ترجمة وتحرير نون بوست
في هجوم خاطف استمر لمدة ثلاث ساعات، انطلق مساء يوم الخميس 28 مايو، بقيادة تحالف من مقاتلي المعارضة السورية، تم الاستيلاء بنجاح على البلدة الكبرى الرئيسة الأخيرة المتبقية بيد النظام السوري في محافظة إدلب، ومن خلال السيطرة على أريحا، استطاع تحالف جيش الفتح الإسلامي مع حلفائه من بعض فصائل الجيش السوري الحر، فرض هزيمة شبه تامة على نظام بشار الأسد في نطاق محافظة إستراتيجية كاملة.
مع خروج إدلب بكاملها من نطاق سيطرة النظام – باستثناء مطار أبو الضهور العسكري المعزول وعدة جيوب أخرى في قرى إدلب الصغيرة -، فإن اهتمام المعارضة يمكن أن يتجه الآن جنوبًا نحو محافظة حماة، التي تقع إلى غرب معقل النظام في محافظة اللاذقية، أو إلى الشرق نحو حلب، أكبر محافظة في سورية.
الوضع الحالي يضع أجزاء من شمال محافظة اللاذقية في خطر داهم، وكما قال لي أحد القادة الإسلاميين البارزين في إدلب “عليكم توقع الكثير من المفاجآت” في الأسابيع المقبلة، كما يشير أحد قادة الثوار إلى أنهم بصدد تشكيل غرفة عمليات تجمع مجموعة كبيرة من الفصائل في حلب وسط تصاعد القتال جنوبي المدينة، وتابع قائلًا “ثقتنا الآن أكبر من أي وقت مضى، وعاجلًا أم آجلًا، سيواجه النظام نتائج هذه الثقة، فإدلب ليست سوى المرحلة الأولى من خطة أكثر شمولية”، ولكن مع ذلك، فإن الهجوم الذي تشنه الدولة الإسلامية (داعش) حاليًا في شمالي حلب، قد يشكل عامل إلهاء خطير، عن تنفيذ المراحل التالية من الخطة الأكثر شمولية.
تركزت غالبية التغطية الإعلامية التي تناولت تقدم جيش الفتح في جميع أنحاء إدلب، على دور جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في معارك إدلب، حيث تبين، باعتراف الجميع، أن جبهة النصرة وحليفها الوثيق جند الأقصى، لعبا بالفعل دورًا رئيسًا في عمليات المواجهة في أريحا وفي المعارك السابقة في مدينة إدلب، جسر الشغور، المسطومة، والعديد من جبهات إدلب الأخرى، فضلًا عن أن العديد من المقابلات مع القادة المشاركين في عمليات جيش الفتح، أظهرت في الواقع أن جيش الفتح قدم أكبر عدد من الرجال في المعارك، واتخذ معظم القرارات داخل غرف العمليات، كما أن فصيلي فيلق الشام وأحرار الشام، المرتبطان بشكل وثيق على مستوى القيادة والقاعدة، كان لهما دور مركزي أيضًا في عمليات إدلب، وعلاوة على ذلك، فإن أيًا من الانتصارات الكبرى التي تحققت في إدلب منذ أوائل أبريل، لم تكن ممكنة لولا الدعم الأمريكي والغربي الخلفي الحاسم لوحدات الجيش السوري الحر، بقذائف المدفعية المتطورة، وقذائف الهاون، وصورايخ تاو أمريكية الصنع المضادة للمدرعات.
إذن، الواقع على الأرض أكثر تعقيدًا مما تظهره مقاطع الفيديو على اليوتيوب، وأكثر تداخلًا مما توحي به عناوين وسائل الإعلام، وكما ذكرت في مقالة لي في أوائل مايو، إن عمق التنسيق بين فصائل الجيش السوري الحر المدعومة من الغرب، والإسلاميين، وجبهة النصرة، والجهاديين الآخرين، ازداد بشكل ملحوظ في إدلب منذ أبريل الماضي، وهذا التعاون جاء تلبية للحاجة الطبيعية للتعاون على الأرض، ولكنه بذات الوقت، تحقق تنفيذًا للأوامر السرية الصادرة عن غرفة العمليات بقيادة أمريكية – سعودية الواقعة في جنوب تركيا، وبعد أن أجريتُ عدة أحاديث مع الكثير من كبار القادة من مختلف أطياف المعارضة السورية في الأسابيع الأخيرة، توضح لي أن هذا التعاون قائم جزئيًا على الرغبة في ضمان أن انتصارات إدلب لن تتحول إلى مكاسب إستراتيجية لتنظيم القاعدة، خاصة، بعد أن أصبح من الواضح بشكل صارخ أن إدلب، على وجه الخصوص، أصبحت أكبر معقل لقوة جبهة النصرة منذ صيف عام 2014.
التحول نحو التشدد
بناء على ما تقدم، يصبح السؤال المطروح، ماذا تمثل جبهة النصرة في واقع اليوم؟
من الواضح أن المجموعة تطورت بشكل كبير طيلة فترة وجودها في سورية، ومن المعروف أن البراجماتية التي تعمل بها الجبهة، ساعدتها على الاندماج بشكل بارع مع أطياف المعارضة السورية ككل منذ أواخر عام 2012، كما أن دورها البارز في القتال ضد الدولة الإسلامية (داعش) منذ أوائل عام 2014، أسبغ عليها صفة غريبة تتمثل بأنها مجموعة تحارب ضد التطرف، بالنسبة للكثير من السوريين.
ومع ذلك، في الوقت الذي تواصل فيه جبهة النصرة الظهور أمام العالم الخارجي باعتبارها قوة فاعلة وموحدة وصلدة في الداخل السوري، يظهر على المستوى الداخلي ومنذ منتصف عام 2014 أنها تعاني من صراعات داخلية دائمة في سعيها لتحديد هويتها، والحافز خلف هذا الصراع جاء من مزيج من عدة عوامل، كالمكاسب الكبيرة التي حققها داعش في العراق، والإعلان عن الخلافة الإسلامية من قِبل أبو بكر البغدادي، والهزيمة الشاملة لقوات النصرة في المناطق الغنية بالنفط في محافظة دير الزور السورية الواقعة شرق البلاد، وجميع هذه الأحداث وقعت في صيف عام 2014، وأدت بتكاتفها إلى تكوين تحدي وجودي يقف بوجه جبهة النصرة، وبوجه قيادة التنظيم المركزية في باكستان.
النتيجة المباشرة لهذه العوامل، كان التغيير في القيادة الداخلية لجبهة النصرة، حيث تم عزل نائب قائد الجبهة ميسر علي موسى عبد الله الجبوري -المعروف باسم أبو ماريا القحطاني -، وحل محله رجل الدين الأردني الدكتور سامي العريدي، والقصة تبدأ عندما انضم أبو ماريا، وهو مواطن عراقي من الموصل، إلى تنظيم القاعدة في العراق في عام 2004، وأصبح عضوًا مؤسسًا في جبهة النصرة، جنبًا إلى جنب مع زعيمها أبو محمد الجولاني في سورية، في أغسطس وسبتمبر من عام 2011، وخبرة أبي ماريا في سورية، زودت النصرة بمواقف براجماتية، لم يكن من المتصور أن تصدر عن قائد نموذجي مخضرم في تنظيم القاعدة في العراق؛ فمثلًا شهدت قيادته لجبهة النصرة في دير الزور تعاونًا لرجاله مع مجموعات من جميع الأطياف، بما في ذلك الميليشيات القبلية المنخرطة في عمليات تهريب السجائر، وهكذا، جاء فقدان دير الزور بمثابة هزيمة شخصية لأبي ماريا، حيث تم استبداله بالعريدي المعروف بتشدده.
تزامن وصول سامي العريدي إلى مكانته البارزة في جبهة النصرة، مع دخول شخصيات سورية تابعة لتنظيم القاعدة إلى دائرة الضوء، مثل أبو فراس السوري، الناطق الرسمي باسم جبهة النصرة، وأبو همام السوري القائد العسكري للجبهة، حيث كان كل من أبي فراس وأبي همام يحتفظان بروابط قوية مع القيادة المركزية لتنظيم القاعدة في باكستان، وهي الروابط ذاتها التي يتمتع بها العدد المتزايد من المحاربين القدامى لتنظيم القاعدة، الذين وصلوا إلى شمال سورية من أفغانستان، باكستان، إيران، اليمن، والمملكة العربية السعودية، منذ أواخر صيف عام 2013، وهذا التشكيل الأخير هو ما وصفته حكومة الولايات المتحدة بـ “جماعة خراسان” في سبتمبر 2014.
بعد تولي العريدي المتشدد دفة القيادة من خلال كونه نائب القائد العام لجبهة النصرة، أصبحت سمات تنظيم القاعدة تبدو أشد وضوحًا على الجبهة، وسعت النصرة حينئذ لاستغلال موقعها المتميز في الداخل السوري لتوسيع نطاق سيطرتها، كما عمدت للخروج من موقفها البراجماتي لتصبح منظمة أكثر ميلًا للتحدي الجهادي، “ذاك الوقت كان خطيرًا، فالناس كانوا يخافون من جواسيس داعش، وبدأ البعض الآخر يتخوف من الضربات الأمريكية”، قال أحد السلفيين في مدينة حلب، وتابع قائلًا “بدأ قادة النصرة بالتحدث بلهجة أشد حزمًا، وخاصة في الشمال، ولكن كان من الأفضل أن تكون إلى صفهم، من أن تكون عدوهم”.
هذا التحول بدا أشد وضوحًا في إدلب، حيث كان يستقر الكثير من قادة جبهة النصر وكبار شخصيات جماعة خراسان، وخلال شهري سبتمبر وأكتوبر من عام 2014، وعندما قام التحالف باستهداف جماعة خراسان بضربات جوية مستمرة ومتقطعة، وكرد على هذه الهجمات، قادت جبهة النصرة حملة عسكرية استطاعت من خلالها القضاء بشكل كامل على جبهة ثوار سورية بقيادة جمال معروف، وهي جبهة شهيرة مدعومة من الولايات المتحدة والسعودية، حيث وجهت النصرة اتهامات لجبهة ثوار سورية بالفساد، واستمرت سياسة مكافحة الفساد الخاصة بالنصرة، بقيادة حملاتها التي أصبحت تستهدف جماعات تقع خارج إدلب، في مناطق حمص وحماه وحلب، وجنوبًا في دمشق ودرعا.
وفي الوقت، وتحديدًا في إدلب، بدأت جبهة النصرة بفرض إجراءات شرعية قاسية من جانب واحد، بما في ذلك رجم الرجال والنساء حتى الموت، وتقييد لباس المرأة، وتقييد حرية الحركة العامة، وفرض إغلاق المحلات التجارية أثناء أوقات الصلاة، وعلى مستوى غير رسمي، تم اتهام فصيل متشدد من جبهة النصرة، عن الحادث المثير للجدل المتمثل بمقتل القيادة العليا لتنظيم أحرار الشام في ريف إدلب في 9 سبتمبر 2014، فيما بدا على أنه محاولة لتقويض الاعتدال السياسي العام لأحرار الشام، ولكن بجميع الأحوال، الموقف الرسمي لأحرار الشام لم يحدد الطرف الذي ارتكب الجريمة بعد.
استمر هذا الوجه “الحقيقي” لجبهة النصرة بالظهور حتى أوائل عام 2015، عندما قامت بهزيمة وتدمير جماعة أخرى مدعومة من الغرب، وهي حركة حزم، “في هذه الواقعة رأينا ما تمثله النصرة حقًا” قال ناشط من الجيش السوري الحر منحدر من إدلب، وأضاف “إنهم يسعون فقط لتحقيق أهدافهم الخاصة، بغض النظر عن تكلفة هذه الأهداف على الثورة”.
ولكن ليس الجميع يرى ما فعلته النصرة من ذات المنظار، وخاصة فيما يتعلق بقتالها لجبهة ثوار سورية وحركة حزم، حيث أفادني أحد قادة الجيش السوري الحر بأن جمال معروف كان مجرمًا، وجماعته لم تكن تحظى بأي شعبية، في حين قال لي قائد آخر في فبراير 2015 “إن تدمير حركة حزم كان فعلًا منتظرًا، كونها لم تقدم شيء سوى المتاعب في حلب”.
العودة إلى الاعتدال
في أوائل عام 2015، كانت النصرة مرتاحة لوضعها في الداخل السوري، وذلك بعد هزيمة الفصيلين المدعومين من الغرب، اللذان كانا يشكلان خطرًا يهدد سلطتها في شمال سورية، وبعد ترسيخ مركز قوتها في إدلب، بيد أن سلوكها العدواني الذي أظهرته بجرأة منذ سبتمبر 2014، أدى إلى تنامي القلق داخل صفوف المعارضة السورية حول الطبيعة الحقيقية لجبهة النصرة، ونواياها على المدى الطويل في الداخل السوري، حيث أعرب لي كبار قادة الجماعات الإسلامية المتشددة، مثل قادة فصيل أحرار الشام، مرارًا وتكرارًا، وفي مناسبات منفصلة، عن قلقهم من أن جبهة النصرة كانت تسير في الطريق الخطأ، وبعبارة أخرى، تجازوت النصرة في تصرفاتها التي تُعبّر عن فكر تنظيم القاعدة المتطرف، الحدود المقبولة داخل الثورة السورية.
هذه المخاوف شقت طريقها إلى مسامع جبهة النصرة والقيادة العامة لتنظيم القاعدة، حيث أكد لي مصدران سلفيان، أنه في أعقاب انتشار المخاوف، تم إرسال أمر سري من زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في أوائل عام 2015، أوجز من خلاله الخطوط العريضة لإستراتيجية جديدة وشاملة لجبهة النصرة في سورية، ووفقًا لإسلاميين سوريين يتمتعان بصلات وثيقة مع جبهة النصرة، توجه الظواهري إلى الجولاني بدعوة لتحسين اندماج النصرة ضمن الثورة السورية والشعب السوري، والتنسيق بشكل وثيق مع كافة الجماعات الإسلامية على الأرض، والمساهمة في تأسيس نظام المحاكم القضائية الشرعية على مستوى سورية، واستخدام المناطق الإستراتيجية السورية لبناء قاعدة قوة مستدامة لتنظيم القاعدة، والكف عن أي نشاط مرتبط بمهاجمة الغرب، وأكد لي المصدران أن الجولاني قام بتوزيع تعليمات الظواهري لاحقًا عبر هيكل قيادة جبهة النصرة، وفي 27 مايو، كشف الجولاني علنًا عن التعليمات الأخيرة، خلال مقابلة مطولة له مع قناة الجزيرة القطرية.
إن التحول إلى هذا الموقف البراجماتي بشكل سريع بعد فترة من التأكيد العلني على السلوك التقليدي لتنظيم القاعدة، فتح الباب ومهد الطريق أمام تقسيم محتمل داخل صفوف جبهة النصرة، حيث قال لي أحد الإسلاميين المهمين “يوجد الآن تياران رئيسان داخل الجبهة، المحافظون الحريصون على الحفاظ على العلاقات الوثيقة مع تنظيم القاعدة، والمجددون الأكثر ميلًا نحو اتباع النهج الجديد الذي يركز على سورية”، وكما كشف مارتن تشولوف في مقالة له بصحيفة الجارديان في 28 مايو، فإن بعضًا من أعضاء جماعة خراسان في سورية، انصاعوا لأوامر الظواهري والجولاني، ودمجوا نشاطهم مع هجوم جبهة النصرة في إدلب منذ منتصف مارس 2015، أما البعض الآخر فقد عزلوا أنفسهم، واستمروا بالتركيز على التحضير للمؤامرات الخارجية التي تستهدف الغرب، ويُعتقد أن هؤلاء الأفراد هم الذين ركزت عليهم الولايات المتحدة بضرباتها الجوية الأخيرة، التي استهدفت ضربتين منهما أهداف لها صلة بتنظيم القاعدة في إدلب في 20 مايو الماضي، وإحدى تلك الضربات أسفرت عن مقتل الجهادي الجزائري المحدد كإرهابي من قِبل الولايات المتحدة، سعيد عارف، الذي انضم في البداية إلى جبهة النصرة، ولكنه أصبح بعد ذلك قائدًا عسكريًا في جماعة جند الأقصى؛ مما يكشف عن العلاقة الوثيقة والمتداخلة ما بين جبهة النصرة وجند الأقصى في شمال سورية.
عودة جبهة النصرة نحو الاعتدال، سرعان ما اكتسب دعم بعض الشخصيات مثل أبو ماريا، الذي كان يدعو إلى اتباع نهج أكثر تركيزًا على الداخل السوري من الناحية الإستراتيجية، “أبو ماريا يعتبر من أعضاء المعارضة الداخلية لجبهة النصرة، إلا أنه في الواقع معزول إلى حد ما” ادعى أحد كبار السلفيين، كما تم تداول أقاويل عن أن قادة آخرين من أهم قادة النصرة دعموا تحول الجولاني الأخير، مثل الأسترالي أبو سليمان المهاجر، وضمن هذه البيئة المتغيرة لجبهة النصرة، تم الزعم أن قطر حاولت في أوائل عام 2015 أن تفرض على الجولاني فك ارتباطه مع جماعة تنظيم القاعدة، للسماح للجهات الخارجية بتوفير الدعم لمجموعته.
ولكن مع ذلك، فإن العودة للاعتدال، كانت خطوة مثيرة للانقسام، ومحفزة لسخط العناصر المحافظة في جبهة النصرة، ويصف مسؤول إسلامي من دمشق المعضلة داخل النصرة بشكل واضح بقوله “فك ارتباط جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة سيكون أمرًا جيدًا للثورة السورية، ولكن النصرة ستكون دائمًا في حاجة ماسة لاسم تنظيم القاعدة، للحفاظ على مقاتليها من الأجانب بعيدا عن الانضمام لداعش، فمعظم المقاتلين الأجانب في النصرة، لن يقبلوا أبدًا القتال والموت في سبيل ما يشبه المشروع الوطني الإسلامي”.
وفي سياق متصل، أضاف أحد الإسلاميين من حلب “لم يحدث شيء سيء نتيجة للخلافات الداخلية ضمن جبهة النصرة حتى الآن، لأن خطوات جبهة النصرة الجديدة ثبت أنها إيجابية، حيث يكفي أن تلقي نظرة على ما تم إنجازه في إدلب منذ اتخاذ القرار، لتدرك مدى إيجابيته”.
في حال استمرت جهود جبهة النصرة الساعية نحو الاعتدال والتكامل مع أطياف المعارضة الأوسع، في تحقيق الانتصارات على أرض المعركة، فمن المرجح أن يؤدي هذا إلى تخفيض ردود الأفعال الداخلية ضمن النصرة إلى حدها الأدنى، ولكن في حال تباطؤ التقدم الذي سيتم إحرازه وفقًا للنهج الجديد، فمن المرجح أن تبدأ التصدعات الداخلية، التي لا يتم الحديث عنها إلا خلف الأبواب الموصدة، بالظهور بشكل أكثر علانية، وكما يقول أحد المصادر السلفية “إنني أعرف ما يدور داخل جبهة النصرة، فالجولاني كان يحاول الخروج بنوعية خطاب جديدة في مقابلته مع قناة الجزيرة، لكنه لم يحقق هذا التجديد على أكمل وجه، فهو يسعى لأن يكون تقدميًا، لكنه لا يزال ممزقًا ما بين عالمين”.
في الوقت الراهن، وبغض النظر عن عودتها إلى الاعتدال أو تشددها، يجب أن يُنظر إلى جبهة النصرة على أنها عضو صريح من أعضاء تنظيم القاعدة، والأخيرة هي منظمة هدفها الصريح يتمثل بمهاجمة وتدمير العالم الغربي، وقد تكون مقابلة الجولاني الأخيرة كشفت لبعض الأشخاص عن مواقف أكثر اعتدالًا بشأن قضايا مثل الأقليات، وقوانين الشريعة الإسلامية القاسية، والأعمال العدائية ضد الغرب، ولكن جميع هذه المواقف التي تم إبداؤها، مقصورة على الظروف السائدة اليوم، والمتمثلة بالحرب الدائرة في سورية، وفي حال سقوط نظام الأسد أو تنحيته عن طريق تحول سياسي تفاوضي، فسوف يتم الكشف حينها بالتأكيد عن اللون الحقيقي لتنظيم القاعدة في سورية.
هذا السبب يكفي لوحده وبانفراده، لكي ينظر المجتمع الدولي لإعادة التمحور الأخيرة التي تنتهجها جبهة النصرة، على أنها خطة ماكرة في إطار الخطة طويلة الأجل التي تخفيها القاعدة لسورية؛ فسوريا دولة قريبة من أوروبا، وعدونا منذ 20 عامًا، تنظيم القاعدة، يزاود على رهاناتنا فيها، ويقتنص ولاء العديد من الأشخاص الذين قد يصبحوا من أصدقائنا لولا وجوده.
المصدر: هافينغتون بوست