كما يبدو، فإن الفلسطينيين لم يكتفوا بتحقيق مسألة التحاقهم بالمؤسسات والهيئات الدولية، بناء على اجتيازهم معركة الاعتراف بالدولة داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة من عام 2013، كما لم يكتفوا مرة أخرى، بمسألة ذهابهم إلى محكمة الجنايات الدولية في محاولة لتغريم إسرائيل والقصاص منها، لارتكابها جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني في أرواحه ومقدساته ومقدراته بشكل عام، بل أوصلهم طموحهم إلى محاولة طردها من مؤسسات وهيئات دولية أخرى، وذلك بالاستناد إلى شواهد دامغة، تساهم في المضي قدمًا في هذا الصدد، كونه أبلغ أثرًا ضدها فيما لو كُتب النجاح.
منذ المدة الفائتة وإلى هذه الأثناء، قرر الفلسطينيون خوض معركة – ولأول مرة -، ضد الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم المسجل لدى الاتحاد الدولي (الفيفا) استنادًا إلى كونه شريك للحكومات الإسرائيلية في جرائمها وانتهاكاتها باتجاه الفلسطينيين، وخاصة فيما يتعلق بإغلاق حرية الحركة أمام الأندية الفلسطينية وكل ما يلحق بها من مضايقات شريرة، من اعتقال لاعبين ومنعهم من السفر، وعدم السماح لهم بالتنقل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، مقارنةً بإطلاقها الحرية على مصارعها بالنسبة لأنديتها المختلفة، وخاصة التابعة للمستوطنات، كي تذهب شرقًا وغربًا دون تكلفة.
بدت هذه لإسرائيل، خطوة غير عادية، كونها مفاجئة، اضطرت معها إلى الوقوف على رجلٍ واحدة، خشية أن تنال قرار الطرد من حيث لم تتوقع، حتى إن الجميع وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو تركوا ما لديهم، من أشغال وعيونهم بلا إغماض، للتفتيش عن وسيلة لدحر المسعى، وسواء كان بنوايا الإفشال، أو بإقناع الفلسطينيين بعدم المضي في سلوكهم، درءًا لتنغيص القلوب، ولوجود حلول أيضًا.
وكانت تلك الخطوة قد أحدثت من قبل، زلزلة داخل (كونجرس الفيفا)، وشعر بها على نحوٍ أكبر رئيس الفيفا جوزيف بلاتر، كونه لا يُريد الاصطدام بإسرائيل بخاصة، ومن أجل المحافظة على منصبه بسهولة، حيث اضطُرته هو الآخر، للسقوط على المنطقة، طمعًا في الاطلاع عن كثب على المسعي الفلسطيني، ولقنص أي تسهيلات يبديها الإسرائيليين لطي المسالة، وللنجاة من العذاب على الأقل.
وإن أبدى “نتانياهو” بعضًا من المرونة لحل المشكلة، من أجل وقف ذلك المسعى منذ البداية، وقيامه بما وسعه من أجل إقناع “بلاتر”، بالتصدي ضد المطالبة بالطرد والاستبسال في مواجهته، خشية من احتمال مقاطعة رياضية، ولمخافة أن يُسار إلى غيرها، لكن الفلسطينيين – الذي خشوا بأن ذلك خداع أو مماطلة – رفضوا قبول أي حلول جانبية أو وسطية، وأصروا على موقفهم، بأن محاولة انتزاع قرار بالطرد، ستظل قائمة وحتى الاستماع إلى قرار اتحاد (الفيفا) والذي سيجتمع يومي 28 و29 الجاري في زيورخ بسويسرا.
إسرائيل، لم تعجز عن إبراز حِيلها، ولا عن تجهيز وسائل التفافاتها ضد التصلب الفلسطيني، واتبعت في ذلك ثلاثة مسارات جنبًا إلى جنب للملمة شتاتها ولرأب صدعها؛ الأول: تراهن من ناحية، على أن لديها استبعاد لحصول الفلسطينيين على الأصوات المطلوبة داخل الفيفا، وهي 3/4 أعضائها، أي 153 صوت من أصل 209، ومن ناحيةٍ ثانية: على أنه لا يتوجب تعليق عضوية أي اتحاد رياضي (عضو)، في حال لم يخالف لوائح الاتحاد، والتي ليس من ضمنها ما يُشير بـ (الضبط)، إلى التصرفات الإسرائيلية كما هي تُشاهد، يُضاف إلى كونها تأتي تبعًا للأمن فقط، وليس على سبيل الانتقام، وثالثة: فإن إسرائيل – تزعم – بأن الادعاءات الفلسطينية باطلة وذلك في ضوء سماحها بمغادرة أندية فلسطينية، وبحضور أندية عربية إلى مناطق السلطة دون معوقات.
المسار الثاني: فقد عملت إسرائيل على الكشف بأن جبريل الرجوب الذي بدأ مساعيه باتجاه طردها ليس بإرادته، بسبب أن صدر عنه، بأن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، لا يخلط أبدًا بين الرياضة والسياسة، وبما له من محاسن كثيرة بالنسبة إلى إسرائيل، فكونه رياضيًا فقد أدان بشدة العملية الفدائية والتي أدت إلى مقتل 11 من الرياضيين الإسرائيليين خلال دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ عام 1972، معتبرًا بأن العملية تُمثل (مجزرة).
وسياسيًا، كانت له أدوار مشهودة، حيث شارك مثلاً في مبادرة جنيف عام 2010، وأوحى دائمًا للإسرائيليين بأنه شريك لهم في عملية التسوية، وكانت عناصره في جهاز الأمن الوقائي قد تلقت قدرًا متزايدًا من التدريبات من قِبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) والشاباك الإسرائيلي، ويرجع له الفضل في إحباط العديد من عمليات المقاومة ضد أهداف إسرائيلية.
الثالث: والذي اعتمدته إسرائيل على أساس مبدأ خطوة تقابل أخرى، من خلال الإيعاز لمختصيها، باتخاذ خطوة مشابهة ضد الفلسطينيين ككل و”الرجوب” بشكلٍ خاص، تمهيدًا لاتخاذ إجراءات أخرى، وكانت منظمة (شورت هادين- שוורט הדין) الإسرائيلية أول المستجيبين، حيث سارعت إلى المطالبة، بإبعاد الرجوب من الفيفا، معللةً طلبها بأن أداءه يتناقض ونظامها الأساسي، إضافة إلى أنه – حسب زعمها- وباعتباره نائب أمين اللجنة المركزية لحركة فتح، فإنه مسؤول عن عمليات أمنية، قامت بها كتائب شهداء الأقصى والتي أوقعت إصابات بالغة في صفوف الإسرائيليين.
أيضًا وبناءً على تصريحات سابقة، والتي تحث على محاربة إسرائيل وبكل الوسائل، ومن أنه لو كان الفلسطينيون يمتلكون سلاحًا نوويًا لكانوا يستخدمونه، كما نسبت إليه، تأييده قتل إسرائيليين واستخدام الأسلحة النووية ضدهم، وكانت إسرائيل قد وثقت عليه قوله خلال السنة الماضية بأن هتلر لو علِم ما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين، لكان بإمكانه التعلم منهم، كما أشاد علنًا بالهجمات الصاروخية للمقاومة في قطاع غزة.
على أي حال، فلازال النِزال جاريًا، والكل بانتظار نتيجةٍ ما، وحتى في حال فشل المسعى الفلسطيني، فإن هناك نتيجة مهمة مُركبة حاصلة لا بد، وهي أن إسرائيل ستظل تشعر بجدية، أكثر من أي وقتٍ مضى، بأنها مُطاردة سياسيًا في كل زمان ومكان، وتحت أي سبب يختص به الفلسطينيون، ورياضيًا، فإن تعهدات إسرائيلية لصالح الرياضة الفلسطينية، ستكون مُلزمة، ومرتبطة بطردها دون قيد.