ذعرٌ يصيب الأوساط الرياضية الإسرائيلية امتد إلى الأوساط السياسية والدبلوماسية بعد رفع الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم شكوى مقدمة إلى الجمعية العمومية للفيفا ضد إسرائيل، استنادًا منه على مساس الكيان الإسرائيلي بكرة القدم الفلسطينية وفرضه قيود على سفر الرياضيين الفلسطينين وحرمانه إياهم من حرية الحركة عبر معابر الحدود والتنقل بحرية بين قطاع غزة والضفة الغربية.
وطالب الاتحاد الفلسطيني المنضم للفيفا منذ العام 1998 على لسان رئيسه جبريل الرجوب بإبعاد إسرائيل من خوض المسابقات الدولية وفرض عقوبات عليها بسبب القيود التي تفرضها على اللاعبين الفلسطينيين، وأوضح أن الاتحاد تقدم بثلاث قضايا في مشروع القرار تتمثل في منع إسرائيل الفلسطينيين من إقامة منشآت رياضية واقتحامها لمقر الاتحاد الفلسطيني، وكذلك تقييد حركة الاتحاد في استضافة فرق ومدربين وتجهيزات رياضية، بالإضافة إلى الشكاوى السالف ذكرها المتعلقة بالقيود المفروضة الحركة عبر المعابر.
لم تكتف القضية بإطارها الرياضي داخل إسرائيل بل تحول إلى مواجهةٍ دبلوماسية سياسية، حيث يخشى الإسرائيليون من اعتبار تعليق عضوية بلدهم في الاتحاد العالمي لكرة القدم نقطة انكسار دبلوماسية، لذا تسعى الحكومة الإسرائيلية دوليًا بكل طاقتها لمنع التصويت لصالح ذلك القرار، بل ومنع التصويت عليه من الأساس.
صحيفة “يدعوت أحرنوت” الإسرائيلية نشرت تقريرًا تحدثت فيه عن جهود عالمية تبذلها وزارة الخارجية الإسرائيلية لمنع تعليق عضويتها من الفيفا، كما اتهمت دولة قطر بالسعي لشراء الأصوات للتصويت ضد إسرائيل لتعليق عضويتها من الاتحاد العالمي لكرة القدم، كما اشترت استضافة المونديال في العام 2022، وذلك بحسب وصف الصحيفة.
وعبرت الصحيفة عن خشيتها من كون قضايا الفساد الأخيرة في الفيفا كانت تستهدف المس بإسرائيل، لافتةً إلى تورط الاتحاد العالمي لكرة القدم في عدة قضايا فساد في الأعوام الماضية، وتحدثت عن الرشاوى التي تقدم للاتحادات الأهلية لكرة القدم، وتقديم قطر رشاوى لاستضافة المونديال كدليل على صحة حديثها بهذا الصدد.
ونقلت الصحيفة القول على لسان مسؤول بالخارجية عن تلقي إسرائيل وعود من عدد من الدول لرفض الطلب الفلسطيني، معربًا كذلك عن تشككه من إمكانية تلقي أوامر مخالفة لتلك الوعود من الاتحادات الإقليمية، بالرغم من توقعات الصحيفة بضعف احتماليات قبول الطلب الفلسطيني، وتأكيدها أن أغلب الاتحادات الأعضاء في الفيفا ستقف إلى جانب إسرائيل.
من جانبه، أشار رئيس الفيفا “جوزيف بلاتر” إلى توصله لاتفاق مع رئيس الحكومة الإسرائيلية “بنيامين نيتنياهو”، بعد لقاء جمع بينهم الأسبوع الماضي، اتفقوا فيه على منح شهادات عبور تضمن حرية التنقل للرياضيين الفلسطينين عبر الحدود، مع إعفاء الاتحاد الفلسطيني من الجمارك المفروضة على العتاد رياضي الذي يصله، وكذا إقامة ملاعب للسلطة الفلسطينية في غزة من خلال لجنة مشتركة، هذا بالإضافة إلى الاتفاق على تشكيل لجنة تبحث في الخلافات التي تنشأ في المستقبل.
كما توقع التقرير المنشور بالصحيفة الإسرائيلية التحقيق مع رئيس الفيفا “جوزيف بلاتر”، وأوضح أن الاعتقالات لأعضاء بالفيفا على الأراضي السويسرية لن توثر على افتتاح مؤتمر الفيفا أو التصويت على الطلب الفلسطيني لتعليق عضوية إسرائيل في نشاطات الاتحاد، الذي يسعى الاتحاد الفلسطيني خلاله للحصول على 157صوتًا من أصل 209 الأعضاء المنظمين، أي ما يقارب نسبة 75% من الأصوات.
وكانت السلطات الأمريكية والسويسرية قد ألقت القبض على 14 شخصًا من أعضاء الفيفا بينهم نائبان لرئيس الفيفا على الأراضي السويسرية بتهم الفساد والابتزاز وغسيل الأموال، علقت وزارة العدل الأمريكية عليها بالقول أن الفساد استشري في الفيفا، وأوضحت أن جيفري ويب هو نائب رئيس الفيفا، ومدير اللجنة التنفيذية، وكذلك رئيس اتحاد الكونكاكاف، استعمل مناصبه تلك وجمع مبالغ كبيرة من الرشوة من رواد التسويق الرياضي في مقابل الحصول على عقود، وذلك على لسان وزيرة العدل الأمريكي “كيلي كوري”، مشيرةً إلى إمكانية إدانة بلاتر هو الآخر خلال أيام معلقة بالقول أن لا أحد فوق القانون.
فيما قالت “لوريتا لاينش” المدعي العام الأمريكي، أن سلسلة الاعتقالات هو انتصارُ ضد الفساد جاء نتاج جهود قانونية مطولة في قضايا الفساد التي تشوب الفيفا، كما تحدثت عن صفقات أجريت حول كأس العالم بالعام 2010 الذي أجري التصويت عليع في 2004 ليقام بجنوب إفريقيا، وأضافت أن الموضوع ممتد للانتخابات الرئاسية بالفيفا لعام 2011.
يواجه المقبوض عليهم نحو 47 تهمة، فيما توقع مدير “الإف بي آي” الأمريكي “جيمس كومي” أن تصل العقولة إلى السجن مدة 24 عامًا، لافتًا إلى استخدام بنوك أمريكية للرشاوى إذ حدد الجهاز في تحقيقه مبلغ 150 مليون دولار كأرباح غير قانونية، وألمح هو الآخر إلى إمكانية مسائلة بلاتر هو الآخر وتورطه في تلك القضايا.
من جهته، انقد الرئيس الروسي “فلاديمير بوتن” الاعتقالات معتبرًا إياها محاولة أمريكية لعركلة إعادة انتخاب بلاتر، فيما اعتبرت وزارة الخارجية الروسية تلك الاعتقالات محاولة غير شرعية من الولايات المتحدة لفرض قوانينها على الدول الأجنبية، ودعت في بيانٍ لها واشنطن عدم تنصيب نفسها قاضيًا خارج حدودها، ولم تسرد القول كثيرًا في تفاصيل التهم الموجهه للمسؤولين في الفيفا.
ويعقد “بلاتر” اجتماعًا عاجلًا مع ممثلي الاتحادات القارية الستة، اليوم، لمناقشة الوضع الحالي للفيفاعلى خلفية الاعتقالات الأخيرة، إذ يأتي الاجتماع الطارئ قبل يوم واحد من المؤتمر السنوي للفيفا المقرر فيه انتخاب رئيس جديد للاتحاد، وسط دعواتٍ من الاتحاد الأوروبي بتأجيل تلك الانتخابات ستة أشهر، التي يعارضها الاتحادين الإفريقي والآسيوي.
الأمر الذي يزيد من التوترات ويضعف احتمالية رئيس الفيفا الحالي “جوزيف بلاتر” بالفوز بولاية جديدة في الاتحاد، حيث تأتي تلك الأحداث قبيل ساعات قليلة من انتخابات رئاسة الاتحاد التي تربع على رأسها بلاتر عشرون عامًا لمدة أربع ولايات متتالية دون منافس، ومن المزمع عقد الانتخابات المبكرة غدًا الجمعة.
لتُزيد تلك التوترات من فرصة منافس بلاتر الوحيد الأمير الأردني على بن الحسن بالفوز، خاصةً بعد تحدث الأخير عن ارتباط الفيفا بقضايا فساد في ظل ولاية بلاتر، وتأكيده على ضرورة وجود قيادة تتحمل مسؤولية الفيفا، وإشاراته منذ إعلان ترشحه عن رصده لقضايا فساد تهدد اللعبة الأولى جماهيريًا في العالم بالخطر.
في ظل هذا الوضع المتأزم يخوض الفلسطينيون معركتهم الدبلوماسية الجديدة أمام الإسرائيلين في الاتحاد الدولي لكرة القدم، منتظرين ما سيسفر عنه طلبهم بتعليق عضوية الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم، وسط قلق إسرائيلي من إمكانية إحراز الفلسطينيين نصرًا دبلوماسيًا جديدًا لهم على مستوى الصعيد الدولي بعد سلسلة المعارك الدبلوماسية الأخيرة بين إسرائيل والفلسطينيين في الأمم والمتحدة.