اليوم هو ذكرى مرور خمس سنوات على الاعتداء الإسرائيلي ضد “أسطول الحرية” الذي أبحرت فيه السفينة “مافي مرمرة”، والتي انطلقت مع الأسطول بهدف كسر الحصار على قطاع غزة بعدما حاصرته السلطات الإسرائيلية عقب صعود حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى السلطة، انطلق الأسطول في شهر مايو من العام 2010 ومعه السفينة مرمرة وعلى متنها 750 ناشطًا من 37 دولة، حاملة مساعدات إنسانية، بالإضافة لخمسة سفن أخرى.
انطلق أسطول الحرية من عدة موانئ لدول مختلفة في جنوب أوروبا وتركيا، وكانت نقطة الالتقاء قبالة مدينة “ليماسول” جنوب قبرص، انطلق الأسطول باتجاه قطاع غزة مباشرة محملا بعشرة آلاف طن من التجهيزات والمساعدات، والمئات من الناشطين الساعين لكسر الحصار، الذي قد بلغ عامه الثالث على التوالي.
حذرت إسرائيل من أنها سوف تضطر لاستخدام القوة لاعتراض هذا الأسطول، وستقبض على جميع من فيه، ومن ثم سترحل جميع الناشطين الموجودين على متن سفن الأأسطول. وقد أعلن ذلك صراحة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، قائلًا السفن الحربية الإسرائيلية جاهزة في عرض البحر لاعتراض قافلة السفن الخاصة بأسطول الحرية لمنعها من الوصول إلى غزة.
وبالفعل قامت إسرائيل بتنفيذ تهديدها بشأن الأسطول وفرض طوقًا من فرقاطات البحرية الإسرائيلية على الأسطول حينما اقترب من شواطئ غزة، ونفذت مروحيات من سلاح الجو الإسرائيلي عمليات إنزال لجنود إسرائيليين على متن سفن الأسطول، وكانت من بين سفن الأسطول المحاصرة السفينة التركية التابعة لهيئة الإغاثة الإنسانية التركية ” إم في – مافي مرمرة”.
عملية السيطرة الإسرائيلية على السفينة مرمرة أسفرت عن استشهاد 9 مدنيين أتراك كانوا على متن السفينة، فيما أصيب 56 شخصًا من النشطاء الذين كانوا على متن هذه السفينة، أما الناشط التركي العاشر “أوغور سليمان سويلماز”، فقد فارق الحياة في إحدى مستشفيات العاصمة التركية أنقرة، في مايو 2014، متأثرًا بالجروح الخطيرة التي تعرض لها خلال العدوان الإسرائيلي على السفينة.
بعد اقتحام البحرية الإسرائيلية للسفينة، تم اعتقال كافة النشطاء من على متنها، تحت ذريعة الدخول إلى دولة إسرائيل دون الحصول على إذن رسمي، ولم تفرج إسرائيل عن النشطاء هؤلاء الا بعد يومين بعدما أثارت الحادثة ضجة عالمية.
أثارت الحادثة حفيظة الجانب التركي، الذي سعى لتدويل القضية بعد مقتل تسعة مواطنين أتراك على يد الجيش الإسرائيلي، وبالفعل قرر مجلس حقوق الإنسان تشكيل لجنة تحقيق دولية في الهجوم علي الأسطول، تكونت اللجنة من ثلاثة خبراء دوليين مستقلين من بريطانيا وماليزيا وترينداد وتوباجو، وقد بدأت اللجنة تحقيقاتها في شهر أغسطس بمدينة نيويورك، وقد أسفرت نتائج التحقيقات الأولية عن إدانة إسرائيل في الحاد وتحميلها مسؤولية الاعتداء.
الجانب الرسمي التركي متمثلًا في رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان لم يترك محفل دولي ولا مناسبة الا ندد فيها بهذا العدوان الإسرائيلي، كما شدد على ضرورة اعتذار إسرائيل ودفعها للتعويضات اللازمة، بينما الجانب الإسرائيلي قام بتشكيل لجنة خاصة برئاسة القاضي السابق في المحكمة العليا الإسرائيلية “يعقوب تيركل”، والذي قام بالتحقيق في حادث الهجوم على”أسطول الحرية”.
وقد نشرت نتائج التحقيقات الإسرائيلية في الهجوم مؤكدة أن ثمة أخطاء مهنية كبيرة ارتكبت على مستويات قيادية مختلفة، أهمها أن قوات البحرية الإسرائيلية فشلت في تقدير الموقف، وقالت النتائج أنه تم ارتكاب أخطاء في القرارات التي اتخذ بعضها على مستويات عالية نسبيا، ولكن التقرير لم يخل من إدانة للناشطين بعد اتهامهم أنهم فتحوا النار على القوات الإسرائيلية الخاصة، وقد دافع رئيس الأركان الإسرائيلي عن الجنود وقال أنهم أبدوا برودة أعصاب وشجاعة وأخلاقية، وأكد أنه يتحمل المسؤولية عن عملية الهجوم.
وبعد شد وجذب بين تركيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي على أكثر من جانب أدت الضغوط الدبلوماسية التي تم إجراؤها من قبل تركيا إلى تقديم إسرائيل لأول مرة في تاريخها اعتذارًا عن اعتدائها على سفينة “مافي مرمرة”، وأجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” اتصالاً هاتفياً مع رئيس الوزراء التركي أردوغان، معتذرًا عن هذا العدوان.
لم تكتف تركيا بهذا الأمر، ولكن صعدت القضية إلى القضاء التركي والدولي، في عدة بلدان منها الولايات المتحدة وإسبانيا وبلجيكا وإيطاليا وغيرها، كما تم نقل الملف على الصعيد الدولي إلى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، وعلى صعيد الداخل التركي رفعت دعوى قضائية ضد دولة إسرائيل تتعلق بالاعتداء على أسطول الحرية، في النيابة العامة في 2012، وضمت الدعوى المرفوعة قائمة بأسماء 490 شخصًا من 37 دولة.
وفي مايو من العام الماضي أصدرت محكمة الجنايات في إسطنبول مذكرات بقرارات اعتقال عدة طالت رئيس أركان الجيش الإسرائيلي “راو ألوف أشكنازي”، وقائد البحرية “أليعازر ماروم”، ورئيس قسم الاستخبارات العسكرية “عاموس يادلين”، ورئيس دائرة الاستخبارات في القوات الجوية “أفيشاي ليفي”، في حين طالبت إسرائيل الانتربول تجاهل هذه المذكرات التركية.
في حين قالت أسر ضحايا السفينة “مافي مرمرة” التركية إن رجلي أعمال يهوديين عرضا عليهم مليار دولار مقابل التنازل عن الدعاوى القضائية الدولية المرفوعة على أربعة جنرالات بالجيش الإسرائيلي، لكنهم رفضوا.
كان من الواضح أن إسرائيل قد لجأت إلى الاستعمال المفرط للقوة وكأنها تريد أن تعطي درسًا بحيث لا تتكرَّر محاولات كسر الحصار عن القطاع في المستقبل. واستهدف الهجوم مؤسسات تركية تعنى بحقوق الإنسان ما يشكل تحديًا للحكومة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية فالعلاقات التركية الإسرائيلية منذ ذلك الحين وهي في تدهور خاصة أن ذلك تزامن مع طور السياسة الخارجية التركية في الشرق الأوسط.
أدى هذا الهجوم إلى تحولا جذريا في هذه العلاقات التي تدهورت بعد تاريخ طويل من الشراكة الاستراتيجية بين البلدين تعود للعام 1949 عندما قررت تركيا كأول بلد مسلم، إنشاء علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، حيث يمكن الإعلان عن نهاية هذا التاريخ الطويل من التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري والإستراتيجي، بصورة فعلية إلا في عام 2010 عقب حادث أسطول الحرية.
القضية شكلت رمزية بالداخل التركي، وثمة العديد من الدعاوى القضائية لا زالت قائمة في تركيا وخارج تركيا تتعلق بهذا الحادث، كا آخرها في هذا الشهر حين قضت المحكمة الابتدائية الثانية في ولاية “نوشهير” التركية، بتغريم إسرائيل مبلغ 40 ألف ليرة تركية، ما يعادل 15 ألف دولار أمريكي، كتعويضات معنوية، في الدعوى التي تقدم بها مراسل الأناضول “يوجال والي أوغلو”، ضد إسرائيل، والذي كان على متن سفينة “مافي مرمرة” أثناء هجوم القوات الإسرائيلية عليها.
وفي مطلع هذا العام قدمت هيئة الإغاثة الإنسانية التركية، المسؤولة عن إطلاق أسطول الحرية عام 2010 ، طعنًا على قرار إدعاء المحكمة الجنائية الدولية، بعدم فتح تحقيق في الهجوم الإسرائيلي على سفينة “مافي مرمرة”، إحدى سفن، الإسطول.
وكان الإدعاء العام للمحكمة الجنائية الدولية، أعلن في نوفمبر2014 أن إسرائيل ارتكبت جريمة حرب بهجومها على “مافي مرمرة”، إلا أن حجم الحادث لا يجعله يدخل ضمن نطاق عمل المحكمة، وهو ما اعترضت عليه تركيا.
في هذه الذكرى الخامسة شارك الفلسطينيون في قطاع غزة في مهرجان لإحياء ذكرى ضحايا سفينة “مافي مرمرة” التركية، التي قتلت قوات من البحرية الإسرائيلية، وذلك قرب النصب التذكاري لشهداء سفينة “مرمرة” في ميناء غزة، ليظل هذا الأسطول علامة فارقة في تاريخ الحصار على غزة، حيث شكل أولى المحاولات الشعبية دوليًا لفك الحصار الذي ضربته إسرائيل على القطاع منذ عام 2007 وحتى هذه اللحظة.