ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
تشهد أفريقيا، لأكثر من عقد من الزمان، مستويات نمو هي وراء حسد الأوروبيين الذين يعملون جاهدين للتعافي من أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، ولكن الالتزام المتوقع من الأفارقة نحو قارتهم ما يزال ضعيفًا.
الأسوأ من كل ذلك أن نسبة التجارة الداخلية بين الدول الأفريقية لا تتجاوز 15%، هذا الرقم المثير للسخرية للتجارة البينية هو وراء إفقار الدول الأفريقية، وإذا ما أخذناه بشكل فردي فإن هذا الرقم ليس له أي وزن اقتصادي على الإطلاق.
أفريقيا مقسومة اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا، حتى إن الشراكة أصبحت عملية اكتشاف مبتكرة من قِبل الزعماء الأفارقة، الذين تراهم يسارعون للاستجابة لدعوات القوى الأجنبية – وحتى يصرون على أن تتم دعوتهم – ليتبختروا في القصور الفخمة البعيدة عن أفريقيا، بعيدًا عن شمس القارة الدافئة حيث الذباب والبعوض ينتشر ليلاً نهارًا، وحيث الفقر وزحمة الأحياء الفقيرة القاتمة وغير الصحية، فإلى متى سنبقى نتعامل مع بعضنا على هذا النحو؟ ندور في جميع أنحاء العالم لنطلب من الآخرين ما هم يسعون للحصول عليه منا؟ هل من الممارسة الجيدة التذكير بأنه ليس كافيًا التعامل مع “الكبار” في هذا العالم لتصبح كبيرًا؟
التجارة البينية الأفريقية ضئيلة
في القرن الـ 21، كثفت جميع المناطق من سبل التعاون فيما بينها للتعامل مع الأزمة، وماتزال أفريقيا تدير ظهرها للمستقبل، علمًا وأن أفريقيا تظل أكثر القارات تجزئة في العالم، مع 54 دولة مفصولة بالعديد من الحدود، تبقى التجارة بين البلدان الأفريقية منخفضة جدًا، فبحسب أحدث إحصاءات التجارة الدولية في منظمة التجارة العالمية، فإن أفريقيا، مع 618 مليار دولارًا من المبادلات التجارية، تمثل 3.4% فقط من التجارة العالمية في عام 2013، و1% فقط من التصنيع العالمي.
ووفقا لبيانات 2013 لمنظمة التجارة العالمية، فقد بلغ حجم التجارة البينية الأفريقية 15.8% في حين بلغت نسبة التجارة البينية بين الدول الأوروبية 68.4% وبلغت 56.7% بين الدول الأسيوية، وبعبارة أخرى، فإن أقل من 20% من السلع والخدمات التي توفرها الدول الأفريقية توزع في القارة، وهذا يعني أن أكثر من 80% من الإنتاج الأفريقي يتم تصديره أساسًا إلى الاتحاد الأوروبي (35.9%) وأسيا (30.4%).
فهل من الطبيعي أن السردين المعلب المستهلك في وسط أفريقيا، والمنتج في شمال أفريقيا يتم توريدها من أوروبا؟ والأدوية المصنعة في شمال أفريقيا والموجهة لسوق جنوب الصحراء يجب أن تمر عبر فرنسا للوصول إلى وجهتها الأفريقية؟
وفقا للصندوق العالمي للطبيعة، فإنه إذا بلغ عدد سكان العالم سنة 2050 التسعة مليارات نسمة (وفقا لإسقاط أخير للأمم المتحدة، فمن المتوقع بلوغ هذا المستوى بحلول عام 2030)، فإن الإنسانية في حاجة إلى ما يعادل موارد كوكبين للعيش؛ فكيف سيتغذى الناس؟ أين سنجد الأراضي الزراعية؟ أين سنجد الماء؟ الجواب يكاد يكون تافهًا، فوحدها أفريقيا، مع 60% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، يمكنها المساعدة في مواجهة هذا التحدي.
وبالتالي فإن الهجمة على القارة الأفريقية ماتزال في بداياتها، ومن المرجح أن تتزايد في السنوات المقبلة، وينظر اليوم إلى أفريقيا بعين الجشع، في الماضي لم تكن القارة موضع اهتمام كبير وها هي اليوم أصبحت تعني المستقبل، وفقا للمستشار غي غويث، فإن ثلاث دول من خمس في العالم تتبنى إستراتيجية أفريقية، وفي عام 2020 سيكون هناك 80% من الدول غير الأفريقية في العالم لديها إستراتيجية أفريقية.
وكل من هؤلاء “الشركاء” لديهم أجندتهم الخاصة، وغالبًا ما تكون بعيدة عن هموم الشعب الأفريقي، ومع بعض الاختلافات، فإن طريقة عمل معظم شركاء أفريقيا معروفة: استيراد المواد الخام الأفريقية لتزويد مصانعهم وذلك بأسعار ثابتة في البورصات التي يسيطرون عليها، ويقومون بتصدير منتجاتهم المصنعة من المواد الأولية الأفريقية إلى بلدان القارة بأسعار يقومون هم بتحديدها.
هذا التزاحم على أفريقيا، هو تزاحم على ثروات أفريقيا وليس من أجل “سواد عيني” الأفارقة، والجميع يدرك هذا باستثناء الأفارقة، بالرغم من القول المحلي المأثور: “إذا زارت السلحفاة الحائك، فليس للحصول على بطانية إذ لديها ما هو أفضل: قوقعتها”، وفي هذه اللامبالاة العامة يقوم الشركاء الجدد في أفريقيا بتوزيع المساعدات والقروض مع التعليمات والتحذيرات والابتزاز القديم للقوى الاستعمارية، وكل هذا يتم تحت ما يسمى “بمؤامرة الصمت”.
قارة التناقضات
نحن اليوم أمام إشكالية تشبه قصة المتسول الجالس على منجم من الذهب، فإلى جانب النمو القوي والمستدام لسكانها، لدى أفريقيا أدنى كثافة سكانية في العالم، ويتوقع البعض مجيء “القرن الأفريقي” خلال السنوات المقبلة باعتبار أن أفريقيا واحدة من المناطق الأسرع نموًا اقتصاديًا في العالم: 5% في المتوسط سنويًا.
ووفقًا لدراسة في يونيو 2010، يعتقد خبراء من معهد ماكينزي العالمي (MGI) أن لأفريقيا أهم مخزون للثروات الطبيعية في العالم: 10% من احتياطيات النفط العالمية، و40% من احتياطي الذهب العالمي، 80% من الكروم و90% من مجموع معدن البلاتين، وفي المجموع 30% من الموارد المعدنية في العالم موجودة في أفريقيا، ولا يتم استغلال الغالبية العظمى لهذه الموارد، إذا ما قلنا أنه يتم استغلالها بشكل سيء، وفي أحسن الأحوال فإن الفوائد الاقتصادية لشعوب أفريقيا من هذه الموارد تبقى هامشية.
هذه الثروات لا تستفيد منها الشعوب الأفريقية، وذلك لسبب بسيط وهو أن الهيكلة الاقتصادية للدول الأفريقية تبقى غير متوازنة، وعلاوة على ذلك، فإن الثروة الأفريقية مركزة عند 9 بلدان أفريقية (المغرب، الجزائر، نيجيريا، غانا وأنغولا، ناميبيا، مصر، جنوب أفريقيا، إثيوبيا)، هذه الدول التي لها ما يقرب من ثلث مساحة أفريقيا مع أقل قليلاً من نصف السكان الأفارقة وتزن حوالي 70% من الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا.
وبالنسبة للـ 49 دولة الأقل نموًا في العالم، فإن 69% منها موجودة في أفريقيا، وبعبارة أخرى، فإن ثلثي البلدان الأفريقية هي من البلدان الأقل نموًا في العالم، وتستمر قائمة هذه الدول في التزايد منذ سنة 1971، تاريخ إنشاء قائمة هذه الدول من قِبل الأمم المتحدة، وما يقرب من نصف سكان أفريقيا يعيشون على أقل من 1.25 دولار يوميًا و47.3% من الشباب الأفريقي (15 – 24 سنة) الذين يعيشون جنوب الصحراء هم عاطلون عن العمل، ومايزال الجوع يقتل في القارة أكثر من الإيدز والسل.
ومن الواضح أن النخب الفكرية والسياسية الأفريقية تبقى هي المسؤولة عن إنتاج الفقر وإبقاء الشعوب الأفريقية في ظروف العبودية التي لا يمكن تصورها.
المصدر: الهافنغتون بوست