يبلغ عدد اللاجئين السورين في تركيا حسب الإحصاءات الحكومية حوالي 2 مليون لاجئ، وتأتي تركيا في المرتبة الأولى عالميًا من حيث عدد السوريين اللاجئين إلى أراضيها، ورغم أن حكومة العدالة والتنمية تصر على أن القوانين الدولية ومبادئ الإنسانية والأخوة الدينية تفرض على تركيا حكومة وشعب استضافة السوريين وتقديم جميع الخدمات الضرورية لهم، إلا أن بعض أحزاب المعارضة عبرت عن استيائها من عدد السوريين الضخم الذي أثر سلبًا – حسب وجهة نظرهم – على الاقتصاد التركي وعلى ارتفاع الأسعار، جنبًا إلى جنب مع الاختلافات الثقافية والسلوكية التي جعلت هذه الأحزاب ترفق قضية السوريين ضمن حملاتها الدعائية وبرامجها الانتخابية.
ويخشى عدد من الأتراك المعارضين أن تكون خطة حزب العدالة والتنمية هي توطين السوريين وإعطائهم الجنسية التركية، والذي قد يؤدي – حسب وجهة نظرهم – إلى تغيير في الخارطة الديمغرافية والسياسية في البلاد لأن غالبية السوريين المتواجدين في تركيا منحازين لحزب العدالة والتنمية الحاكم.
وقد أثيرت في الفترة الماضية تساؤلات حول ما إذا كان السوريون في تركيا يحق لهم الاقتراع أم لا، وقد وجِهت هذه التساؤلات لوزير الداخلية السابق معمر غولر من قِبل برلماني محسوب على حزب الشعب الجمهوري وآخر محسوب على حزب الحركة القومية؛ مما استدعى الرجل لعقد مؤتمر وضح من خلاله أنه لا يحق للسوريين المتواجدين في تركيا ولا لغيرهم من الأجانب الإدلاء بأصواتهم في أي انتخابات داخلية تركية.
حزب العدالة والتنمية
لجأ حزب العدالة والتنمية إلى كثير من الإجراءات القانونية والخدمية لتحسين وضع السوريين المتواجدين في تركيا، ويظهر أن حزب العدالة والتنمية إن فاز سيستمر في هذا الاتجاه، وإن كان سيسعى لمحاولة ضبط الأوضاع بشكل أكبر خصوصًا في المنطقة الحدودية، ومن الواضح أن الحزب بدأ يدرك أن استضافة أكثر من مليوني سوري قد خلقت بعض الإرباك في الشارع التركي ولذلك فإن الحزب يسعى إلى محاولة استيعاب السوريين من خلال برامج متعددة من أجل جسر الفجوة الحاصلة حاليًا، بالإضافة إلى تحسين ظروف حياة السوريين خصوصًا على مستوى العمل، ولكن إن صعد حزب العدالة والتنمية بحكومة ضعيفة أو ائتلافية فإن هذا قد يؤثر على طبيعة علاقة تركيا مع الملف السوري عمومًا.
حزب الشعوب الديمقراطي
على الرغم من المعارك التي خاضها الأكراد ضد داعش في كوباني وتأخر سماح الحكومة التركية للبشمركة في دخول المدينة وعلاقة الأكراد مع النظام السوري المعروفة، إلا أن حزب الشعوب الديمقراطي وعن طريق رئيسه صلاح الدين ديمرطاش صرح بأن السوريين مرحب بهم في تركيا فهي بيت لهم وأنهم يستطيعون البقاء أو العودة متى أرادوا ولا مانع حتى من أن يحصلوا على الجنسية التركية.
ويعود هذا الموقف من الحزب لأسباب عديدة: أولاً ائتلافيته التي تضم تيارات وأعراق مختلفة من بينهم العرب وهو يحاول تدعيم نظرته التعددية وتأكيده على موقفه المستمد من اسمه، ثانيًا أن كثير من أكراد سوريا متواجدون حاليًا في تركيا وهو لا يريد لهم العودة إلى سوريا في ظل سيطرة داعش على عدد من مناطق الأكراد، ثالثًا اهتمامه بحقوق الإنسان والحريات العامة ومن بينها حق اللجوء المنصوص عليه في الاتفاقيات الدولية.
حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية
يتجه حزبا المعارضة الأكبر اتجاهًا متشددًا ضد اللاجئين السوريين؛ حيث يعتبر الحزبان تواجد السوريين في تركيا قد كلف الدولة التركية والمجتمع تكاليف باهظة، فمن جانب يعتقد الحزبان بأن تدفق السوريين سبب مشاكل اقتصادية مثل غلاء أسعار العقارات وخصوصًا الإيجارات وزيادة معدل البطالة بسبب مزاحمة السوريين للأتراك في الوظائف، وكذلك فإن تواجد السوريين، حسب وجهة نظر أحزاب المعارضة التقليدية، قد سبب مشاكل أمنية من عمليات سرقات وتهريب آثار ومخدرات، بالإضافة إلى مشاكل التسول وأخلاقيات بعض السوريين التي تزعج المجتمع التركي.
ظهر في الانتخابات البلدية التي جرت في العام الماضي خطابًا مضادًا للسورين؛ فقد قام مرشح الحركة القومية عن مدينة أردو التركية بالتصريح بأنه لن يسمح للسورين بالتواجد في أوردو إن استطاع الفوز في الانتخابات، ويتجه بعض المرشحين من حزب الحركة القومية وحزب الشعب الجمهوري في هذه الانتخابات إلى رفع شعارات مشابهة؛ حيث صرح مرشحي الحزبين في مدينة غازي عنتاب أنهما سيحاولان إخراج السوريين من المدينة التي يبلغ عدد السوريين فيها حوالي نصف مليون.
وقد صرح كمال قليشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري بأنه سيسعى إلى إعادة السورين إلى بلادهم إذا ما انتصر حزبه في الانتخابات التركية، وأضاف بأنه سيسعى إلى حل المشكلة السورية من خلال تحسين علاقة تركيا بدول المنطقة، وقد يعتبر تصريح كمال قليشدار أوغلو نوعًا من الشحن السياسي لمحاولة جذب شرائح مجتمعية من أجل زيادة عدد أصوات حزبه، إلا أنه من المؤكد بأن سياسة تركيا من الملف السوري ومن السورين ستشهد انتكاسة وتغير كبير إذا ما استطاعت المعارضة التركية الحصول على عدد كبير من المقاعد في البرلمان القادم.
هذا وقد أعلن الحزب الجمهوري في برنامجه الاقتصادي للانتخابات البرلمانية بأنه سيسعى إلى فرض ضريبة العمل على السوريين التي أعفت الحكومة التركية السوريين من دفعها، حيث صرح الحزب أنه ليس من العدل أن يدفع الأتراك الضريبة بينما يُعفى السوريون منها.
تبقى السياسة الخارجية للدولة التركية محورًا مهمًا في التجاذبات الداخلية عمومًا وفي ملف الانتخابات على وجه التحديد، خصوصًا في علاقة الدولة التركية مع ملف الدول العربية والإسلامية والتي تختلف رؤية الأحزاب التركية إيزاءها أيما اختلاف، وبعد أربع سنوات من الثورة السورية يبقى ملف السوريين نازفًا ويظل موضوعًا مهمًا في المزايدات التي تدور بين الأحزاب بين حزب يحاول الضغط على الجرح السوري ليوقفه وبين آخر يرى بأن جراح هذا الشعب سببت لدولته وشعبه الكثير من المشاكل.