يمكنك الاطلاع على الجزء الأول من هذا المقال عبر الضغط هنا
الجزء الثاني .. نحو سوريا
* “السلفية الأردنية والجهاد في سوريا”، دراسة شاملة نقدية صادرة عن قسم السياسات الخارجية والشؤون الدولية في معهد هدسون للدراسات السياسية في واشنطن، تتناول جذور السلفية الجهادية في الأردن منذ البدايات وحتى يومنا هذا، وهي مبنية على أكثر من 100 مصدر ومرجع، ونشرت بتاريخ 16 مارس 2015، قدمها الكاتب والباحث “كيرك سويل”، ونقدمها لكم مُقسّمة على ثلاثة أجزاء بعد أن قامت بترجمتها، وهي لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع وإنما عن رأي كاتبها.
الربيع المحدود للسلفية الأردنية 2011
في أقل من شهرين، أواخر 2010 وأوائل 2011، تغيرت الخريطة السياسية للعالم العربي بشكل حاسم؛ تم الإطاحة بزين العابدين بن علي في تونس وأتبعه حسني مبارك في مصر، وفي كل من الحالتين كان السلفيون لاعبين هامشيين ولم يكن لهم دور يُذكر.
في مصر، كان السلفيون قريبين من الحكومة ولم يشاركوا حتى بالمظاهرات، وبعد أن باتت الصورة واضحة والتغيير سيحدث لا مفر منه، انضموا للثورة، وطالبوا بتطبيق الشريعة الإسلامية، وبعد حالة فراغ السلطة الذي حدث في مصر وتونس، ركز السلفيون في البلدين كل طاقاتهم على مراقبة تحركات العلمانيين.
في الوقت نفسه، لم تظهر الاحتجاجات بالأردن أي رغبة في الإطاحة بالنظام الملكي، حاول النشطاء العلمانيون ومنافسوهم من الإخوان المسلمين أن “يصلحوا النظام” من خلال العودة لدستور 1952، والذي كان أقرب إلى ملكية دستورية حقيقية مما كان عليه الوضع في 2011.
لذلك عندما عقد السلفيون الأردنيون احتجاجهم الأول يوم 2 مارس 2011 في عمان، وركزوا مطالبهم على تطبيق الشريعة الإسلامية والإفراج عن 300 سجين، زعموا أنهم يتعرضون لمعاملة سيئة في السجن، واستخدم السلفيون الأردنيون آنذاك الشعار الذي رفعه متظاهرو مصر وتونس، “إسقاط النظام”، وعند هذه النقطة كان تركيز سلفيي الأردن لا يزال على الشؤون الداخلية، وفعاليتهم مستوحاة مما يحدث بدول شمال أفريقيا، ولكن أهدافهم لم تكن مرتبطة بما يحدث إقليميًا، قاموا بمظاهرات مرة ثانية في عمّان في 20 مارس، بهتافات تطالب بالإفراج عن السلفيين المسجونين وأنه لا حكم إلا حكم الله، رافعين علم الدولة الإسلامية (الذي تعتبره السلفية الأردنية العلم الخاص بها).
ومع تفعيل الجناح الجهادي، لم تستطع الحركة السلفية التقليدية أن تلتزم الصمت طويلًا، أصدر علي الحلبي، تلميذ الشيخ الألباني مؤسس السلفية الأردنية، فيديو لمحاضرة له في 12 من مارس من العام نفسه، وهو ينتقد الاحتجاجات واصفًا إياها بأنها “بعيدة كل البعد عن شرع الله”، وتسعى وراء مكاسب مادية.
بحلول يونيو، شعر الحلبي أن عليه تقديم بيانًا أكثر تفصيلًا، وصرح بموافقته على الاحتجاجات أو المظاهرات في حالة ردة الحاكم، أو عندما تكون التظاهرات في مصالح الأمة الإسلامية، وأرجع رأيه أنه لم يرَ في التظاهرات في مصر إلا الفوضى والمعاناة التي سببها النشطاء الحزبيون، أو التكفيريون السلفيون التابعون لتنظيم القاعدة، أو القطبيون (يقصد الإخوان المسلمين).
في 5 فبراير كان القيادي الأصولي مشهور حسن قد صرح بالفعل بأن ما يحدث في مصر هو “مؤامرة ستجلب الانقسامات بين أطياف الشعب، ويعد ذلك أسوأ أنواع الفتنة”، وأضاف “التغيير إن كان ضروريًا فإنه لا بد أن يأتي من خلال التغيير الروحي الفردي، ولن يأتي بطرق احتجاج الشيوعيين والقوميين والحزبيين”، يُعد مشهور حسن قياديًا أردنيًا للمجموعات الدينية المدعومة من المملكة العربية السعودية، وقد أعلنت تلك الحركات في بيان لها في يناير، أن الاحتجاجات القائمة لا علاقة لها بالإسلام.
شنّت السلفية الجهادية، في مؤتمر عُقد في 13 أبريل 2011، الهجوم على السلفيين المواليين للأنظمة الحاكمة، وفقًا لأبي سياف، فإن الأصوليين متحالفون مع الأنظمة التي تتحالف بدورها مع اليهود والأمريكيين، وأضاف أن ذلك يحدث طبقًا لصفقة بين التيار السلفي الأصولي وبين الأنظمة الحاكمة، وأن الفتاوى التي تحرم الخروج على نظام المملكة الهاشمية بعيدة كل البعد عن المنهج السلفي الحق، وأضاف أن منهج الأصوليين الأردنيين معيب للدرجة التي جعلت حتى رجال الدين السعوديين ينتقدونهم، آنذاك، عبدالقادر شحاته، وهو سلفي جهادي من إربد يشتهر باسم أبو محمد الطحاوي، وصف السلفيين الأصوليين بأنهم “مجرد مؤسسة من مؤسسات النظام مثل قطاع السياحة أو أي قطاع تقوم الحكومة بإنشائه”.
بعد فترة قصيرة، وتحديدًا في 15 مارس، حدث أول اشتباك مباشر بين السلفية الجهادية والحكومة الأردنية في مدينة الزرقاء، اتهم السلفيون الحكومة بأنها أرسلت “بلطجية” للاعتداء على التظاهرات السلمية، وذلك لإعطاء الأجهزة الأمنية ذريعة للتدخل المباشر، في اليوم التالي، قامت الحكومة الأردنية بإلقاء القبض على 3 عناصر رئيسة ناشطة في التيار السلفي، وهم الطحاوي وجراح الرحاحلة وأبو سياف.
أحد الدعاة الذين شاركوا بشكل ملحوظ في تلك التظاهرات كان الداعية السلفي أيمن البلوي، إمام مسجد سنجقية في عمان، البلوي اكتسب جزءًا من شهرته، بسبب أن أخاه همام البلوي قد نفذ عملية انتحارية، حيث قام فيها بتفجير قاعدة للاستخبارات الأمريكية في عام 2009 بأفغانستان، والتي أسفرت عن مقتل 7 ضباط تابعين لوكالة الاستخبارات الأمريكية، وعضو من العائلة المالكة الهاشمية، ألقت الحكومة القبض على أيمن البلوي بعد الاشتباكات، وتم إطلاق سراحه بعدها بفترة بسيطة، وتم القبض عليه مرة أخرى في أبريل 2013.
كان شهر سبتمبر شهرًا مزدحمًا بالأحداث بالنسبة للسلفيين، حتى هذه النقطة كان التيار السلفي لا يزال بدون أي هيكل رسمي، ولكنهم كانوا قد بدأوا في مناقشة إمكانية إنشاء مجلس شورى، وأعلن أبوسياف أن المجلس سيكون له مكتبان، المكتب الإعلامي ومكتب السلطة التنفيذية، وصرح بأن اهتمامهم الأول سيتركز على إقامة الشريعة الإسلامية وإطلاق سراح السجناء، وبعد أسبوعين قام أبوسياف بنفي أي نية للحركة بإنشاء حزبًا سياسيًا، وقال إن الأحزاب السياسية لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية، وفي الوقت نفسه، ترك المسائل المختلفة بين السلفية الجهادية وبين السلفية الأصولية غير واضحة ورفض المنهج التكفيري، وقال أيضًا إنه قد زار “المقدسي” بالسجن، حصل منه على مباركته لكل القرارت الجديدة.
ومن الملاحظات المثيرة للاهتمام أن سوريا لم يرد ذكرها تمامًا في أي بيان من بيانات مجلس الشورى السلفي في تلك الفترة، وحتى أواخر عام 2011 لم تهتم السلفية الأردنية إلا بشؤونها الداخلية الخاصة.
لم يتلقوا العفو الذي طالبوا به، على الرغم من إطلاق سراح بعض السجناء بشكل فردي، ولكن قضية السجناء لم تسقط أبدًا من مطالبهم، وأخذت الأحداث بسوريا الأولوية في وقت لاحق.
جبهة النصرة والاتجاه نحو سوريا
كان ظهور جبهة النصرة في عام 2012، هو بمثابة نقطة تحول في طريق السلفية الأردنية، بدأ الأفراد في الهجرة لسوريا للمشاركة بالجهاد، ولكن لم يكن هناك أي إعلان صريح بفتح باب الجهاد، ولم تقم السلفية الجهادية الأردنية بإصدار أي بيان يدعم الجهاد بسوريا، من المرجح أنهم لم يقوموا بإعلان ذلك تخوفًا من الاعتقالات، ومع ذلك، وعلى مدار عام 2012، كانت التقارير الصحفية تشير إلى وجود أردنيين يقاتلون بسوريا ويقضون نحبهم هناك، كانت الإستراتيجية ذات الشقين المتبعة في أن الجهاد الخارجي واجب، والسلمية في الأردن واجبة أيضًا، تشير إلى منهج المقدسي.
أعلن أبوسياف في أبريل 2012 أن السلفيين “لن يتخلوا أبدًا عن الجهاد ضد النظام السوري”، مع التأكيد أيضًا على الجهاد ضد الكيان الصهيوني، اعتقلت السلطات الأردنية بنفس الشهر قيادات سلفية من معان، عبدالله قباعة وثمانية آخرين وهم يحاولون عبور الحدود إلى سوريا، ومع التواجد الملحوظ لأبي سياف في معان، فإن الحكومة الأردنية لن تتساهل مع الخطاب الجهادي، وستلقي القبض على من يتصدرون المشهد السلفي الجهادي.
في أغسطس 2012 عرض التلفزيون السوري الرسمي برنامج يضم اعترافات لشباب سلفيين أردنيين، يدّعون أنهم قد تم إرسالهم لسوريا، المثير في الأمر أن البرنامج أشار أن أبوسياف هو من يرسل الجهاديين لسوريا، قام البرنامج المذاع على التلفزيون الرسمي السوري بوصف الجهاديين بالإرهابيين.
ومع مرور الوقت تطور الخطاب السلفي الجهادي بطريقة أكثر جرأة، ففي أوائل سبتمبر 2012 قام أبوسياف بالتباهي أمام حشد من 200 شخص بأن الهجمات في سوريا ستزداد، وأكد صراحة أن هناك أردنيون في طريقهم لسوريا للانضمام إلى جبهة النصرة.
في العلن تبنى قادة السلفيين موقفًا محددًا، وهو تأييد الحرب ضد الحكومة السورية، واصفين ذلك أحيانًا بأنه “جهاد”، وفي الوقت نفسه ينفون أي مشاركة فعلية فيما يحدث.
بحلول شهر أكتوبر، اعترف القادة بمقتل أكثر من 100 سلفي أردني بسوريا، وفي نوفمبر قام السلفي الجهادي الأردني عماد الناطور – إربد – بالقيام بتفجير انتحاري في درعا على الحدود الشمالية الأردنية مع سوريا، وعلق الشيخ أبو محمد الطحاوي على الحدث بقوله “لقد حصل الناطور على شرف الشهادة”، وقد تم التركيز على هذا التحول الفكري للطحاوي، وكما ذكرنا من قبل أن الطحاوي كان من المشاركين في احتجاجات الزرقاء في 15 أبريل 2011، وقام في ذلك المساء بالتحدث لقناة الجزيرة، ونفى بشدة أي نية للسلفيين للعنف، وأكد أن الصور التي تروج عنهم وهم يحملون أسلحة كلها صور مفبركة، ألقت الحكومة الأردنية القبض عليه في اليوم التالي، وتم إطلاق سراحه لاحقًا، ومع صعود جبهة النصرة، ركز الطحاوي في كل الخطب التي يلقيها على الجهاد بسوريا.
في 24 فبراير 2012، أُصدر فيديو للطحاوي وهو يقوم بإعطاء تعليمات لمن يريد الذهاب لسوريا، وضرب أمثلة لذلك بما يحدث في أفغانستان، وتحديد الجماعات التي يجب على الجهاديين تجنبها مثل المرتزقة والعلمانيين، بحسب وصفه، وفي نفس الشهر حضر جنازة جهادي أردني ينتمي لجبهة النصرة وقام بتصريح قال فيه “إلى أبطالنا في جبهة النصرة ستقومون بالسيطرة على الشام أولًا وبعدها سنغزو تل أبيب”، وعليه فقد قامت السلطات الأردنية باعتقاله في 17 يناير 2013.
بحلول سبتمبر 2012، اجتذب حجم المشاركة الجهادية الأردنية بسوريا انتباه وسائل الإعلام العربية، حيث قامت قناة الجزيرة بعمل لقاءات عديدة مع سلفيين أردنيين، وخلصت إلى أنه لا يوجد أعداد كبيرة من الأردنيين في سوريا، ولكنهم كانوا يشكلون خطرًا من ناحية أخرى، حيث إن معظمهم قد حارب من قبل في العراق أو في أفغانستان، بعبارة أخرى كانوا جميعهم “زرقاويين”، ونقل التقرير أن تصريح أبو سياف بأن الأردنيون في طريقهم إلى سوريا، جاء بعد أن قام كثير من الشيوخ بإصدار فتاوى بأن الجهاد بسوريا أصبح فرض عين على كل مسلم.
المصدر: معهد هدسون للدراسات السياسية / ترجمة: أردن الإخبارية