ارتبط اسم دولة الإمارات بحالة الانتكاس التي شهدتها ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا بالأساس، وسال كثير من الحبر حول أموال طائلة بذلتها في هذه الدولة من أجل صد موجة صعود تيار الإسلام السياسي لسدة الحكم.
ورغم أن موقف الإمارات من هذه الثورات كان واضحًا وجليًا، خاصة عند الاطلاع على تغريدات ضاحي خلفان، نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، والذي يعتبره كثير من الملاحظين قناة غير رسمية للدبلوماسية الخارجية الإماراتية، إلا أن جل الحديث عن تدخل الإمارات في هذه الدول ظل دون دلائل ملموسة.
في تونس، راج حديث في كواليس الساحة السياسية عن تمويل مشبوه لاعتصام باردو، الذي نادى بحل المجلس التأسيسي وقتها والانقلاب على منظومة 23 أكتوبر 2011 وأفضى إلى تخلي الترويكا الحاكمة عن الحكم والاتفاق على حكومة تسيير أعمال تنظم الانتخابات، وكان اسم الإمارات حاضرًا بقوة في هذه المسألة.
كل هذه التخمينات والقراءات ظلت حبيسة إطار الشبهة، إلى حدود التصريح الذي أدلى به الصحفي سفيان بن فرحات على قناة نسمة الفضائية، والتي يمتلكها رجل الأعمال نبيل القروي الذي ساهم في تأسيس نداء تونس، حيث نقل حوار دار بينه وبين الرئيس الحالي، الباجي قائد السبسي، مفاده أن الإمارات اشترطت إعادة إنتاج المشهد المصري لتمكن السبسي من إعانات اقتصادية سبق وبشر بها في حملته الانتخابية، وواصل بن فرحات نقله بالقول إن السبسي اعتبر هذه الأجندة “مكلفة جدًا” وبأنه غير قادر على تطبيقها، وهو ما يفسر غياب الدعم الإماراتي أو توقفه بصفة أدق.
يذكر أن الإمارات كانت قد أهدت للباجي قائد السبسي، سيارتين فخمتين مصفحتين أثناء الحملة الانتخابية، وهو ما سبب جدلاً كبيرًا في الأوساط التونسية حيث اُعتبر دعمًا سياسيًا خارجيًا في خضم انتخابات داخلية.
وفي السياق ذاته، طالب أنور الغربي، السياسي المعارض والمنتمي لحراك شعب المواطنين الذي يقوده المنصف المرزوقي، بفتح تحقيق برلماني يضم كافة الأحزاب، على ضوء تصريحات بن فرحات، للتحقيق في تقارير حول سعي أبو ظبي لاستخدام نفوذها من “أجل تدمير البلاد”، وفق تعبيره، وصرح أن “التدخل الإماراتي في الشؤون التونسية خطير للغاية، ويمثل اعتداءً واضحًا ضد الدولة وشعبها”.
ولم تكن تونس المعني الوحيد بطموح الإمارات للفعل إقليميًا، حيث سبق وأن كشفت بعض الأطراف اليبية عن دورها في دعم حفتر، حيث نشرت غرفة ثوار ليبيا على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي، يوم 16 فبراير 2014، تفاصيل تؤكد التدخل الإماراتي في الشأن الليبي والعمل على إجهاض الثورة الليبية.
وقالت الغرفة في بيان لها ذات اليوم، إنهم حصلوا على معلومات موثقة بالأسماء والتفاصيل تؤكد أن جهاز الأمن الإماراتي قام مؤخرًا بتشكيل خليتين من أجل الانقلاب على الثورة الليبية وضرب نتائجها، وإيقاف تصدير النفط الليبي.
وقالت غرفة العمليات في بيانها “حسب المعلومات التي حصلنا عليها، الأمن الإماراتي شكل خليتين على مستوى عالٍ جدًا: الأولى أمنية تعمل على إسقاط النظام الليبي الجديد، ومواجهة المد الإسلامي، وإسقاط المؤتمر الوطني، أما الخلية الثانية فهي خلية إعلامية متخصصة تعمل خارج وداخل ليبيا وتتخذ من العاصمة الأردنية عمان مقرًا لها”.
وقبل تونس وليبيا، ساهمت الإمارات في دعم الانقلاب العسكري بمصر، وهو ما ظهر بعد ذلك في أكثر من مناسبة، حيث قال الكاتب الصحفي المصري، مصطفي بكري، إن دولة الإمارات قامت بدور كبير في إسقاط حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي، بمجرد توليه الرئاسة.
وقال بكري في مقال نشرته جريدة “الأسبوع” التي يرأس تحريرها إن الإمارات كانت واضحة منذ البداية في موقفها من جماعة الإخوان، وكانت تعليمات الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة منذ البداية “لا تعاون مع حكم الإخوان في مصر”.
وأضاف بكري وهو أحد أبواق الانقلاب في مصر “كانت مهمتهم الأولى، وتحديدًا الشيخ محمد بن زايد وشقيقه الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية، كيف يمكن إقناع الغرب بحقائق ما جرى في مصر، وبالدور الخطير الذي تلعبه جماعة الإخوان في تهديد أمن المنطقة والعالم، لم يكن المجتمع الغربي مستعدًا لتغيير مواقفه في هذا الوقت”.
وقد استأثر الدور المشبوه الذي تلعبه الإمارات في دول المنطقة باهتمام الدكتور سامي الجلولي، الباحث السياسي المختص في الأنظمة العربية، ومدير مركز جنيف للسياسات العربية، الذي كتب في هذا الشأن واختار له من العناوين “الإمارات .. إرهاب دولة” قبل أن يغيره إلى “الإمارات ما قبل الكارثة”.
وبحسب الكاتب، فإن للإمارات دور كبير في تأجيج الصراع وخلق بؤرة توتر جديدة ستعصف بالمنطقة، فاليمن ليس إلا باب لفوضى جديدة ستعمّ المنطقة، حسب تقديره.
وبناء على النظرية التي يرتكز عليها الجلولي، فإن النظام الإماراتي عمل على دعم الحوثيين وعلي عبد الله صالح، من أجل الإطاحة بالشرعية، ولكنه يرى أن المستهدف هو السعودية التي لا يخفي محمد بن زايد عداءه التاريخي لها، ويعتبر أن إسقاط النظام السعودي وتفكيكه من أولويات ولي عهد أبو ظبي وبأن سعي الإمارات الجنوني للزعامة سيدخل المنطقة في دوّامة من الفوضى والعنف، وهذا ليس خافيًا على أحد، حسب تعبيره.