للاطلاع على الجزأين الأول والثاني:
مقدمة في تاريخ السلفية الأردنية والجهاد في سوريا
تاريخ السلفية الأردنية والجهاد في سوريا
الجزء الثالث والأخير: “النصرة” و”داعش”.. والدولة الأردنية
* “السلفية الأردنية والجهاد في سوريا”، دراسة شاملة نقدية صادرة عن قسم السياسات الخارجية والشؤون الدولية في معهد هدسون للدراسات السياسية في واشنطن، تتناول جذور السلفية الجهادية في الأردن منذ البدايات وحتى يومنا هذا، وهي مبنية على أكثر من 100 مصدر ومرجع ونشرت بتاريخ 16 مارس 2015، قدمها الكاتب والباحث “كيرك سويل”، ونقدمها لكم مٌقسّمة على ثلاثة أجزاء بعد ترجمتها، وهي لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع وإنما عن رأي كاتبها.
بين الدولة الإسلامية وجبهة النصرة
في أبريل 2013 فاجأ المتحدث الرسمي للدولة الإسلامية محمد العدناني العالم الجهادي من خلال الإعلان عن قيام الخلافة الإسلامية وإعلان “الدولة الإسلامية في سوريا والعراق”، ومن الواضح أن هذا الإعلان قد فاجأ زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني أيضًا، حيث أعلن على الفور أن جبهة النصرة هي جبهة مستقلة وتعهد بالبيعة والولاء لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.
وبينما وصفت بعض وسائل الإعلام أن إعلان الخلافة هو بمثابة عملية دمج للطرفين، قال العدناني بأن الدولة الإسلامية هي من أرسلت الجولاني لسوريا وإن إعلان الخلافة يخدم الظروف القائمة، ولكن الأمور كانت واضحة أكثر في شهر يونيو، حين أرسل الظواهري برسالة تفيد بأن الجولاني من أتباع القاعدة، ونفي الظواهري أي تواجد لتنظيم القاعدة في العراق.
وسيكون لهذا التطور في الأحداث تأثيران مهمان على تحول السلفية الجهادية بالأردن، أولًا لزيادة ضغط الحكومة على القادة بما أن ولاء جبهة النصرة لتنظيم القاعدة أصبح علنيًا وبالتالي القضاء على سياسة الإنكار التي ينتهجها السلفيون الأردنيون المواليين لجبهة النصرة، وبينما كانت تصريحات زعماء السلفيين دبلوماسية جدًا فإن تعاطفهم مع جبهة النصرة قد صار واضحًا.
والنتيجة الثانية التي ربما تكون أكثر عمقًا من الانقسام بين الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، كانت إعادة الخلاف بين أنصار المقدسي وأنصار الزرقاوي، فقد عزم معظم الزرقاويين أمرهم على الذهاب للجهاد بسوريا، أبدى المقدسيون تأييدهم لجبهة النصرة، وكان وقتها المقدسي لايزال بالسجن وأبو قتادة كان في إنجلترا وباقي القادة كانوا حريصين على اختيار كلمات تصريحاتهم بحرص شديد.
ظهر أبو قتادة للعلن في يوليو 2013، حين سلمته السلطات البريطانية إلى الحكومة الأردنية، وفي أكتوبر ظهر وهو في طريقه للمحاكمة بمحكمة أمن الدولة، وفي المحاكمة اتهم أبو قتادة القاضي بالفساد، وبعد قليل امتدح الجولاني قائلًا عنه “لقد كان كلامه في مقابلته مع قناة الجزيرة رائعا وحديثه كان مناسبًا جدًا لرجل يلقب بالفاتح”.
وعندما سئل عن رأيه في إعلان الخلافة الإسلامية في سوريا والعراق، كان رده متوازنًا جدًا عما كان عليه في السابق ولكنه أعرب عن استيائه قائلًا: “هذه المسألة تتطلب شرحًا مطولاً، ولكنني أطالب قادة الدولة وقادة جبهة النصرة للتوحد والامتثال بالسمع والطاعة لأوامر الدكتور أيمن الظواهري”.
وفي بيان رسمي له في الشهر التالي عنوانه “رسالة إلى المجاهدين في الشام”، كان أبوقتادة أكثر حدة في نقده للدولة الإسلامية قائلاً إن على الجهاديين أن يتعلموا من دروس الماضي، في إشارة واضحة إلى الزرقاوي، ورفض جميع الفتاوى التي تدعوا إلى الولاء لهذة الخلافة، عند هذه النقطة لم يكن أبوقتادة قد انتقد البغدادي بالاسم أبدًا.
كان أبو قتادة قد انتقد أفعال الدولة من قبل عندما فرضوا الجزية على المسيحيين والأقليات، موضحًا أن الجزية تدفع في مقابل الحماية، وهذا ما لا تستطيع الدولة فعله فهي لا تحمي المسيحيين ولا تحمي الأقليات، وفي نفس الحديث أدان أبوقتادة الدولة الإسلامية لقتلهم أبو خالد السوري وهو عضو بارز في الجبهة الإسلامية (تحالف من الجماعات السلفية المتمردة ولكنها ليست جماعات جهادية).
أصدر أبو قتادة أطول رسالة رسمية له ضد الدولة الإسلامية في يوليو 2014 بعنوان “عباءة الخليفة”، الرسالة المكونة من 21 صفحة كانت مليئة بالقضايا التي تدين الدولة، ركزت الرسالة على نقطتين اعتبرهم أبو قتادة الأهم: أولاً أن الخليفة في الدولة الإسلامية لا بدّ أن يختاره العلماء (أهل الحل والعقد) ولا يوجد في الإسلام ولا في السنّة ما يخول لأي شخص أن يعلن نفسه خليفة للمسلمين من تلقاء نفسه، كان البغدادي قد رفض صراحة الإقدام على تلك الخطوة برغم إلحاح السلفيين السوريين عليه ليفعل ذلك، بما فيهم جبهة النصرة.
ثانيًا أعرب أبو قتادة عن استيائه الشديد من حالة “الجهل” التي تسيطر على كوادر الدولة، مشيرًا إلى أنه تحدث لكثير منهم وتأكد من جهلهم الشديد بأمور كثيرة من الإسلام، الجدير بالذكر أنه ذكر المقدسي عدة مرات في حديثه قائلًا إنه تحدث مع المقدسي قبل أن يخط بقلمه كلمة واحدة على الورق.
ومع وجود المقدسي بالسجون الأردنية منذ ديسمبر 2010 وانضمام أبو قتادة إليه في يوليو 2013، كانت هناك مؤشرات قوية منذ نوفمبر 2013 تفيد بأن السلفيين الأردنيين يفقدون السيطرة على الموقف، ونقلت صحيفة “الحياة” عن مصادر محلية في تقرير نشر في 21 نوفمبر أن غالبية السلفيين الأردنيين الذين غادروا للقتال في سوريا كانوا يقاتلون تحت راية الدولة الإسلامية.
عمر مهدي الزيدان، من إربد، كان من أهم الشخصيات التي رفضت علنًا النقد الذي وجهه أبو قتادة للدولة، وأصدر بيانًا قال فيه إن نقد أبي قتادة للبغدادي غير مبرر، وإن أي فتوى تصدر عن أبي قتادة لا يمكن أن يعتد بها لأنه أسير بالسجون والأسير لا يمكنه إصدار فتاوى شرعية ربما تضر بسلامته الشخصية، ويمكن أيضًا أن تؤدي فتواه إلى الخراب، كما قال.
أكمل الزيدان تحليله قائلاً: “كلنا نعلم أن الشيخ الجولاني كان جنديًا من جنود أمير المؤمنين أبي بكر البغدادي، الخليفة البغدادي هو القائد والجولاني هو الجندي والفرق بينهما واضح جدًا”.
في نوفمبر عام 2013، أرسل المقدسي رسالة بواسطة أبي سياف، والتي لم ينتقد بها البغدادي والدولة فقط ولكنه وجه انتقادات شديدة أيضًا لبكر بن عبدالعزيز الملقب باسم “أبوهمام الأثري”.
المقدسي وجه إهانة للأثري قائلاً “ادعوا أبوهمام الأثري وغيره ممن يرفعون لواء الولاء لأبي بكر البغدادي وجعله إمام للمسلمين وإلزام الأمة الإسلامية بإطاعته أن يتعلموا ويدرسوا دينهم قبل أن ينشروا الفتاوى”.
وأكمل قائلاً “اتمنى ألا يكون الأثري وإخوانه سببًا لانقسام الأمة، والهدف من تطبيق الشريعة هو التوحد وليس الانقسام”.
في 20 يونيو 2014 ، تحولت معان – مسقط رأس أبي سياف – إلى مقاطعة مؤيدة علنًا لداعش بالأردن، يمشون في مسيرات كبيرة حاملين علم تنظيم القاعدة ومطالبين بالجهاد، وجاءت هذه التظاهرات بعد ثلاثة أسابيع فقط من الإصدار المرئي للدولة الإسلامية الذي كان عنوانه “رسالة إلى أهالينا في معان”، وقد تطرق الإصدار المكون من 16 دقيقة إلى التلميح للمقدسي، بقولهم “أولئك الذين فروا من الجهاد”، وطالبوا أيضًا بالإفراج عن ساجدة الريشاوي.
مهما كانت إغراءات انتصارات الدولة والضجة الإعلامية عن تواجدهم بالعراق، فإن المقدسي وأبا قتادة قد عانوا الأمرين من إدراكهم بالضغط الذي سيقع عليهم من الحكومة بسبب كل ذلك.
تم إطلاق سراح المقدسي في يونيو 2014 وأبي قتادة في 24 سبتمبر 2014، وتولى المقدسي الصدارة مرة أخرى.
بين الدولة الإسلامية والدولة الهاشمية
كان هناك جانب آخر من صراع المقدسي وأنصاره مع الدولة الإسلامية، وهو دعمهم المتزايد لجبهة النصرة، مما يعرضهم للمساءلة القانونية بعد أن أعلنت جبهة النصرة ولاءها لتنظيم القاعدة، وهذه الحقيقة قد تم إعلانها على الملأ في إبريل 2013، وحاول زعماء السلفية الأردنية نفي أي علاقة لهم بالأمر في محاولة منهم للبقاء خارج السجون.
إعلان جبهة النصرة ولاءها لتنظيم القاعدة قد شجع الحكومة الأردنية على اتخاذ موقفًا محليًا أكثر تشددًا مع السلفيين.
في سبتمبر 2013 أرسل المقدسي رسالة عبر محاميه الخاص مفادها “إن هذه الاعتقالات والمحاكمات لن تؤثر بأي طريقة على التيار السلفي، وعلى مؤسسات الدولة تحمل مسؤولية أفعالها”.
وفي الشهر نفسه أصدر الطحاوي رسالة يدين بها النظام القانوني الأردني، وأشار أيضا في رسالته لموضوع غير محلي، وهو رسالة لحزب النور السلفي بمصر وعتابهم على الوقوف بجانب عبدالفتاح السيسي ضد جماعة الإخوان المسلمين، واصفًا ما فعله حزب النور بأنه “تبديل لشرع الله بشرع البشر”، وقال إن ما حدث بمصر كان استهدافًا لكل المسلمين وليس للإخوان المسلمين فقط.
أنهى المقدسي عقوبته عن تجنيده لمجاهدين لصالح حركة طالبان في 16 يونيو 2014، وجاء الإفراج عنه في وقت مناسب جدًا نظرًا لنضاله المستمر ضد داعش، ولكن المقدسي واجه وضع أمني أكثر صرامة من جانب الحكومة الأردنية عما كان عليه في المرات السابقة عندما كان حرًا طليقًا.
جاء الإفراج عن المقدسي قبيل الحرب التي كان يقودها التحالف الدولي ضد الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، ولكن هذا الوضع كان بمثابة معضلة بالنسبة للمقدسي، نظرًا لتاريخه الماضي من الدعم غير المشروط لأية جماعة إسلامية تقاتل القوات غير المسلمة في العالم العربي.
قام السلفيون باحتجاجات في الأردن ضد الضربات الجوية للتحالف في سبتمبر وانتقد أبو سياف الهجمات واصفًا إياها بـ “الصليبية” في وسائل الإعلام، مشيرًا إلى أنه “سيكون من الأفضل توجيه هذه الضربات على اليهود الذين يستهدفون غزة وشعبها”، وكان رد الفعل هذا ليس خاصًا بالسلفيين فقط، فقد صرح المراقب العام للإخوان المسلمين بالأردن بتصريحات مشابهة حيث قال “هذه ليست حربنا وليس لدينا أي مصلحة في تورط الأردن في ذلك لصالح الآخرين”، وقد نشرت جريدة القدس العربي أن المقدسي قد صرح أنه سيقف مع الدولة الإسلامية ضد هذا الغزو “الصليبي” على الرغم من خلافه العميق معهم.
اعتقلت الحكومة الأردنية المقدسي مرة أخرى في 27 أكتوبر خلال حملة أمنية لتأمين الإفراج عن الرهينة الأمريكي بيتر كيسينج المخطوف وقتها من قِبل داعش، وفي 18 ديسمبر وصفت جريدة “الجارديان” المقدسي بأنه لاعب أساسي في المفاوضات مع الدولة الإسلامية، وألمح المقال أن اعتقال المقدسي مخالف للقانون لأنه أتاح له التواصل مع الإرهابيين.
وفي يوم 30 سبتمبر، نشر الموقع الخاص بالمقدسي بيان مصالحة وهدنة بين الفصائل الجهادية في الشام ودعا فيه جميع الجهاديين بالتوقيع عليه والتوحد ضد هذه الهجمة التي سماها “الصليبية”، وكان المقدسي وأبو قتادة من ضمن الموقعين على الهدنة.
وفي 24 ديسمبر كان المقدسي مايزال قيد الاحتجاز عندما انتشرت أخبار أسر الدولة الإسلامية للطيار الأردني معاذ الكساسبة والذي قامت قوات الدولة الإسلامية بحرقه حيًا لاحقًا ونشر فيديو إعدامه على الملأ، مما تسبب في غضب عارم عم أنحاء الأردن مطالبين بالانتقام من الدولة الإسلامية والقصاص للطيار الأردني معاذ الكساسبة.
ولكن بعض التقارير أثبتت بعد فترة أن المقدسي كان من أهم الأطراف التي كانت تتفاوض مع زعماء الدولة الإسلامية في محاولة لإنقاذ الكساسبة ولكنه فشل في ذلك.
حال السلفية الأردنية بعد معاذ الكساسبة
كان ظهور المقدسي على شاشة التلفزيون الأردني بمثابة نقطة فارقة في طريق السلفية الجهادية في الأردن، ومحاولة لإعادة بناء وإعادة صياغة وتشكيل حركة السلفية الجهادية، يواجه المقدسي الآن موجة عارمة من الانتقادات من السلفيين المتشددين متهمينه بأنه قد باع نفسه للعائلة الملكية الهاشمية وتخلى عن الجهاد والمجاهدين.
ربيع السلفية الجهادية الأردنية تم القضاء عليه بعد الاتجاه للجهاد في سوريا، خلال عام 2011 أبدى الجناح المقدسي بقيادة أبي سياف نيته لاستغلال الربيع العربي وبناء منظمة سلمية داخل المملكة لتكون على استعداد لأي تغير في النظام تماشيًا مع ما حدث بمصر، كان مبدأ المقدسي هو السلمية فيما عدا في الاعتداء على المسلمين، ولكن ومع ظهور جبهة النصرة تغير ذلك، ومنذ عام 2012 ازداد تأييد ومناصرة السلفيين لتنظيم القاعدة.
في حين أن بعض المحللين وصف حال السلفية الأردنية أنه في ازدياد ملحوظ، كان أكبر حشد لهم في مارس 2011 حيث نجحوا في تعبئة 3000 متظاهر، فيما اعتبر المحللون تلك التظاهرة نقطة تحول في نشاط السلفيين الجهاديين العلني بالأردن ومطالبتهم بالإفراج عن السجناء وارتفاع سقف مطالبهم.
لم تكن الحركة السلفية الجهادية أبدًا حركة جماهيرية بالأردن، فقد كان أعضاؤها إما يقاتلون بسوريا أو قتلى بسوريا أو مسجونين في الأردن أو منقسمين حول الدولة الإسلامية وجبهة النصرة.
جريمة القتل الوحشية التي قامت بها الدولة الإسلامية ضد معاذ الكساسبة كان لها أثر سلبي كبير في الشارع الأردني ضد الجهاديين، ففي استطلاع لصحيفة الرأي أجرته الجامعة الأردنية – مركز الدراسات الإستراتيجية – نشر في 27 يناير 2015، أظهر رأي الشارع الأردني في تنظيم الدولة الإسلامية أنه إرهابي بنسبة 95% ، بينما نفس الجامعة كانت قد أجرت استطلاعًا سابقًا في أغسطس السابق وأظهرت النتيجة 62% فقط هم من يعتبرون الدولة الإسلامية إرهابية.
اختفى التيار السلفي الموالي للحكومة على نهج الشيخ الألباني بعد 2011 بسبب اكتشاف أنهم ليس لهم تأثير ملحوظ في مجريات الأحداث.
بالنسبة لسلفية المقدسي فالتحدي الذي يواجههم بعد انفصالهم عن تنظيم الدولة الإسلامية هو محاولة إعادة تجميع أنفسهم مرة أخرى في ظل النظام الأمني القاسي الجديد وخصوصًا بعد حادثة الكساسبة، ولكن وحتى الآن فقد نجحت الحركة السلفية في الاحتفاظ بالصفقة القديمة، وهي احتفاظ الحركة بهامش من الحرية في مقابل ضمان الحكومة لنشاطهم السلمي، ولكن هذا الاتفاق ربما يكون سبب في وضع بذور اختلاف مستقبلي؛ لذلك نتوقع دخول الحكومة الأردنية في مواجهة حذرة مع السلفية الجهادية الأردنية في السنوات المقبلة.
المصدر: معهد هدسون للدراسات السياسية/ ترجمة: أردن الإخبارية