يطلب الجنرال السيسي خلال مؤتمر القمة العربية الأخير الذي عقد في مدينة شرم الشيخ المصرية قراءة خطاب مبعوث من قِبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو الأمر الذي لم يسكت عنه وزير الخارجية السعودية السابق سعود الفيصل الذي طلب الكلمة، وانتقد مبدأ قراءة خطاب من الروس بسبب موقفهم من القضية السورية، وهو ما شكل حرجًا كبيرًا للجنرال.
منذ تاريخ هذا الموقف وبدأت إرهاصات توترات بين القاهرة والرياض، ولكن الطرفان حافظا على أن تكون توترات مكتومة، مؤكدين أن الشراكة بينهما لم تتأثر رغم أن مواقف النظام المصري والنظام السعودي إزاء القضايا لم يبد متطابقًا كما يروج الطرفان.
فمؤتمر الجامعة العربية لم يشهد خلافًا واحدًا فقط ظاهرًا للعيان كأمر خطاب بوتن، بل إن خلافًا آخر طفا على السطح بسبب رفض مصر حضور أيًا من ممثلي المعارضة السورية، على عكس رغبة الرياض التي كانت تريد حضورًا للمعارضة في هذه القمة، وهو ما يشير في ذلك التوقيت إلى أن القضية السورية أولى نقاط الشقاق بين الحليفين.
خروج الأمر للعلن
التوترات لم تعد تخفى على أحد وذلك بعد أن سُب الملك سلمان في قلب القاهرة أثناء تظاهرات غير مرخصة أمام أعين الأمن المصري دون أن يحرك ساكنًا كعادته، هذا بالتزامن مع هجمة إعلامية مصرية تنتقد مواقف السعودية الخارجية، خاصة مع الأنباء المتواردة عن التقارب السعودي التركي، مما أثار حفيظة السعودية التي عبرت عن استيائها من تلك الحملة على لسان سفيرها في القاهرة الذي وجه حديثه للرئاسة المصرية رأسًا لتتخذ الموقف اللازم.
جريدة الشروق المصرية وهي جريدة معروف عنها علاقتها بأجهزة سيادية في النظام المصري تنشر خبرًا نقلاً عن مصادر رسمية مصرية – لم تسمها – مفاده أن القاهرة أبلغت السعودية رسميًا قلقها من التعامل السعودي مع أجنحة الإخوان المسلمين في بعض الدول العربية كاليمن وسوريا، ومحاولة السعودية إشراكهم في حلول الأزمات هناك، كذلك نقلت الجريدة عن هذه المصادر أن القاهرة حذرت السعودية من مغبة هذا المسلك.
لجأت القاهرة إلى حليفتها الأخرى الأقرب الإمارات المتفقة معها تقريبًا في وجهة النظر هذه لمحاولة الضغط على السعودية للتراجع عن هذه السياسة وذلك من خلال مجلس التعاون الخليجي، كما تؤكد القاهرة أن الفصائل اليمينة المعارضة أبلغتها عدم ارتياحها لمبالغة السعودية في الاتصال بالإخوان المسلمين بشأن القضية اليمينة، وهو ما قد يفسر التقاعس المصري عن دعم السعودية في اليمن كما ينبغي، مع استبعاد احتمالية إصغاء الرياض لهواجس النظام المصري، وذلك بحسب من نشرته الجريدة.
فبحسب هذا الخبر الذي يؤكد أن ملف الإخوان المسلمين بالنسبة للقاهرة مغلق تمامًا، يشير أيضًا أنه يشكل حساسية الآن بين البلدين، بعدما كانت السعودية الداعم الأول للانقلاب العسكري في مصر اقتصاديًا وسياسيًا، عقب الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي.
مرونة السعودية في سياستها الخارجية عقب تولي الملك سلمان الحكم هي أحد الأسباب الرئيسة خلف غضب القاهرة التي ترى أن المملكة تخطو خطوات سريعة باتجاه الدوحة وأنقرة، وهي تعرف جيدًا أن قطر وتركيا داعمين إقليميين لجماعة الإخوان المسلمين.
طمأنات كاذبة من الطرفين
هذا الجو من التوترات أجبر السيسي على إجراء زيارة خاطفة في السابق إلى المملكة مدتها 77 دقيقة فقط، وهي الزيارة الثالثة للجنرال في أقل من مائة يوم، توقع البعض أن هذه الزيارة تحمل اعتذارًا رسميًا عن الحملة الإعلامية التي أغضبت الرياض، وتوقع البعض الآخر أنها لمحاولة جس نبض القيادة السعودية الجديدة خاصة وأنها أتت بعد تغييرات في القصر الملكي أطاحت بقدامى القيادات السعودية التي كانت تعمل بالملف المصري.
هذه المرة مع صعود نبرة الخلاف بين مصر والسعودية خاصة في قضايا سوريا واليمن، هرعت مصر إلى التأكيد على تطابق مواقف البلدين بشأن أزمات المنطقة، بالرغم من تكذيب الواقع لهذا الأمر تمامًا، وذلك من خلال لقاء جمع بين وزير خارجية مصر سامح شكري ووزير خارجية السعودية الجديد عادل الجبير، حيث أكد شكري خلال اللقاء على تطابق وجهات نظر مصر مع السعودية فيما يتعلق بأزمتي سوريا واليمن.
طمأنت مصر السعودية حيال الأنباء التي تحدثت عن عزم القاهرة إصدار مبادرة بالاشتراك مع روسيا حيال الأزمة في سوريا وأنها ستكون بعيدة عن وجهة النظر السعودية، حيث نفى شكري هذا الأمر تمامًا، وبرر التواصل مع روسيا بأنه ضرورة لما لها من نفوذ، في الوقت نفسه أكد الجبير بحديث دبلوماسي أن السعودية ومصر متفقتان على إزاحة بشار الأسد من الحكم كتصور مبدئي للملف السوري، وبالطبع هو توريط لمصر التي تتصرف على الأرض بخلاف هذا الأمر، والسعودية تعلم ذلك جيدًا من خلال الموقف المصري الأخير في مؤتمر القمة العربية الذي رفض الاعتراف بالمعارضة السورية.
هذه التصريحات المصرية السعودية تريد أن تنقل لوسائل الإعلام أن الأمر على ما يرام، ولكنها لا تعبر عن الموقف الحقيقي الذي آلت إليه الأمور في الفترة الأخيرة بين الطرفين، وما يؤكده إعلاميون مصريون وكذلك سعوديون، حيث يُشار أن الغرف المغلقة يدور فيها غير ما أعلن، وهو ما سبب أزمة بين النظامين.
مواطن الخلاف الحقيقية
حقيقة الخلاف المصري السعودي ليس في القضية السورية واليمنية فحسب، وإنما يطال رقعة ليبيا أيضًا، ففي سوريا مصر ترى أن سقوط بشار سيأتي بالإسلاميين على رأس السلطة لاسيما المرتبطين بجماعة الإخوان، وكذلك في اليمن ترى أنه إذا ما نجحت السعودية في الإطاحة بالحوثيين فإنه سيكون بمساعدة الإخوان في اليمن ولن تستطيع حينئذ السعودية التخلي عنهم بعد ذلك، وهو ما تراه القاهرة سينعكس بالسلب على موقف السعودية من الإخوان في مصر، وسيقلل حدة العداء بين السعودية والجماعة، وهو ما لا يريده نظام السيسي بأي حال من الأحوال، وسيسعى بكل السبل لإفشاله.
أما في ليبيا ترى مصر وجوب توجيه ضربات عسكرية عربية للإسلاميين في ليبيا على غرار عاصفة الحزم، ولكن السعودية ترفض بشدة هذا التوجه؛ ما جعل مصر توقن جيدًا أن السعودية لم تعد ترى أن الإخوان هي العدو الأول الذي يجب محاربته، كما أيقن النظام المصري أن القيادة السعودية الجديدة أجرت تعديلات على أجندتها الإقليمية جعلت الأولوية لمواجهة الخطر الإيراني وأجلت مواجهة الإخوان المسلمين.
الملف السوري واليمني له تبعات خلاف بين القاهرة والرياض منها تواصل القاهرة المفرط مع روسيا وهو ما يستتبع وجود علاقات مع طهران بعد ذلك، والرياض ترقب هذا الأمر بنوع من الحذر، وترى أن انفتاح القاهرة الزائد على موسكو لن يأتي بالخير في علاقة البلدين على المدى البعيد، على عكس النظام المصري الذي يريد تكأة دولية أيًا كان مصدرها، بسبب الموقف الأمريكي من مصر المتأثر بضغط المجتمع الدولي، فقد لجأت القاهرة لحليف لا يعتد بمثل هذه الأمور وبالطبع وجدت الخيار الأمثل في روسيا.
وفي ملف غزة ترى مصر أن هناك محاولات للتفاهم بين الرياض وحماس، هذا التفاهم لن ينتج تحالف بالطبع، ولكنه بصورة دراماتيكية قد يضغط على مصر من أجل تخفيف الضغط عن غزة؛ فالسعودية تحاول إطفاء الحرائق مع حماس وجذبها في صفها في سوريا وكذلك اتخاذها وسلية اتصال بإخوان اليمن، فالمصالح المشتركة الآن بين حماس والسعودية ستجبر النظام في مصر على الإصغاء لشروط السعودية بشأن غزة، وهو ما سيكون ثقيل النفس على السيسي، وعكس ما ينتهجه الآن مع القطاع المحاصر، فالنظام المصري يرى صراحة أن هذا التفاهم خطرًا على سياسته مع قطاع غزة.
سعي القيادة في البلدين إلى نفي وجود أي توترات لا يمثل الحقيقة المطلقة كما يتوهم البعض، فالقاهرة لا تستطيع أن تتخلى عن الدعم الاقتصادي الخليجي لعدة أشهر، لذلك يجب السير بسياسة المواءمات مع السعودية، كذلك السعودية لا تستطيع أن تُسقط القاهرة من حساباتها نهائيًا، وهي في أمس الحاجة لحليف عسكري قوي في ظل احتمالية خوضها عدة معارك حقيقية في اليمن بعد أن دخلت في طريق اللاعودة، فيما تتلخص وجهة النظر السعودية حيال مصر في أن ما لا تسعه السياسة يسعه المال، وتعديل الموقف المصري من القضية اليمنية أو السورية يستلزم بعض الزيادة في الدعم المقدم فقط لا غير.