“السلفية الأردنية والجهاد في سوريا”، دراسة شاملة نقدية صادرة عن قسم السياسات الخارجية والشؤون الدولية في معهد هدسون للدراسات السياسية في واشنطن، تتناول جذور السلفية الجهادية في الأردن منذ البدايات وحتى يومنا هذا، وهي مبنية على أكثر من 100 مصدر ومرجع ونشرت بتاريخ 16 مارس 2015، قدمها الكاتب والباحث “كيرك سويل”، ونقدمها لكم مٌقسّمة على ثلاثة أجزاء بعد أن ترجمتها، وهي لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع وإنما عن رأي كاتبها.
الجزء الأول .. تقديم
كان الصراع الذي اندلع في سوريا عام 2011 مدخلًا للسلفية الجهادية الأردنية، ولكن الوضع تحول إلى تحد صعب ما بين الحركات السلفية الجهادية المتنافسة في سوريا وبين الحملة الصارمة المتزايدة ضد السلفية في الأردن، مما أجبر الأردنيين الداعمين للحركات السلفية الجهادية أن يحترسوا في أقوالهم وتصريحاتهم وأفعالهم.
تقوم الحكومة الأردنية بتضييق الخناق على كل الحركات السلفية الجهادية وعلى قادتها وتجبرهم على ضبط النفس في خطاباتهم بمقابل بعض الحرية التشغيلية.
في المقابل يهدد هذا الخناق بتنفير الشباب السلفي من القيادات السلفية، وعلاوة على ذلك من وجهة نظر الحكومة أن الوفاق الضمني الذي يتم من خلاله منح السلفية الجهادية هامش من الحرية في مقابل السلام الوطني الداخلي يحمل بداخله أيضًا احتمالية نمو خطر زيادة عدد المواليين للجهاد.
السلفية الأردنية والجهاد في سوريا
السلفية هي حركة إسلامية منبثقة عن الحركة الوهابية بالمملكة العربية السعودية، وكما الحال في السعودية كانت الأردن أيضًا قد طورت مناصرين للحكومة يطلق عليهم “السلفيون الأصوليون”.
وردًا على ذلك نشأ في عام 1990 “التيار السلفي الجهادي” (ما يعادل تنظيم القاعدة الذي يتكون معظم أعضائه من مهاجرين خليجين)، الأب الروحي لهذا التيار الآن هو الشيخ أبو محمد المقدسي – أردني من أصل فلسطيني – والذي برز اسمه في بدايات 1990 ووصف بأنه المهندس الفكري الرئيس للسلفية الجهادية العالمية.
ولكن ومع توحد الفكر الرديكالي الإسلامي انقسم مؤيدو هذا الفكر ما بين فصيل أبو محمد المقدسي وبين فصيل أبو مصعب الزرقاوي – أردني الجنسية – والذي حول الفصيل التابع له لينضم لتنظيم القاعدة في العراق عام 2003.
المقدسي كان مُعلم الزرقاوي في عام 1990، لكن الانقسام بين الفصيلين التابعين لنفس المنهج لا يزال مستمرًا حتى هذا اليوم، – تم الإشارة لهم بالجزء الأخير من المقالة هذه – خلال أحداث أسر وإحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة الذي تم تصويره وعرضه في أوائل 2015.
يركز هذا البحث على تأثير “الربيع العربي” في “الربيع السلفي” وصعود السلفية الجهادية في سوريا عن طريق السلفية الأردنية.
أعطى القمع الذي يحدث في سوريا للحركات الاحتجاجية الفرصة للسلفية المسلحة بالظهور والانتشار بطريقة لم تحدث من قبل في أوساط السلفيين والإسلاميين، وفي نفس الوقت عام 2011 ركز السلفيون الأردنيون على ضرورة تطبيق الشريعة وإطلاق سراح السجناء من السلفيين لدى السلطات الأردنية.
كان صعود “جبهة النصرة” كجناح عسكري للتمرد السوري في 2012 بمثابة مرحلة جديدة في الانتفاضة السورية، وقبل فترة طويلة كان السلفيون الأردنيون قد شقوا طريقهم للجهاد في سوريا، حتى أصبح في عامي 2012 و2013 دعم القادة السلفيين الأردنين للجهاد في سوريا كبير ومتزايد، حتى للمتبعين لمنهج المقدسي في انتهاج “السلمية” بالأردن.
وبدأت مرحلة ثالثة من الجهاد في عام 2013 حين حدث الانقسام بين جبهة النصرة وبين التنظيم الذي بدأ يطلق على نفسه “الدولة الإسلامية بسوريا والعراق” تحت قيادة العراقي أبو بكر البغدادي والذي يعتبر خليفة الزرقاوي، وتجدد النزاع في الأردن بين مؤيدي المقدسي ومؤيدي الزرقاوي.
معظم كبار أعضاء التيار السلفي انحازوا لجبهة النصرة وعلى رأسهم المقدسي وأبي قتادة، ولكن شريحة كبيرة من السلفيين وقفوا بجانب الزرقاوي.
كانت السنة الماضية صاخبة بالأحداث بالنسبة لكل من المقدسي وأبي قتادة، كلاهما وجه انتقادات لاذعة ومتزايدة لتنظيم الدولة الإسلامية، الاثنان تم إطلاق سراحهما من السجون لبعض الوقت، كلاهما تم التشكيك بهم؛ كخيانتهم للحركة الجهادية الإسلامية في سبيل الإفلات من قبضة السلطات الأردنية والحصول على حريتهم.
بينما تزايد الهجوم الشعبي الأردني ضد تنظيم الدولة الإسلامية خلال أحداث خطف معاذ الكساسبة، أدى عدم نجاح المقدسي في تأمين الإفراج عن معاذ الكساسبة إلى زيادة التساؤلات حول مصداقيته.
وفي الوقت نفسه أثار حادث الكساسبة أيضًا تساؤلات الشارع الأردني حول تقدير الحكومة الأردنية في التعامل مع أنصار تنظيم القاعدة التابعين للمقدسي وإعطائهم جانبًا من الحرية، واليوم فإن حال السلفيين المواليين للحكومة الأردنية هو التهميش التام، أما بالنسبة لأنصار الزرقاوي فهم في حالة دفاع دائم عن النفس، ولكن أنصار المقدسي والجماعات الجهادية المشابهة لديهم فرصة كبيرة لإعادة بناء تنظيماتهم.
السلفية الأردنية ما قبل 2010
السلفية الأردنية هي انعكاس للاتجاهات السلفية القديمة في المنطقة؛ في فترة ما قبل السبعينات ارتبطت السلفية مع الاتجاهات الإصلاحية ذات المرجعية الإسلامية التي تحاول إصلاح الهموم المعاصرة بطريقة عملية، ومع ذلك، وفي ظل إغراق المنطقة بتعاليم الفكر الوهابي تحت رعاية الملك فيصل، اتجه السلفيون للتشدد الديني ولكنهم كانوا أكثر مرونة سياسيًا عن النظام السياسي في المملكة العربية السعودية.
أعطت المملكة الهاشمية تلك العلامة التجارية السعودية للسلفيين لمنحهم مجالًا أوسع لكي يحلوا محل الإخوان المسلمين، وتم السماح للسلفيين بالوصول لمكاسب بارزة وإن كانوا لم يستطيعوا أن يكونوا كتلة بعد في ذلك الوقت – نقصد وقت الثمانينات -.
كان مؤسس السلفية الأردنية هو الباحث الألباني محمد ناصر الدين الألباني، الذي انضم أولاً إلى “الجناح الدمشقي” للإخوان المسلمين والذين كانوا مقربين من السلفيين في سوريا، وفي أوائل الثمانينات وبعد أن عاش فترة في السعودية، انتقل الألباني للعيش في الأردن وأنشأ هناك نموذجًا من السلفية موازٍ لما ينتهجه السعوديون، سلفية موالية للحكومة ومحافظة ومسالمة.
المقدسي هو مؤسس التيار السلفي الجهادي الحالي في الأردن، تم تداول اثنين من أهم كتبه في فترة التسعينات، وهو ما جعله بمثابة المهندس الفكري لتنظيم القاعدة الجهادي العالمي من خلال المفاهيم التي نشرها مثل “الولاء والبراء”، و”لا نسعى لمعونات من الكفار”، وكانت تلك المفاهيم هي أساس الهجوم الديني من تنظيم القاعدة على الحكومات العربية، خصوصًا على المملكة العربية السعودية وتحالفها مع الولايات المتحدة.
وصل المقدسي إلى الأردن في عام 1992، مثل الكثير من الفلسطينيين، تم طرد عائلته من الكويت انتقامًا من الفلسطينين لدعمهم الغزو العراقي.
لدى وصوله إلى الأردن واجه المقدسي مشاهد متشددة هناك مثل الهجمات على النوادي الليلية وما شابه ذلك، ولكنه لاحظ عدم وجود تماسك فكري وافتقار للرؤية والأيدولوجية، فقرر هو أن يملأ هذا الفراغ من خلال توفير إطار أيدولوجي لأولئك الإسلاميين الذين فضلوا القانون الإسلامي والجهاد عن الأساليب الديمقراطية والانتخابات والعلاقات السلمية مع غير المسلمين.
خلال العقد الذي أعقب ذلك ظهرت انقسامات بين المقدسي وتلميذه الأبرز، أردني من الزرقاء يدعى أحمد الخلايلة، والمعروف للعالم كله باسم أبو مصعب الزرقاوي.
الجهاد المقدسي سمي بـ “الدعوة السلمية”، كانت دعوته هي أن تغيير وعي الكتلة الحرجة من المجتمع لا بد أن تكون قبل هزيمة الحكومة.
الزرقاوي كان شخصًا يعشق المواجهة، اختار حمل السلاح على الفور مما أدى لحدوث انقسام بين الطرفين في أواخر التسعينات.
بعد الإفراج عنه في 1999، نقل الزرقاوي نشاطه إلى العراق وأفغانستان وقام بهجمات دامية، حتى تم قتله في عام 2006 ويرجع الفضل في ذلك للضربات العسكرية الجوية للولايات المتحدة.
وبعد إطلاق سراح المقدسي في مارس 2008، حاول إعادة إحياء أفكاره التي كان ينشرها في التسعينات، كان الوضع أكثر سهولة بعد مقتل الزرقاوي، ركز المقدسي على ثلاثة أولويات؛ أولًا: العودة للمسار السلمي في الأردن، ثانيًا: التحذير من خطورة التطرف والتكفير وقتل المسلمين بحجة أنهم مرتدين، ثالثًا: تحويل مسار الجهاد إلى فلسطين وتركيز الجهود نحو عدو واحد وهو “إسرائيل”.
وعلى الرغم من موت الزرقاوي، فقد واجه المقدسي مجموعة جديدة من التحديات والعقبات والمنافسين، خلافًا لما كان عليه الوضع في التسعينات، حيث واجه نوعًا جديدًا من مهاترات الجهاد العالمي ولكن هذه المرة كان عهد الإنترنت، وهو ما سهل على الكثير من أتباع الزرقاوي استهداف المقدسي بلا هوادة، واحد من تلك الإصدارات الإلكترونية كان بعنوان “الحكم الإسلامي على الحاكم الفار من الجهاد”، والذي كان المقصود به السخرية من المقدسي لتخليه عن الجهاد بأفغانستان وانتقاده للجهاد في العراق بعد ذلك.
المقدسي لا يعتبر بأي حال من الأحوال “إسلامي معتدل”، فقد أشاد بهجمات 11 سبتمبر، ولم يقم بمخالفة تعاليم تنظيم القاعدة، كما أنه لا يزال حتى الآن من دعاة الجهاد.
خلال سلسلة من المحاضرات التي ألقاها المقدسي بعد الإفراج عنه في 2008، تحدث عن خلاف قد حدث بينه و بين عبدالله عزام (الأب الروحي لأسامة بن لادن).
وفقًا لما قاله المقدسي فإنه عندما أوعز عزام لشباب المجاهدين بغض الطرف عن الممارسات الشركية للسكان المحليين حفاظًا على وحدة الجهاد، قام المقدسي بجداله أمام باقي الشباب وقال له إنه لن يستطيع أن يتغاضى عن الممارسات الشركية للسكان المحليين الأفغان من المسلمين الذين يعظمون القبور، وعلى النقيض من ذلك كان خلاف الزرقاوي مع بن لادن خلافًا على القيادة والزعامة.
واقع مقتل الزرقاوي وحبس المقدسي أتاح لأطراف عديدة الظهور على الساحة السلفية الأردنية، كانت تحركاتهم وأفعالهم مؤشرات قوية للتحول بين الفكرين السائدين إما فكر الزرقاوي وإما فكر المقدسي، ومن أشهر من ظهر على الساحة كان عمر محمود بن عمر فلسطيني الجنسية، المعروف باسم “أبو قتادة الفلسطيني”، أبوقتادة يمثل أسامة بن لادن في أوروبا، أمضى أبو قتادة فترة قصيرة في الأردن في فترة التسعينات.
ومن العناصر الناشطة الأخرى: محمد الشلبي المعروف باسم “أبو سياف”، أبو سياف هو قائد السلفية في معان، وهي محافظة جنوبية وتعتبر معقل السلفيين في الأردن، صنف أبو سياف نفسه كمناصر ومؤيد لجبهة النصرة – جناح المقدسي – وبحلول عام 2012 تحول أبوسياف من كونه قائدًا سلفيًا محليًا في معان إلى متحدث رسمي، من ناحية أخرى ينحدر أبو سياف من إربد شمال عمان، ويعتبر أشهر وأبرز أردني منتمي للسلفية الجهادية.
المصدر: معهد هدسون للدراسات السياسية / ترجمة: أردن الإخبارية