تميزت العلاقات الثنائية بين الجمهورية الإيرانية وكل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بالعلاقات التبادلية الجيدة، وإن كانت تميل لصالح إيران طوال الوقت، بسبب ما تُلقيه من دعم مادّي ومعنوي كبير باتجاه الحركتين، في مقابل أنها تحقق أجزاء هامة من أحلامها، بتمدد نفوذها إلى خارج حدودها، بما يضمن مكانتها الإقليمية والدولية، ترتيبًا على ما وعدت به منذ نجاح ثورتها 1979.
وكان أعلن مسؤولون إيرانيون عن افتخار بلادهم من تحقيق حلم الثورة، بابتعاد نفوذ الدولة إلى خارج حدودها، بحيث تمكنت وحتى هذه الأثناء من تغطية بعضًا هامًا من دول المنطقة وخاصة العراق، سوريا، لبنان، اليمن ومناطق أخرى.
منذ عقد العلاقات مع حماس، لجأت قيادة إيران السياسية، وخلال مناسبات وأوقاتٍ عِدة، إلى وصف الشراكة معها بأنها إستراتيجية، ووصفت قواتها العسكرية، علاقاتها معها بأنها علاقة شراكة في المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وذلك من خلال العمل ضمن مشروع واحد، وهو الكفاح حتى تحرير فلسطين.
وكانت بالفعل، فقد دعمت القوات الإيرانية بنفسها، كتائب عز الدين القسام – ذراع حماس العسكرية – ومولتها ماليًا وعسكريًا ولوجستيًا، وظهر ذلك جليًا، حين سارع “أبوعبيدة” وهو الناطق باسم القسام، إلى تقديم الشكر لإيران شعبًا وقيادة، لمساهمتهما بفعالية في الانتصار الذي تحقق ضد الجيش وإسرائيل بشكلٍ عام.
إلاّ أن تلك العلاقات، لم تكن بعيدة عن خضوعها لاهتزازات صاخبة، ناجمة عن تعارض بين سياسات، أو عن اختلافات في وجهات النظر، أو ما هي ناتجة عن مطالبات غير موفقة بين الجانبين، وكانت الأزمة السورية الحاصلة منذ 2011، والتي تنغمس فيها إيران مباشرةً إلى جانب النظام السوري بقيادة بشار الأسد، من أكبر المحددات، التي حالت دون تطوير العلاقات، بل وتقلصت فيما بعد إلى درجاتٍ دُنيا، حيث انتظرت إيران إعلان حماس بصورة واضحة، موقفًا داعمًا ومشابهًا، باعتبار سوريا تقع ضمن الحلف الممانع والمعروف باسم حلف المقاومة، والذي يشمل (إيران، سوريا، حزب الله اللبناني، حركة حماس، الجهاد الإسلامي) أولًا، وبسبب أنها لا تزال – حينها – ترفُل بالرعاية السورية ثانيًا، وليس كما عبّرت عنها الحركة، بأنها إلى جانب تطلعات وآمال الشعب السوري.
وبرغم مرور وساطات مكثّفة من قِبل تنظيم حزب الله اللبناني لإخماد قيمة الانفعالات الإيرانية، أو التخفيف من حِدّتها على الأقل، وبما يسمح بتشغيل العلاقات المتوقّفة، إلاّ أن الأزمة كانت تفاقمت أكثر، حينما برزت اشتراطات – متبادلة – والتي وضعها كل طرفٍ في وجه الآخر، ترتيبًا على السلوك الغاضب لديهما، إذا ما أراد الطرفان عودة المياه إلى سابق عهدها.
ومن هذه الاشتراطات التي نستطيع ذكر بعضًا منها في هذا السياق، مثل: من المفروض على حماس – كما تشترط إيران – العودة إلى داخل خيمة الحلف، والالتزام بنصوصه بوضوح وليس بصورة مشوشة، واشترطت حماس بالمقابل، بأن توقف إيران مساعيها الرامية، إلى شق صفوف الحركة.
وكما لم نكن نتوقع، فإن ما حصل باتجاه حماس، هو ذاته الذي نشهده مع الحركة الرئيسة التالية بالنسبة لطهران وهي حركة الجهاد الإسلامي، فهي وإن حالفها الحظ، ونجت من الوقوع في الأزمة السورية، بسبب تماهيها مع موقف إيران إلى جانب الأسد، لكنها كانت ضحيّة قدرها أن سقطت – ومن غير تسمية – في الحفرة اليمنيّة، حيث مثّل موقفها المتعارض، مفاجأةً قاسيةً لإيران، شابهت تلك التي استقبلتها من حماس، وربما بدرجةٍ أكبر، بسبب مكانة الحركة الحرجة أكثر، باعتبارها تعتمد تمامًا على التمويل الإيراني – كمصدر واحد ووحيد -، وفي ضوء أنها تلقّت ورطات ماليّة متلاحقة، بسبب العدوان الإسرائيل ضد قطاع غزة (الجرف الصامد) في يوليو الماضي.
كمية الانفعالات التي صدّرتها إيران باتجاه الحركتين، كانت كبيرة وواضحة، خاصة وأنها كانت تنتظر زيادة أكبر لقوّة الحلف وليس تشرذمه، باعتباره حلف (المقاومة) المتبقّي في منطقة باتت منهارة ومستسلمة بالتمام لقوى غربية خارجية، ومن ناحيةٍ أخرى، فإن إيران لم تعُد مكانتها تقبل ومن أي جهة تخضع لمساعداتها، المماطلة في الانحياز إلى سياستها وخاصة بالنسبة إلى القضايا الخاصة بالحلف، باعتبار مسألة الحياديّة، لا تُغني من جوع ولا تشفع بين يديها بقطرة ماء.
وكما فشلت عِدّة من الجولات، التي هدفت إلى ترتيب عودة حماس إلى الأحضان الإيرانية، من خلال ترتيب صفقة تفاهمات بين قادة إيران ورئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، فإن الأمين العام لحركة الجهاد د. رمضان شلّح قد شعر بالمعاناة، حتى من قبل مغادرته إيران مؤخّرًا بشكلٍ غاضب، بناءً على نبرة إيران الخشنة، والتي احتوت إمساك دعمها وبخاصة (المالي) عن حركته.
لا يُعتبر ما سبق نهائيًا، وذلك بالنظر إلى قيمة العلاقات وما تأسست عليه في الأصل، وكما أن لا حماس ولا الجهاد، معنيتان بفقدان الشراكة مع إيران، باعتبارها من الدول النادرة وربما الوحيدة، التي وقفت إلى جانبهما في العسر واليسر، ولكن لا يمكنهما تبديل مواقفهما كيفما كان، ولدواعٍ مختلفة، فإن إيران أيضًا، لا تريد فقدان تقدّماتها في المنطقة، وإقامتها الصحبة بين شعوبها، وقد دفعت أثمانًا باهظة في مقابلها.
ربما بمعرفة الأطراف، وبخاصةً حماس، كونها متنفّذة على الأرض، تم السماح بظهور “حركة الصابرين” على الملأ، وببدء نشاطاتها أيضًا على ساحة القطاع، كـ “تشكيل اضطراري” برغم إعلانها بأنها حركة جهادية مستقلّة، مع ملاحظة أن موقفها حول تأييدها لإيران – كما تقول – وبخاصة بشأن المسألة اليمنيّة – على سبيل المثال – كان مستقلاَ وليس تابعًا، وسواء كان ظهورها اضطراريًا، أو صُدفةً (تعمل عملًا إيجابيًا)، فإنه سيكون من السهل من الآن فصاعد على إيران، استئناف دعمها لكلا الحركتين، وإلى حين مغادرة الأزمة إلى ناحيةٍ ما.