في هذا الوقت المملوء والمشحون بالفوضى والفائض بالفتنة أو قل الفتن، والمتدافع بالتحريض وبالأصوات المرتفعة سبًا وشتمًا وقذفًا وقسوةً، كيف لك أن تختار، وكيف لك أن تنحاز إلى فئة أهل الحق والعدل والجمال والرؤية المستقيمة والمضيئة، بعيدًا عن ظلمات من أوشكوا أن يأخذوا بمقاليد كل شيء، وهم أبعد عن كل حق وخير وجمال، ولكنه التضامن بالكذب والدجل والانحراف؛ جعل من أصحاب هذه الأصوات في علو وظهور.
كان لا بد من هذه المقدمة لأدلف إلى ما صرح به الأزهر الشريف مؤخرًا حينما رأى سقوط تدمر في أيدي داعش – وما أدراك ما داعش، هذا النمو الغريب للقتل والسحل والدمار وتخريب كل شيء – حيث قال الأزهر “إن الدفاع عن مناطق الآثار في تدمر هي معركة الإنسانية بأكملها” .. انتهى كلامه.
يا الله! كيف لي أن أجعل دماغي نابضًا، وكيف لي أن أثبت نفسي في مواجهة الألم والبشاعة في هذا الزمان الممتلئ بالتناقض! فيا أزهرنا الشريف نسألك: هل أنت الموقع النظيف الذي عهدنا أن نستقي كلماته ونتخذها منارًا للتوجه لمعركة الإنسانية؟! أين كنت يا أزهرنا الشريف يوم أن فُضت رابعة وسقط الآلاف، وحين تم كنس الجثث مع بقايا القمامة في يوم فظيع ومريع في تاريخ مصر، ومهما قيل عن رابعة فإننا يجب أن نقف بشرف وبسالة دفاعًا عن رأي من يخالفنا الرأي، لنكون معًا في نفس الساحة، وألا نكون إقصائيين لأحد كائنًا من كان، والفكر لا يفله إلا الفكر، فهل الأزهر الشريف التزم الحياد وكان أساس بناء لجمع شمل بلد لو انفجر فيه العداء لتدمر تدميرًا كبيرًا.
ويتحدث الأزهر عن معركة الإنسانية تجاه ما سيجري لآثار وحجارة، وهو يرى أبناء سوريا والأسد المتعنت أهلك منهم ما يقارب الثلاثمائة ألف نفس وشرد منهم الملايين في أكبر عملية نزوح وهجرة وإفراغ للبلد لعلها ما كانت مع فئة أخرى عبر التاريخ، ولكن الفجر سينبلج ويهلك كل الطغاة، فهل ارتفع صوت الأزهر الشريف مناديًا لإيقاف الحرب والحق واضح، إن موقف الأزهر المتخاذل تجاه الدم السوري لا يجعله أمينًا يتحدث عن آثار وحجارة، وإننا لنعلم أن تاريخ المسلمين الأوائل أصحاب الأدب والجمال بحق، وقد أتوا مصر ووجدوا آثار الفراعين الطغاة فيها فلم يمسوها ولم يعملوا على تحطيم أي شيء فيهاـ إننا كمسلمين مدعوين للنهوض بالقلب تزكيةً ونماءً وعلمًا وأدبًا.
ثم أين الأزهر الشريف مما يجري مع أهل غزة ليقول إنها معركة الإنسانية ويدلنا كيف نفعل مع المعبر، وآخر الأنباء المؤسفة تأتينا بأن مسنة فاضت روحها وهي في انتظار أن يُمَن عليهم بفتح المعبر! وفي ذلك انحياز مع الصهيوني ضد المسلم في غزة، وأنها الآن لسجن كبير يموج بالفقر ونقص الغذاء والدواء وعذابات ما أنزل الله بها من سلطان، فهل الحجر في تدمر أهم من غزة ومعاناة أهلها؟! وهل الحجر في تدمر أهم من الآلاف المكدسة في السجون المصرية، رجالاً ونساءً، فتيةً وفتيات وأطفال، مع صدور أحكام إعدام وتأبيد بالجملة ولا كلمة أو حكمة تصدر من أزهرنا الشريف لإغلاق هذا المنعطف السيء في تاريخ مصر وحاضرها، أفلا يحق لنا أن ننادي بأن الدفاع عن معتقلي وسجناء الرأي في مصر هو معركة الإنسانية بأكملها، أم أن الانسياق وراء أفكار لسياسيين أرادوا الوصول لمنصب أو سلطة هو أهم من الدعوة لوقف الاستخفاف الذي يجري في مصر. إن الانقلاب فاضح ومشين يقف إلى جواره أصحاب أقلام وظفوا كل طاقاتهم لبناء شخص يعتقدون أنه المنقذ، وبعد عامين من صعوده السيء لا يبدو أن الأمور تسير إلى انفراج.
أفيدوني، ما الفرق بين البغدادي والسيسي؟ البغدادي وزمرته يحطم ويهلك ويسحل ويفعل الغرائب، والسيسي يمضي في نفس الطريق قتلاً ودمارًا وتدليسًا، لا فرق بين الرجلين، ولكن ما تتعجب له وتألم له أن يباركه الأزهر وأن يخرج علينا من يعدون علماء كبار فيجعلونه في مصاف الأنبياء، يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على الحق.