ترجمة وتحرير نون بوست
عالم اليوم متخم بالأسلحة، من سورية والعراق إلى صحراء الساحل وصولًا إلى الأدغال النيجيرية، إنه الوقت المناسب تمامًا لتصبح مقاتلًا في حرب عصابات، لأنه يسهل بشكل سافر الحصول على النوع اللازم من الأسلحة لتنفيذ حرب التمرد.
حقيقة الحياة في القرن الـ 21 ظهرت واضحة في النسخة الأخيرة لمسح الأسلحة الخفيفة المسمى “الأسلحة والعالم”، حيث يوضح هذا التقرير الاستقصائي أن قيمة تجارة الأسلحة الخفيفة العالمية قد تضاعفت تقريبًا بين عامي 2001 و2011، ومنذ ذلك الحين، استمرت أرقام هذه التجارة بالإطراد، ووصلت حسب الإحصائيات إلى مبلغ 5 مليارات دولار ثمنًا للأسلحة المنقولة في عام 2012، وبسبب الطبيعة الخفية والسرية لسوق الأسلحة الخفيفة العالمي، فإن المجموع الكامل الحقيقي قد يفوق هذا الرقم بمليارات أخرى.
بشكل عام، واصلت الولايات المتحدة سيطرتها على سوق الأسلحة الخفيفة العالمي، سواء من حيث التصدير، أم من حيث الاستيراد:
توضح الصورة أعلاه التغيرات في قيمة صادرات الأسلحة (محددة بملايين الدولارات) منذ عام 2001 وحتى 2012، لدى كبرى دول العالم المصدرة للسلاح (أمريكا، إيطاليا، ألمانيا، البرازيل، النمسا، بلجيكا، سويسرا، روسيا).
توضح الصورة أعلاه التغيرات في قيمة استيراد الأسلحة (محددة بملايين الدولارات) منذ عام 2001 وحتى 2012، لدى كبرى دول العالم المستوردة للسلاح (أمريكا، كندا، ألمانيا، فرنسا، المملكة المتحدة، استراليا، السعودية، قبرص).
تفرض الأسلحة الخفيفة تحديات خطيرة تقف في وجه الجهود الرامية إلى السيطرة على تدفق الأسلحة في جميع أنحاء العالم، وتضم فئة الأسلحة الخفيفة المسدسات الدوارة، المسدسات ذاتية التلقيم، البنادق العادية، المدافع الرشاشة، البنادق الهجومية، والرشاشات الخفيفة، وما يجمع بين أنواع هذه الأسلحة، هي أنها جميعها على حد سواء سهلة النقل نسبيًا، وتشكل الجزء الأكبر من الأسلحة المستخدمة من قِبل حركات التمرد في عالم اليوم، فيكفي أن تقوم بتسليح عصابة مؤلفة من بعض المقاتلين المدربين تدريبًا معقولًا ببنادق هجومية، وبضعة رشاشات، وبضع شاحنات بيك أب، وسيكون لديك في نهاية المطاف عصابة تمتلك قوة حربية جيدة.
المقاتلون من هذه الأصناف، هم الذين ساعدوا على انتشار عدم الاستقرار والاضطراب عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أعقاب الربيع العربي، وكان حصولهم على كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة هو السبب الرئيس لانتشارهم وظهورهم في العراق وسورية وليبيا ومالي، ووسط هذه الاضطرابات، وجدت الدراسة الاستقصائية للأسلحة الخفيفة، أن الدول تواصل توريد الأسلحة إلى هذه البلدان المضطربة، على الرغم من تصاعد المخاطر حول إساءة استخدامها أو وقوعها في الأيدي الخاطئة.
في حالة مصر، على سبيل المثال، يسلط التقرير الضوء على تسليم طلبية كبيرة من المسدسات تشيكية الصنع، في أعقاب حظر الاتحاد الأوروبي تصدير الأسلحة التي يمكن استخدامها في حالات القمع الداخلي، حيث عمدت الشركة المصنعة التشيكية إلى توقيع عقود مع وزارة الداخلية المصرية لتسليم أكثر من 50.000 مسدس خدمة و10 ملايين طلقة لمسدسات عيار 9 مم.
فالحظر الذي تعوزه الحماسة من قِبل الاتحاد الأوروبي، والجهود المماثلة التي حاولت واشنطن القيام بها لممارسة ضغط على القاهرة من خلال إيقاف تسليم شحنات الأسلحة المتطورة، توضح كيف يمكن لدولة مثل مصر أن تعزل نفسها عن الضغط السياسي الذي يحاول موردي الأسلحة تطبيقه عليها، حيث يشير التقرير، أن جهود العواصم الغربية أسفرت عن بحث مصر عن مصدر آخر للأسلحة، بما في ذلك استكشاف إمكانية التوصل إلى اتفاق تسليح مع روسيا.
ولكن الجهود الرامية لدراسة الدور الذي يلعبه نقل الأسلحة الدولية في تأجيج العنف في دول أخرى تعاني أيضًا من عواقب الربيع العربي، تم تقويضها بشدة جرّاء انعدام الشفافية والسرية التي تحيط بصفقات الأسلحة؛ فمنذ اندلاع الحرب الأهلية في سورية في عام 2011، حاولت العديد من القوى العالمية الحد من وصول شحنات الأسلحة المتجهة إلى القوات الموالية للرئيس بشار الأسد، ولكن مع ذلك، يشير التقرير إلى أن تقارير وسائل الإعلام تشير إلى أن روسيا وإيران وكوريا الشمالية يستمرون في تزويد النظام السوري بالأسلحة، وفي الوقت الذي فرض فيه الاتحاد الأوروبي حظرًا على توريد الأسلحة، وقفت روسيا بوجه تمرير قرار مماثل في الأمم المتحدة.
في الوقت الذي يدعو فيه استقصاء الأسلحة الخفيفة إلى ضبط النفس في توريد الأسلحة إلى الدول والمناطق المضطربة وغير المستقرة، تعمل العديد من الحكومات الغربية رغم ذلك، على إمداد الجماعات المتمردة بالأسلحة، وحيث يُنظر إلى هذه الجماعات على أنها حليفة في محاربة الجماعات المتطرفة أو الأنظمة القمعية، وهذه اللامبالاة تهدد بإحداث مخاطر كبيرة، مثلما حدث بشحنات الأسلحة الغربية التي تم تسليمها لقوات البيشمركة الكردية، على سبيل المثال، حيث هددت هذه الممارسة بمخاطر سوء استخدام هذه الأسلحة، أو وقوعها في نهاية المطاف في الأيدي الخطأ، والمثال الأوضح على ذلك ما حصل عندما أسقطت مقاتلات أمريكية صناديقًا من الأسلحة موجهة إلى القوات الكردية المحاصرة في مدينة كوباني السورية، وحينها اغتنم عناصر تنظيم الدولة الإسلامية بعضًا من هذه الإمدادات المميتة، وفي حالات أخرى، حصلت الجماعات المتمردة السورية على الأسلحة الأمريكية، بعد أن تم طرحها في السوق السوداء من قِبل القوات العراقية، التي كانت الأسلحة مخصصة لها بالأساس.
بعض من الأسلحة الأخرى التي تم توريدها إلى متمردي سورية، كان مصدرها مخزونات الأسلحة الضخمة التي خلّفها الاتحاد السوفييتي عقب انهياره، حيث تنتشر مخزونات الأسلحة من الحقبة السوفياتية في جميع أنحاء جنوب شرق أوروبا، مهددة بمخاطر متعددة، فمن جهة، يفسح وجود مخزونات الأسلحة الفرصة أمام تصديرها؛ فعلى سبيل المثال، تم شراء الأسلحة الكرواتية وتحويلها إلى المتمردين المقربين من الولايات المتحدة، ومن جهة أخرى، هذه المخزونات تعتبر قنابل موقوتة تهدد حياة السكان المحليين، فوفقًا لمسح الأسلحة الخفيفة، ما بين عامي 1980 و2014، وقع 51 انفجارًا في مواقع للذخيرة في جنوب شرق أوروبا موديًا بحياة أكثر من 700 ضحية.
العديد من دول البلقان اتخذت إجراءات للحد من حجم مخزونات الأسلحة التي توجد لديها منذ العهد السوفييتي، والتي تفتقر إلى الصيانة والحفظ والترتيب بطريقة ملائمة، ولكن هذه الجهود تأثرت بشكل سلبي بالأولويات التجارية؛ فالعديد من الدول، وفقًا للاستقصاء، مستعدة لتدمير الأسلحة قبل اختبار قيمتها السوقية، ولكن الدول الأخرى لا تعرف ببساطة الكميات الدقيقة للذخيرة والأسلحة في مخزوناتها، بسبب عدم خضوع هذه المخزونات للإجراءات المحاسبية، وانعدام الرقابة يجعل هذه الأسلحة عرضة للسرقة أو للبيع بطرق غير مشروعة، وفقًا لما جاء في التقرير.
ربما لا يوجد مكان تنتشر فيه الأسلحة القادمة من حقبة الحرب الباردة، أكثر من مالي، حيث تسعى الحكومة هناك، بدعم من فرنسا، على مدى السنوات الثلاث الماضية، لإخماد التمرد الانفصالي الذي تشهده الدولة، والذي تأجج نتيجة لتدفق المقاتلين والجهاديين والجماعات الإسلامية، وكثيرًا ما يُقال إن الصراع في مالي تمت تغذيته أساسًا بالأسلحة التي تم اغتنامها من مخازن الديكتاتور الليبي معمر القذافي، ولكن على الرغم من أن المقاتلين المتمردين في مالي اكتسبوا خبرة قتالية جرّاء اشتراكهم في الصراع الذي أدى إلى سقوط القذافي، وعادوا إلى مالي مع كميات كبيرة من الأسلحة، بيد أن الدراسة الاستقصائية للأسلحة الخفيفة وجدت أن الجزء الأكبر من الأسلحة المستخدمة في مالي قادم أساسًا من مخازن الحكومة المالية، وليس من مخازن الأسلحة الليبية، وتشير الصورة التالية إلى أن النسبة العظمى من السلاح الذي تم توثيق وجوده بيد الفصائل المسلحة في شمال مالي قادم من الصين والاتحاد السوفييتي:
ويشير التقرير أن مخازن أسلحة القذافي اقتصر دورها على توفير أسلحة التفوق النوعي لدى المقاتلين المتمردين في مالي، حيث جاء في التقرير “ندرة الرشاشات الثقيلة وذخيرتها، تم التغلب عليها من خلال العتاد القادم من المخازن الليبية، حيث تظهر ليبيا كمصدر بارز للأسلحة الثقيلة التي تم توثيق وجودها في أيدي المتمردين في عام 2012، بما في ذلك السيارات المزودة بمدفع ZU-23-2 المضاد للطائرات، والذي يتم استخدامه في المقام الأول للاشتباك مع الأهداف الأرضية، وبالمثل، عملت ليبيا كمصدر هام لمنظومات الدفاع الجوي المحمولة (MANPADS)، وصواريخ هذه المنظومات هي الآن في حوزة الجهاديين في شمال مالي”.
أخيرًا، إذا كان هنالك درس يتعين علينا فهمه من الدراسة الاستقصائية للأسلحة الخفيفة، فيمكن تلخيصه بالآتي: إن الأسلحة التي نمد البلدان الصديقة بها اليوم، ستعود للظهور في أيدي أعدائنا بشكل غير متوقع بعد 10 أو 20 أو 30 سنة من الآن.
المصدر: فورين بوليسي