معلوم أن لألمانيا دورًا كبيرًا td العديد من قضايا المنطقة، وخاصة المتعلقة بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وفي ضوء أنها تحظى باحترام شبه تام من الأطراف، بشأن وساطتها التاريخية في طي العديد من القضايا الصراعية، وقد شهدنا لها أدوارًا مهمة، بشأن الصفقات المتعلقة بتبادل الأسرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي كان آخرها صفقة شاليط أو “وفاء الأحرار” – كما يهمنا تسميتها – والتي تم تطبيقها أواخر عام 2011.
وبما أن زيارة وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير المفاجئة لقطاع غزة، تُعتبر لدى العامة من المحللين والخبراء، فريدة من نوعها أو غير مسبوقة كما تبدو مُجرياتها، فإن من غير اللائق أن نقتصرها – كما أُشيع – بأنها جاءت للاطلاع على الأوضاع المرافقة للحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ 2006، والتركيز على الجهود المبذولة لإعادة إعماره، بسبب ما يدور في الأذهان، بأن هذه الزيارة تحمل شيئًا وإن كان ليس جديدًا، لكنه نادرًا على أي حال، وذلك بالنظر إلى تواجد قضيتين هامتين على الساحة: الأولى تكمن في قضية الأسرى، والثانية تهدف إلى جمع منثورات متعلقة بعقد هدنة طويلة بين حماس وإسرائيل.
خلال المدة الفائتة حفلت العديد من الأوساط السياسية والمصادر ذات الصلة، بأن هناك دردشات (حمساوية – إسرائيلية) بوساطة أوروبية، تدور حول إمكانية تنفيذ صفقة هدوء طويلة الأجل، تمتد إلى خمس سنوات فأكثر، وكانت حماس قد اقتربت من الكشف عنها، بواسطة تصريحات واضحة، ناجمة عن رئيس الوزراء السابق إسماعيل هنية، حيث أعلن صراحةً، بأن لا مشكلة في عقد هدنة طويلة مع الكيان الإسرائيلي، في مقابل فك الحصار عن القطاع، وبالمقابل، فقد سال لعاب الإسرائيليين باتجاهها، وتاقوا إلى تحقيقها، ودأبوا في الحديث عنها بجلاء، وخاصةً رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الذي أيد بشكلٍ عاجل خطوات شتاينماير باتجاه زيارة القطاع، وكان الجيش الإسرائيلي قد صرح، بأن إسرائيل يُمكنها جدًا القبول بإدارة حماس للقطاع وبأن لا مشكلة من الجلوس معها، هكذا أيضًا قال رئيس الدولة رؤوفين ريفلين، ما يعني بأنه توجد إمكانية مُعتبرة، لعقد هدنة على هذا الواقع.
برغم التصريحات السابقة، فقد تكررت تصريحات أخرى – آتية من الطرفين – تنفي حدوث أي مفاوضات وتُنكر أي تقدمات، وسواء حول صفقة تبادل أسرى، أو بشأن تحقيق هدنة، حتى الأسبوع الماضي على الأقل، لكن الراجح أن مصر، هي التي قطعت الطريق أمام تنمية تلك الأفكار، بسبب موقفها من حماس، والتي لا تريدها أن تنجو بإنجاز يكون على غير أهوائها من ناحية، أو يكون على حساب السلطة الفلسطينية التي أبدت اعتراضًا جزيلًا باتجاهها من ناحيةٍ أخرى، وإسرائيل وإن كانت لا تأبه برأي السلطة، لكنها بالضرورة مفروضٌ عليها احترام الرغبة المصرية، وحتى الوصول إلى صِيغٍ مقبولة.
زيارة شتاينماير إلى قطاع غزة، تعتبر الأهم لدى كل من حماس وإسرائيل سواء بسواء، باعتبارها تصب في صالحها بحسب اعتقاد كل منها، مما لها من أهمية لا سابق لها، وتأتي أهميتها لدى حماس التي رحبت بها أيما ترحيب، لاسيما وأنها تأتي من قِبل شخصية أوروبية رفيعة، وحتى في ظل الحديث، بأن الوزير لم يُخطط بالالتقاء بأحدٍ من قياداتها، باعتباره اعتراف ضمني بها، وتُمثل كسرًا لقائمة الإرهاب الغربية – الإسرائيلية، التي تضم اسمها، ومن ناحيةٍ أخرى، فإنه يمكن الاعتماد على الدور الألماني في كسر الحصار عن القطاع، وتحقيق صفقة تبادل أخرى مع الإسرائيليين، إلى جانب استغلال دورها بشأن وقف العدوان الإسرائيلي والسعي باتجاه عقد هدنة.
بالنسبة لإسرائيل، فهي أيضًا أبدت رغبة أكبر، لذهاب شتاينماير إلى القطاع، وإن كان غير مُدرجًا داخل بنود الجولة، وبعد أن كان لا يُنتظر منها أن تفعل، لاسيما وأنها كانت منعته في بداية الرحلة من دخول أجوائها، وفرضت عليه الطواف حتى جزيرة قبرص، للوصول إلى العاصمة بيروت، قادمًا من المملكة الأردنية، بسبب أن جدول الزيارة لم ينل إعجابها.
بالتأكيد، فإن رواية عدم التخطيط للالتقاء بحماس هي غير جادة، ومسألة الاطلاع والتركيز على الجهود المبذولة لإعادة إعمار القطاع، بدت كحجة وحسب، لذلك، فإن أحدًا لا يمكنه بأي حال استبعاد أن يتم “حديث”، وإن كان من خلال وسطاء مقربين، لاسيما وأن ألمانيا يهمها تعزيز دورها السياسي في المنطقة، وبخاصة بشأن تثبيت هدنة طويلة الأمد بين حماس وإسرائيل.
وكما جاء شتاينماير بِطانًا من ناحية الجانب الإسرائيلي، بشأن القضايا السابقة وعلى رأسها الهدنة، فقد غادر عرين حماس بِطانًا مرة أخرى، ولكن ليس معنى ذلك أن هناك اتفاقات قريبة بشأنها، بسبب أن مساعيه تتوقف على طرفين آخرين رئيسين، فيما إذا كان باستطاعته أخذ موافقتهما لمواصلة تلك المساعي، وهما السلطة الفلسطينية وخاصة في شأن الهدنة، ومصر أيضًا، باعتبار جل قضايا المنطقة تقع بين أصابعها ومن ضمنها الهدنة، لكن شتاينماير بدا حريصًا على إنجاز ما يستحق الذكر، وحتى قبل اجتماعه بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أثناء زيارته لألمانيا.