أعلن أمس رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، استقالته من مهمته كمبعوث للجنة الرباعية لعملية السلام بالشرق الأوسط.
وتأتي استقالة بلير بعد ثمان سنوات من الفشل المستمر ومحاباة إسرائيل والعمل مع ديكتاتوريي المنطقة وتحقيق المنافع الشخصية على حساب القضية.
فقبل عدة أشهر نشرت صحف بريطانية تقارير تشير إلى اتهام بلير باستغلال نفوذه كمبعوث سلام في الحصول على أموال من عدة دول عربية وأفريقية وكذلك من أمريكا الجنوبية مقابل تقديم المشورة لتلك الدول في قضايا اقتصادية، فبحسب صحيفة صنداي تايمز فقد سعى بلير للحصول على عقد بقيمة 45 مليون دولارًا من الإمارات مقابل تقديم استشارات للدول الخليجية بما اعتبرته الصحيفة تعارضًا مع مهمته كمبعوث للسلام، وذكرت الصحيفة أنها حصلت على وثيقة سرية تثبت استغلال بلير لعلاقاته الدبلوماسية الواسعة في منطقة الشرق الأوسط لتحقيق مكاسب تجارية.
وفي وقت آخر قالت الغارديان إن بلير وافق على العمل كمستشار للديكتاتور المصري عبدالفتاح السيسي ليعمل على إعداد برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري بالتنسيق مع فريق عمل إماراتي بجانب شركة “برايس ووتر هاوس” للاستشارات، بتمويل كامل من دولة الإمارات التي قدمت دعمًا ماليًا كبير لنظام حكم السيسي منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي في صيف 2013، فيما لم تذكر الحكومة المصرية المدعومة من الجيش أي شيء على الإطلاق بشان علاقة بلير ببرنامجها للإصلاح الاقتصادي.
بلير لم يفوت فرصة دعم الانقلاب العسكري في أي محفل، وكانت آخر مساهماته في ذلك مشاركته في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي “مصر المستقبل” الذي اختتم أعماله منتصف مارس الماضي، حيث كان متحدثًا رئيسيًا وتمت دعوته إلى المؤتمر بصفته رئيس وزراء بريطانيا السابق، ومبعوث اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط.
وخلال زيارته التي أعقبت الانقلاب لمصر، قال بلير إن “الانقلاب العسكري كان لصالح المصريين”، وطالب المواطنين أن يدعموا الحكومة التي عينها الجيش في مصر، كما أن بلير قال في تصريحات صحفية إن الإخوان ومرسي سرقوا الثورة في مصر، وإن الجيش أعادها إليهم، كما أن الإخوان عرقلوا التقدم في مصر.
وفي مارس الماضي قال موقع ميدل إيست آي إن بلير، والذي يوصف بأنه متفائل بجنون، قام باستغلال نفوذه لجمع نحو 90 مليون دولارًا مقابل استشارات قدمها أثناء عمله في محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وأضاف الموقع أن بلير تمكن بصفته مبعوثًا خاصة من السفر بشكل مكثف إلى دول المنطقة، مستغلاً ذلك في إبرام صفقات مربحة مع حكومة دول الشرق الأوسط مقابل خدمات استشارية.
وذكر الموقع أن بلير تقاضى 40 مليون دولارًا مقابل عقد لمدة 4 سنوات قدم خلالها استشارات لأمير دولة الكويت، فضلاً عن صفقة أخرى لتزويد حكومة إمارة أبوظبي بما أسماه الموقع “مشورات إستراتيجية عالمية” بتكلفة 1.5 مليون دولار في العام الواحد، وأضاف الموقع كذلك أن بلير رتب أيضًا عقدًا سريًا في عام 2010 مع شركة النفط السعودية “بتروسعودي” لفتح خط الاتصالات مع الصين، وتقاضى مقابل ذلك 60 ألف دولارًا شهريًا ، بجانب عمولة 2% عن أي صفقة مترتبة على الجهود التي قام بها.
وفي تعليق لها في وقت سابق من العام الماضي كتبت مجلة “سليت” الأمريكية أن بلير الشهير بدعمه حرب العراق، وبوقوفه إلى جانب الديكتاتور حسني مبارك، ودعمه لمعمر القذافي لفترات طويلة، بل وحتى إعطاء بشار الأسد “الفروسية الشرفية” سابقًا، لا يرى في الشرق الأوسط سوى اللونين الأبيض والأسود؛ ما يجعله يقف دومًا في الجانب الخطأ من التاريخ.
التشكيك في قدرات بلير وتحيزاته لاحقه منذ بدايات عمله كمبعوث للرباعية الدولية في يونيو 2007، حيث نشرت صحيفة التايمز في 2008 مقالاً تقول فيه إن ماضي بلير “الملطخ” لا يسمح له بأن يكون مبعوثًا للسلام بالشرق الأوسط، مطالبًا إياه بتقديم خبراته لرجال الإدارة الأمريكية الجديدة وترك المجال لغيره كي يتولى الاضطلاع بهذه المهمة.
عربيًا كتبت صحيفة القدس العربي في افتتاحيتها التي صدرت صباح اليوم قائلة إن تعيين بلير المنحاز إلى إسرائيل تسبب في تقويض مهمة اللجنة؛ ما حولها إلى مجرد ديكور أسهم في تمرير الجرائم الإسرائيلية بدلاً من مواجهتها.
أما الأمريكيون الذين طالما قاموا بدعم بلير، فقد اعترفوا بفشله بالقول إن هدف التوصل إلى حل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والذي يقوم على مبدأ الدولتين لم يتم تحقيقه.
ويظل من غير المعلوم حتى الآن ما إذا كان بلير سيُستبدل بأي شخص في مهمته، لكن بلير في تصريح المتحدثة باسمه قال إنه يتعهد بالاستمرار في العمل بشكل شخصي لصالح السلام! يبدو أن ثمانية أعوام من الفشل والتحيز والانتقادات المتواصلة لم تكن كافية لإقناع “المتفائل” بانتهاء دوره.