلاندية، دون أن يعطي تفاصيلًا عن أعدادها.
وطالبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” لحقوق الإنسان، كلًا من تايلاند وميانمار بالتخلي عن سياساتها “غير المقبولة”، التي تمارسانها ضد المهاجرين من مسلمي أراكان (الروهينغيا) والبنغال، وقال المسؤول في مكتب المنظمة بقارة أسيا، فيليب روبرتسون، إنه يتعين على تايلاند وميانمار أن تتبنيا موقفًا مسؤولًا أمام أزمة المهاجرين الذين يقومون برحلات محفوفة بالمخاطر في مضيق البنغال وبحر أندامان، ويبقون عالقين في عرض البحر.
وبيّن روبرتسون أن تايلاند لا تعترف بالمهاجرين، لا بصفة لاجئين ولا بصفة عمال مهاجرين، وأنها تعاطت مع المسألة بـ”عدم مسؤولية”، بحسب وصفه، محذرًا في الوقت ذاته، من أن عدم تدخل الأمم المتحدة، سيعرّضهم (المهاجرين) إلى المكوث في بلد ثالث، وأنه سيتعذّر على البنغاليين استعادة حقهم في المواطنة، كما دعا إلى ضرورة قيام منظمات دولية محترفة مثل مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين، ومنظمة الهجرة العالمية، في تحديد هويات المهاجرين.
وأكد روبرتسون أن مسؤولي ميانمار يمارسون سياسات “غير مقبولة”، مضيفًا “إذا كانت ميانمار تريد أن يتم قبولها كدولة تواصل التقدم الديمقراطي، فإنه يتوجب عليها تغيير سياساتها إزاء الروهينغيين”، فيما لفت إلى أن البنغاليين الذين يدفعون أموالًا لمهربي البشر، للخروج في تلك الرحلات البحرية المحفوفة بالمخاطر، لن يقبلوا بالعودة إلى بلادهم.
وندد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين “بالكارثة الإنسانية” التي يتعرض لها مسلمو أراكان (الروهينغيا) على يد حكومة ميانمار، وحذر في بيان، أصدره بتوقيع رئيسه الشيخ يوسف القرضاوي وأمينه العام علي القره داغي، من سيناريو التهجير القسري الذي تنتهجه ميانمار ضد مسلمي الروهينغيا، ودعا الأمم المتحدة والدول الإسلامية والمنظمات الإغاثية إلى سرعة تقديم العون لهم، وإيوائهم، وإعادتهم إلى بلادهم بحقوق مواطنة كاملة، وقال الاتحاد في بيانه إنه “يعتبر ما حدث من حكومة اتحاد ميانمار ضد المسلمين الروهينجا: كارثة إنسانية وأخلاقية، ليست في وجه ميانمار فقط، وإنما في وجه العالم أجمع”.
ولفت في هذا الصدد إلى “ترك ما يزيد عن 25 ألف روهينغيًا مسلمًا في عرض البحر دون مأوى ولا طعام ولا شراب، ومن بينهم نساء وأطفال، بعد أن تم تهجيرهم قسرًا من بلادهم، ورفض البلاد المجاورة أن تساعدهم أو تستقبلهم كلاجئين؛ ما اضطرهم إلى أكل أحبال السفن التي يستقلونها ليبقوا على قيد الحياة”، واعتبر الاتحاد أن هذه “جريمة إنسانية خطيرة”.
وقال الاتحاد إنه “يندد بما قامت به حكومة ميانمار في حق الروهينغيا المسلمين من تهجير قسري ورميهم في عرض البحر، دون أي ذنب أو جريمة ارتكبوها”، وبين أن ذلك “جريمة إنسانية وأخلاقية في حق البشر، الأمر الذي يُعاقب عليه القانون الدولي، والشرع الإسلامي الحنيف”، وحذر الاتحاد من حالة الصمت الدولي تجاه ما يحدث للمسلمين الروهينغيا على يد حكومة ميانمار من اضطهاد على أساس عرقي، وبيّن أنه “لا يكفي أن تعتبرهم الأمم المتحدة الأقلية الأكثر اضطهادًا في العالم دون أن تتدخل وتنقذهم من هذا الاضطهاد”.
وطالب الاتحاد المجتمع الدولي حكومات ومنظمات وشعوب وبخاصة الإسلامية منها، بسرعة التدخل لإنقاذ وإيواء المسلمين الروهينغيا المهجرين قسرًا في عرض البحر منذ ما يزيد عن 90 يومًا، وتقديم الإغاثة الإنسانية اللازمة لهم”، كما دعا إلى “العمل على سرعة حل مشاكلهم في إطار القانون الدولي والقرارات الدولية الملزمة، وليس بتوصيات لا أثر لها على أرض الواقع، وذلك بإعادتهم إلى بلدهم، والاعتراف بهم، واعتبارهم من السكان الأصليين؛ لأنهم كذلك بالفعل”.
وطالب الاتحاد كذلك “بتوفير جميع ما تتطلبه المواطنة الكاملة لهم، وضمان عدم اضطهادهم مرة أخرى، ورد الاعتبار لهم، وتعويضهم عن كل ما لاقوه من عنت وتعذيب واضطهاد على مدار العقود الماضية وحتى الآن”.
جدير بالذكر، أن حوالي 1.3 مليون من مسلمي الروهينغيا يعيشون في مخيمات وبيوت بدائية بولاية أراكان في ميانمار، فيما تحرمهم السلطات الحكومية من حق المواطنة منذ عام 1982، بحجة أنهم مهاجرون بنغاليون غير شرعيين.
المصدر: التقرير