يبدو لمتابعي الشأن التركي بأن هناك كثافة في تناول النظام الرئاسي الذي يسعى حزب العدالة والتنمية للوصول إليه سواء من كوادر الحزب أو من المعارضة وكذلك الحال من وسائل الإعلام التركية مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في 7حزيران القادم.
في الحقيقة فإن الحزب قد وضع هذا الهدف ضمن خططه المستقبلية وتحديدا ضمن رؤيته الاستراتيجية لعام 2023 ومرور 100 على تأسيس الجمهورية التركية ويحاول الحزب أن ينظر للنظام الرئاسي من خلال القول بأنه يحقق الاستقرار وبتناسب مع الأهداف الكبرى لتركيا القوية ويضرب المثل بالدول الكبيرة كالولايات المتحدة وبقية دول مجموعة العشرين وغيرها كدول ناجحة من خلال تطبيقها للنظام الرئاسي وكذلك الحال يتحدث عن الدول التي تعتمد على الحكومات الائتلافية وفشلها في ادارة البلاد بشكل سليم كما هو الحال في ايطاليا.
لا تخفي المعارضة التركية أيضا بكافة أحزابها معارضتها لهذا التوجه ورفضها القاطع له من خلال الحديث بأنه يعزز الديكتاتورية وأن البلد غبر جاهزة له وفي هذا السياق فإن حزب العدالة والتنمية يتساءل ألا يوجد ديمقراطية في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان الرئاسية ويتهم في نفس الوقت المعارضة بأنها ترفض هذا الملف من أجل معارضة حزب العدالة والتنمية فقط ودون أي مبررات موضوعية.
ولعل نظرة أكثر عمقا على كثافة الحديث عن هذا الموضوع توحي وترسخ في وعي الرأي العام بأن حزب العدالة والتنمية منتصر لا محالة في الانتخابات على كل أحزاب المعارضة كيف لا والحديث يدور عن شيء بعد الانتخابات وهذا له دلاله نفسية كبيرة على الرأي العام وعلى المأزق الذي تعيشه المعارضة التركية.
من جهة أخرى فإن هذا الملف يتيح للرجل الأقوى في تركيا والذي يمتلك شعبية واسعة وهو الرئيس التركي الذي غادر الحزب بعد فوزه في أول انتخابات رئاسية من قبل الشعب في أغسطس 2014 ليتحدث بكل حرية وعلى كل المنابر عن النظام الرئاسي وعن رؤية الحزب وخاصة أنه المرشح الأقوى لهذا المنصب ومنافسوه بعيدين عنه بمسافات والانتخابات الماضية شاهدة على ذلك إلا في حال حدوث مفاجآت كتدخلات عسكرية أو أحداث كبيرة.
في الواقع أتفق مع عدد من الكتاب الذين أشاروا إلى أن قبول المعارضة التركية بخوض الانتخابات الرئاسية الماضية وعرضها للتصويت من قبل الجمهور وليس من قبل البرلمان كانت تسليما من المعارضة بصحة هذا الرأي ولعله يمكن القول أنهم وقعوا في المصيدة عندما وافقوا وتأزم موقفهم عندما خسروا وبمرشح توافقي دعمته المعارضة كلها .
ومن الدلالات أيضا أن الحزب يريد إضفاء لمسات جديدة للحصول على مسارات أسهل لقطف الثمار السياسية لإنجازاته على الصعد الأخرى وخاصة الاقتصادية والتنمية . وكذلك أراد الحزب من موضوع النظام الرئاسي عاملا محفزا لجماهيره لحثهم على المشاركة وقد تبين من خلال الانتخابات الماضية أن الحزب يستثمر الأحداث ويعد الخطط للتحفيز أو لزيادة حس استشعار المسئولية لدى الناخب كما هو الحال في الانتخابات الماضية عندما استفاد الحزب من صراع الحكومة مع التنظيم الموازي أو جماعة جولن.
كذلك الحال للموضوع انعكاسات تاريخية حيث أن كل الانجازات التي حققتها الدولة السلجوقية والعثمانية في تركيا كانت تتبنى نظاما سياسيا أقرب إلى النظام الرئاسي منه إلى البرلماني.
على كل الأحوال تبقى نتائج الانتخابات والمقاعد التي سيحصل عليها العدالة والتنمية هي التي ستحدد ما أن كانت تركيا ستسير إلى انتخابات رئاسية أم لا حيث لو حصل الحزب على 367 مقعدا سيكون بإمكانه تغيير النظام وتغيير الدستور أما إذا حصل على أكثر من 330 فسيحق له عرض الموضوع للاستفتاء ولكن الحزب أرادها بشكل مختلف وهو أن ملف النظام الرئاسي هو من سيكون له دور في زيادة عدد المقاعد .
لذلك فإن المعركة الانتخابية ليست على الترتيب ولكن على عدد المقاعد.