لم يعد يخفي على أحد الانقسام الذي تشهده جماعة الإخوان المسلمين على مستوى القيادات والخيارات منذ فترة، الجديد هو ظهور الانقسام للعلن والفعل ورد الفعل العلني والرسمي من القيادات القديمة والجديدة، الانقسام الذي يتمحور حول شرعية القيادة القديمة والجديدة وعن أحقية من فيهما بإدارة أمور الجماعة يُخفي أسباب الانقسام الحقيقية وهي الخيار الإستراتيجي للجماعة التي تراه القيادة الشابة ليس سوى الثورة بكل وسائلها المتاحة لإسقاط النظام، بينما تراه القيادة القديمة الحفاظ على نهج الجماعة في التغيير السلمي وعدم التنازل عما تسميه “ثوابت الجماعة”.
تفجر الانقسام فور اعتقال الدكتور محمد وهدان أحد أبرز أعضاء لجنة الأزمة/ القيادة الجديدة وحلقة الوصل بين الطرفين والذي جاء بعد مقال نُشر للدكتور غزلان بدا أنه كان موجهًا للقيادة الجديدة انتقد فيه ما أسماه انجرار الجماعة للعنف وخطورة التخلي عن السلمية.
خطاب الانقلاب
أعلن الدكتور محمود حسين الأمين العام للجماعة بيان الانقلاب على القيادة الجديدة، فذكر في بيانه أن مكتب الإرشاد قائم بإدارة أمور الجماعة وثبت نفسه أمينًا عامًا، وسمى نائب المرشد الدكتور محمود عزت قائمًا بمهام المرشد العام، وذكر أنه تم الاستعانة بما أسماهم (معاونين) يقصد بهم أعضاء المكتب الجديد، فيما اُعتبر قرار بإزاحة القيادة الجديدة من المشهد.
منتصر يتمسك بالشرعية
في المقابل سرعان ما رد محمد منتصر المتحدث الرسمي باسم الجماعة والذي تم تعيينه في المنصب 24 يناير الماضي، معلنًا بوضوح تمسك الجماعة بشرعية الانتخابات التي أُجريت وكان من نتائجها استمرار الدكتور محمد بديع مرشدًا عامًا وانتخاب لجنة لإدارة الأزمة، ورئيس للجنة يقوم بمهام المرشد واختيار أمين عام جديد للجماعة من داخل مصر، وأعلن بوضوح أن الدكتور محمود حسين لم يعد أمينًا عامًا للجماعة وأن المتحدث باسم الجماعة ومنافذها الإعلامية وحده من له حق التعبير عن الجماعة وآرائها.
تعكس رواية كلا الطرفين أزمة شرعية حول من يقود الجماعة، فإذا ما أضفنا إلى تلك الروايتين معلومات بأن لجنة الأزمة/ القيادة الجديدة هي لجنة معينة وليست منتخبة وأشرفت على إجراء انتخابات على مختلف مستويات الجماعة ووضعت رؤية تنطلق من كون الثورة بكافة أدواتها هي خيار إستراتيجي لا تراجع عنه، وهو ما تحفظت عليه القيادة القديمة واعتبرته انحرافًا عن منهج الجماعة في التغيير؛ وهو ما دفع القيادة القديمة لمحاولة إعادة السيطرة على المشهد داخل الجماعة، فأزمة الشرعية تتمثل هنا في عدم إجراء انتخابات على مستوى قيادة الجماعة منذ الانقلاب، بينما ترى لجنة الأزمة أن شرعية القيادة القديمة سقطت بعدم تواجدها في الداخل وبُعدها عن إدارة المشهد منذ فض رابعة كما حاولت لجنة الأزمة/ القيادة الجديدة تخطي أزمة الشرعية تلك إلى أزمة المسار وهو ما عبر عنه محمد منتصر بقوله “إذا رأيتمونا نحيد عن طريق الثورة فلا تتبعونا”.
الجماعة بين انقلابيين
مع اقتراب الذكرى الثانية لانقلاب العسكر على أول رئيس منتخب في مصر، تمر جماعة الإخوان بتجربة مشابهة؛ فإعلان القيادة القديمة إزاحتها القيادة الشابة الجديدة بدعوى الحفاظ على ثوابت الجماعة وحمايتها من الانجرار للعنف ﻻ يختلف عن زعم العسكر الحفاظ على ثوابت الدولة المصرية وحمايتها من الاختطاف على يد جماعة إسلامية لا يثق الجيش – الراعي الرسمي للدولة منذ انقلاب 1952 – في اختياراتها؛ فقرر الانقلاب بعد عام واحد من وصول مرسي وإخوانه إلى الحكم.
وجه الشبه هنا هو حالة الوصاية التي تؤمن بها القيادة القديمة فتجعل من آرائها واجتهاداتها ثوابت تنسبها للجماعة وتتصرف وكأنها امتلكت الجماعة واختصرتها في عدة أشخاص.
وهو الأمر الذي جعل الجماعة في مواجة انقلابين مع الاختلاف، ﻻ شك أن الانقلاب الداخلي سيشغل حيزًا كبيرًا من الجهد والتفكير ومحاولات العمل على التوصل لحلول لإنهائه وتوحيد الصف وهذا الجهد سيخصم من الجهد المبذول في مقاومة الانقلاب العسكري.
هل تملك القيادة القديمة مبادرة إقليمية للتسوية؟
يذهب البعض إلى اعتبار الدافع وراء الانقلاب الداخلي هو امتلاك القيادة القديمة مبادرة إقليمية وضوء أخضر من دول الخليج لتسوية الأزمة في مصر يقابلها تمسك القيادة الجديدة بالثورة، يدعم تلك الرؤية التغييرات الإقليمية الهامة وعلى رأسها صعود الملك سلمان والتقارب السعودي التركي وتعاظم مخاطر داعش والحوثيين؛ مما يجعل اللاعبون الإقليميون في حاجة إلى تسكين وتسوية الوضع المصري، إلا أن أغلب الظن أن الدافع وراء ذلك هو رفض القيادات التاريخية محاولات التغيير المستمرة منذ فض رابعة ومحاولاتهم المتكررة استعادة السيطرة داخل الجماعة ومقاومة التغيير خشية انحراف القيادة الشابة عن منهج الجماعة في التغيير، مع عدم استبعاد عودة القيادة القديمة بمبادرة تسوية وانسحاب من الصراع مع السلطة.
تأثير الحدث على الصف الإخواني
ألقى الانقسام بظلاله على الصف الإخواني الذي مازال يعاني من آثار تلك الصدمة التي لم يتوقعها لغياب الشفافية وتداول المعلومات داخل الجماعة ليس فقط بسبب الظروف الأمنية ولكنها ثقافة ﻻتزال غائبة عن الجماعة، فجاءت الأغلبية – تيار الشباب – مؤيدة للقيادة الجديدة باعتبارها تمثل إرادتهم في مواجهة النظام العسكري وتطوير آليات الثورة وإكمال الطريق حتى إسقاط النظام، وفريق آخر آثر اعتزال الفتنة – كما يراها – والصمت إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، بينما خفت صوت مؤيدي القيادة القديمة مطالبين الشباب بالتبين مما ينقل وحل الأزمة بطريقة هادئة بعيدًا عن الإعلام، كما عبّر عدد قليل عن تأييده الانسحاب من الصراع وتفادي مزيد من الخسائر.
من يُخضع الآخر؟
تدور التساؤلات الآن عن أي الطرفين يمكنه حسم الصراع لصالحه وتوحيد قيادة الجماعة تحت رايته، بالنظر إلى امتلاك كل طرف نقاط قوة؛ فالقيادة الجديدة يدين لها الجانب الأكبر من المكاتب الإدارية بالولاء بما فيها مكتب الخارج الذي تأسس مؤخرًا وذلك لأن تلك المكاتب اكتسبت شرعيتها من الانتخابات التي أشرف عليها المكتب الجديد في فبراير 2014 كما أنها توافق على رؤية القيادة الجديدة للمشهد وتعاملها معه وتحظى بتأييد الشباب، وتدرك ذلك القيادة التاريخية والتى بدأت في مد جسور التواصل مع المكاتب الإدارية لتقوم بعزل القيادة الجديدة عن جسد الجماعة، أما العلاقات الخارجية والتمويل فهي من نصيب القيادة التاريخية ورموزها مثل الدكتور محمود حسين والذي يمثل تنظيم إخوان مصر في التنظيم الدولي لجماعة الإخوان.
تداعيات هذا الانقسام على الجماعة كبيرة، فالتحدي الهام ليس في إنهاء الانقسام فقط لكونه ليس مجرد اختلاف حول من يمثل الحركة ومن يقودها، ولكن في الاتفاق حول الخيارات الإستراتيجية في مواجهة النظام العسكري بمصر، وإلا فإن الجماعة مهددة باستمرار الانقسام وربما انشطار الجماعة – لا قدر الله -.
وبالتالي فالرهان على إخضاع طرف للآخر بشكل تام يبدو رهان خاسر، كما أن استغناء طرف عن الآخر ليس خيارًا مفضلاً لكليهما؛ ما يجبر الطرفين على الحرص على حل الأزمة، ويبدو أن الأيام القادمة ستشهد تكثيف الاجتماعات والمبادرات من أجل الوصول إلى حل يتوافق عليه الطرفان.