كما يحق لرئيس اتحاد الكرة الفلسطيني جبريل الرجوب، الدفاع عن نفسه، في أعقاب فشله باتجاه خطوته الرامية إلى طرد إسرائيل من اتحاد الفيفا الدولي وشطب عضويتها من سجلاته، فإنه يحق له أيضًا المحاولة في إقناع الفلسطينيين وسائر المتعاطفين معهم والمؤيدين لهم، بإثبات نجاحه في الاستعاضة عن اقتراح الطرد، بالتصويت إلى جانب إنشاء منظومة دولية، مهمتها فحص الشكاوى الفلسطينية، فيما إذا كان الإسرائيليون يتبعون إجراءات تضييقية وعنصرية ضد الأندية والرياضة الفلسطينية بشكلٍ عام، باعتبارها خطوة يجب البناء عليها مستقبلًا، وتعطي أملًا بالعودة إلى الكونغرس، في ملاحقة إسرائيل ومحاسبتها، في حال تنكرت لالتزاماتها أو تراجعت عن تعهداتها.
وبرغم لجوء الكثيرين إلى عدم الإيمان بها إلى أبعد من خطوة واحدة إلى الأمام، لاعتبارها بديلًا غير كافيًا، بل ومُفرغًا من المعاني المطلوبة، لوقوعها تحت عناوين أمنية زاهية، ناهيكم عن رفض الفيفا قبول التصويت على وضع خمس نوادٍ إسرائيلية من المستوطنات باعتبارها محظورة، فإننا نعتبر بأن هناك إسرافًا مُعتبَرًا ومُبالغًا فيه، في شأن شن حربٍ قاسية ضد الرجوب والمُشتملة على جملة من المصطلحات الغاضبة كـ “الاتهام والتوعد والإهانة” وغيرها، والتي دأب الناشرون والذين تجاوزوا شعر الرأس عددًا، في ترجمتها وتفصيلها، إلى أسوأ العبارات.
ليس باستطاعة أي أحد أن يجزم بأن الرجوب كان ينوي لنفسه، الوقوع في هذا المأزق القاتم والأليم من ناحية، لكن باستطاعة الكل بأن يجزم بأن لديه رغبة جامحة نحو تحقيق نجاح كبير بهذا الحجم، بغية الوصول إلى الجو، ولمُراكمته على نجاحات سابقة، وأهمها أن أخرج الرياضة الفلسطينية من ظلمة الحواري إلى نور العالمية، وكان أعطى لنفسه آمالًا مضاعفة، قبل أن يُغدقها على الآخرين.
فالإسراف في الغضب بعد هذه الحادثة لن لا يفيد بشيء، بل ويجعل الحركة أمام الاتحاد الفلسطيني نفسه محدودة، بسبب القدر الكبير من الإحباط الذي سيصيبه تباعًا، وحتى ربما تشكل أساسات مؤذية لمواضيع غير ذات صلة، ولذلك ليس مفروضًا علينا أن نجعل لهذه الحادثة قدرًا يفيض عنها، ولكن بالقدر الذي يُحظر علينا أن نمُر على الدروس من غير أن نتعلم منها.
لا أحد يُنكر بأن هناك أخطاء ارتكبها الرجوب بنفسه، ومنها: تصرفه وكأنه قليل التجربة بالإسرائيليين، في مقابل كثرة الثقة بمن أمامه وخاصةً من يعتبرهم في الجيب الخاص به، أو يميلون إلى البيت الفلسطيني على الأقل، بعد أن أوحى للكل، بدءًا بالقيادة وانتهاءً بعامة الفلسطينيين، بأن لديه نسبة ساحقة لصالح مسعاه، الذي سوف يقدمه على ملعب الفيفا للتصويت عليه، حتى تأكد الكل بأن إسرائيل مطرودة لا محالة بعد ثانية واحدة فقط من انتهاء جولة التصويت.
تفرض علينا الخطوة وسواء كانت فاشلة أو بعدها مفتاحًا لتقدمات آتية، الاستنتاج بأن هناك حقائق دولية ثابتة لم تتغير كفاية، باتجاه، أن لإسرائيل حُرمة – غير عادية – لا يجب انتهاكها وحتى في أضيق المحال، بغض النظر عن الارتباطات الناتجة عن مصالح وتخوفات وتأثيرات جانبية أيضًا، فما كان علينا أبدًا، كي نرجو أو نُوغل في الأمل، كما أوغل صاحبنا، حين عصى على الثبات والإصرار في المضي في مسعاه حتى الرمق الأخير، وكأنه يعيش حياته بلا أي دروس.
ربما من الصعب تصور ما هي كمية الضغط الدولي والعربي بخاصة، التي رزح تحت وطأتها الرجوب ليقوم بسحب اقتراحه؟ ومن يدري فيما إذا كانت هناك تهديدات عربية تنص على التوقف؟ بسبب وصول بعضًا من قادتها إلى قناعة بأن “لا فيفا بدون إسرائيل”، أو تجنبًا لدى بعضها لأي ردود فعل سلبية من قِبلها، وحرصًا من ناحية آخرين على ألا تصحو غاضبة كـ “حدٍ أدنى”.
ربما وقفت إسرائيل على رجليها الخلفيتين، ولكن هذا التقدير قد يكون صحيحًا في الدقيقة التي تذكرت فيها ساعة تصويت الأمم المتحدة على الدولة الفلسطينية 2012، – مع الفارق- وهو أن التصويت الفائت قد يُنشئ أو لا يُنشئ دولة، بيد أن التصويت الحالي، يُعد بمثابة بداية الطريق لإنهاء دولة.
في الحقيقة، فإنه لا يعني إسرائيل تمامًا سحب الطلب الفلسطيني، بقدر ما تعنيها تلك الثقة العالية بالأسرة الدولية، التي تأخذ على عاتقها في كل مرة وبلا تردد، مسألة حمايتها وتعظيمها، وقد مر بنا، كيف استطاعت تلك الأسرة، من إفلات إسرائيل وإخراجها إلى بر الأمان خلال لمحة من الزمن بشأن تقرير غولدستون عام 2009.
قد لا يهمنا الآن على الأقل، مصير “غولدستون” ولا اقتراح الفيفا أيضًا، كما يمكننا التغافل عن السرور الإسرائيلي الصارخ بعد هذه الواقعة خاصة، لكن ما يهمنا وبلا ريب، هو أن الفلسطينيين لا يزالون على بداية الطريق، بشأن مساعيهم ضد إسرائيل، بحيث لا ندري فيما إذا كانت لديهم القدرة بشأن مواصلة السير في هذا الطريق؟ وفي ضوء استعانتهم واتكالهم على مواقف كاذبة، أم أنهم سيكونون مُباشرةً، في مواجهة حوائط دولية غربية – عربية صامدة؟ ومن ثم يكتفون أمامها باكتساب الضجيج وحسب.