يعتبر التعذيب من التقاليد العريقة في السجون المصرية وتختلف نوعية ووحشية وكيفية التعذيب من عصر لآخر حسبما يطلق المسؤولون يد أجهزة الأمن، ففي بعض الأحيان كان التعذيب يتم تحت إشراف السلطات العليا وبأوامر مباشرة، في هذا التقرير نستعرض التعذيب الذي تعرضت له المرأة منذ قيام الجمهورية المصرية من حيث الكم والكيف عبر نماذج وثقتها المؤسسات الحقوقية أو وثقت عبر كتابة تجارب شخصية.
الجمهورية وعبد الناصر .. التعذيب الممنهج
يُعد عهد جمال عبد الناصر – عهد تأسيس الجمهورية – الأبرز من ناحية التعذيب عمومًا إلا أن التوثيق الرسمي لهذا التعذيب أقل من عصور أخرى وذلك بسبب عدم كتابة هذه التجارب إلا في كتب قليلة مثل “أيام من حياتي” لزينب الغزالي، وبعض أدبيات الإخوان التي تحدثت طويلاً عن بشاعة عمليات التعذيب في هذه الفترة.
طالت الاعتقالات النساء لأول مرة عام 1965، حيث اعتبرت الحكومة أن هناك نشاط لإعادة إحياء جماعة الإخوان مرة أخرى واعتقلت في هذه الفترة 200 من زوجات وبنات ونساء الإخوان المسلمين مثل غادة عمار، علية الهضيبي، نعيمة خطاب وأمال عشماوي وصدرت أحكام ضد 2 فقط هما حميدة قطب وزينب الغزالي (حكم عليهما بـ 25 سنة سجن مشدد)، وقد وثقت زينب الغزالي عمليات تعذيبها في كتابها أيام من حياتي؛ حيث شملت عمليات التعذيب الصعق بالكهرباء وإطفاء السجائر في الأماكن الحساسة والإغراق وإطلاق الكلاب والفئران المتوحشة عليها بالإضافة إلى التهديد بالاغتصاب وتم إلباس زينب الغزالي أفرول رجالي وعلقوها كالذبيحة ومزقوها بالكرابيج كما كانوا يعلقون الرجال ولقد تركوا جراحها دون أي علاج حتى تقيحت الجراح وظهر فيها الدود.
تحية كاريوكا وعبد الناصر
اُعتقِلت تحية كاريوكا لمدة 100 يوم بسبب انضمامها لتنظيم حدتو الشيوعي وتوزيعها 150 ألف منشورًا ومعارضتها لنظام الحكم الجديد، أُدخلت كاريوكا إلى السجن الانفرادي وذلك بعد قيادتها لتمرد داخل السجن وطلبها بوقف التعذيب داخل السجن ضد بعض السجينات وتخفيف الخدمة الشاقة عن البعض الآخر.
السادات .. الحريات المؤقتة
حكم محمد أنور السادات مصر 11 عامًا صدر خلالها أكثر من 19 ألف أمر اعتقال (أي 19 ألف أمر اعتقال رسمي غير الاعتقالات التي تمّت دون صدور أوامر اعتقال رسميّة بخصوصها بموجب قانون الطوارئ الذي قدّمه السادات)، كان عدد المعتقلين 2100 معتقل في مظاهرات الطلبة عامي 1971 – 1972، و6800 معتقل أثناء وبعد مظاهرات الطعام 17 و18 يناير 1977 ونزول الجيش إلى الشوارع، و9300 معتقل في حملة الاعتقالات 3 سبتمبر كان أغلبهم من صفوة مثقفي ومفكري ومستنيري البلد ورموزها الدينية والثقافية والسياسية والفكرية وشمل ذلك النساء خاصة من التيار الشيوعي والناصري كان أبرزهم صافيناز كاظم وشاهندة مقلد وفريدة النقاش ولطيفة الزيات بالإضافة للدكتورة أمينة رشيد، حفيدة إسماعيل صدقي باشا رئيس الوزراء في العهد الملكي.
اُعتقلت صافيناز كاظم ثلاث مرات (1973 – 1975 – 1981)، وتعرضت للفصل من العمل والمنع من الكتابة في فترات مختلفة من حياتها بالإضافة لاضطرارها للهجرة للعراق بشكل مؤقت بسبب التضييق عليها، لم يكن التعذيب في عهد السادات كعهد باقي الرؤساء بل كان أقل بشكل كبير حيث إن الحالات الموثقة نادرة.
مبارك .. الجهاديون تحت المقصلة
بدأ عصر مبارك بمواجهة عنيفة مع الإسلاميين – خاصة الجهاديين منهم – وذلك بسبب أحداث اغتيال السادات معلنًا الحرب على الإرهاب إلا أن هذه الحرب شملت النساء والأطفال، حيث تم القبض على النساء بدلًا عن أزواجهم وأقاربهم كوسيلة فعالة للضغط على الهاربين لتسليم أنفسهم، ويشمل ذلك التهديد بالاغتصاب والاغتصاب الفعلي وغيرها من الانتهاكات والتعذيب الممنهج.
وقد أصدرت جماعة الجهاد في مصر كتابًا تحت اسم “الكتاب الأسود” وثقت فيه ما تعرض له المعتقلين من تعذيب وانتهاكات في السجون المصرية، وقد وثقت ما تعرض له محمد خلف يوسف وزوجته من تهديد بالاغتصاب، “هددوني بإحضار زوجتي بعد 10 دقائق كي أسمع صرخاتها، وقالوا إنهم سوف يفعلون ما يريدون بها، وأنني لن أعرفها بعد أن ينتهوا مني، وقالوا إنهم سيضعونني في مكان لا أعود منه مطلقًا”.
ووثق تقرير لمنظمة العفو الدولية ما تعرضت له هناء علي فرج، كانت طالبة في السابعة عشرة عندما قبض عليها من منزلها بالمنيا في أواخر يوليو 1990، قالت: أخذوني إلى قسم الشرطة ووضعوني في غرفة وسألني ثلاثة منهم عن مكان اختفاء أخي، لا بد أن الساعة كانت قد قاربت منتصف الليل وظللت أقول لهم إنني لا أعرف مكانه وأمر رئيس مباحث أمن الدولة الآخرين بأن يعلقوني فأطاعوه، ومن ثم وضعوا قضيبًا حديديًا تحت ركبتي وجعلت أتأرجح في وضع مقلوب منه، ثم بدأوا يضربونني على باطن قدمي بعصا خشبية غليظة، وهم يكررون نفس الأسئلة: هل حملت إليه طعامًا؟ هل ذهبت لرؤيته؟ أين يختبئ؟ وفيما بعد قدمنا شكوى رسمية بخصوص اعتقالي ومعاملتي ولكن أحدًا لم يحقق فيها على الإطلاق ولم يكن أخي سيد مطلوبًا بسبب ارتكاب أي جريمة ولكنه كان الاعتقال المعتاد، لقد قبض عليه حتى الآن حوالي ست مرات، قبض على سيد في سبتمبر 1990 وكان ما يزال معتقلاً حتى شهر يونيو.
وقد تعرضت عدد من النساء في قرية أخميم للتعذيب الشديد والضرب بالكرابيج في نزاع على أرض زراعية، حسبما أوردته جريدة الأهالي في25 أكتوبر 1989.
انتهت فترة حكم مبارك بسحل وتعرية والتحرش بمجموعة من الصحفيات فيما يعرف باسم “الأربعاء الأسود” حيث تعرضت نوال علي، عبير العسكري، شيماء أبو الخير، وإيمان طه في عام 2005، للسحل والضرب على سلالم نقابة الصحفيين، من قِبل بلطجية الحزب الوطني، بمباركة الأمن، أثناء وقفة احتجاجية تندد بالتعديلات الدستورية التي كانت تمهد لتوريث الحكم.
الثورة المصرية .. السحل وكشوف العذرية والاختطاف القسري
شهدت الثورة المصرية بروزًا حقيقيًا للمشاركة النسائية في الحراك السياسي والشعبي؛ مما أدى لتعرضها للعنف والتعذيب حيث تم استخدام التحرش الجنسي كسلاح فعّال ضد المظاهرات المختلفة، حيث كان يتم الزج بعصابات نسائية ورجال والتحرش وتعرية النساء لفض المظاهرات بالإضافة إلى كشوف العذرية، حيث يتم تعرية النساء والقيام بعملية كشف العذرية بطريقة مهينة وأمام الرجال؛ تم إجراء كشف العذرية على 34 فتاة تم احتجازهن في السجن الحربي وحكمت المحكمة العسكرية ببراءة المجند أحمد عادل كمال من التهمة الموجهة إليه.
كما تعرضت فتاة مجهولة الهوية اشتهرت باسم “ست البنات” للضرب والتعرية أثناء فض المظاهرات وتم سحلها بشكل مهين ووحشي في الشارع وتعرضت للضرب هي وشخص آخر حاول الدفاع عنها.
مرسي ومعاقبة المتهمين
خلال الفترة القصيرة لحكم الرئيس المعزول محمد مرسي لم يتم معاقبة المتهمين وتم إعفاء المجلس العسكري بخروج آمن مع منحهم أنواط الشجاعة وتكريمهم ولم يتم فتح أي ملفات لمعاقبة المتهمين في أي قضية مست النساء خلال الفترة من بعد حكم مبارك وحتى حكم مرسي، كما تم تسجيل حالات اعتداء على نساء أثناء الاشتباكات السياسية المختلفة خلال تلك الفترة.
وبالنظر إلى تدهور الوضع الأمني وتخلي الشرطة عن مسؤولياتها، وبغض النظر عن أسباب ذلك في حينه، تزايدت حالات التحرش بالنساء بشكل ملحوظ.
ما بعد الانقلاب .. النساء إعدامات واغتصابات ومؤبدات
بعد الانقلاب الدموي الذي قام به عبد الفتاح السيسي تعرضت 90 امرأة مصرية للقتل بالرصاص الحي أو الخرطوش، بالإضافة إلى تعرض ما يقارب من 3000 امرأة مصرية للاعتقال؛ يوجد الآن في السجون المصرية ما يقارب 82 فتاة رهن الاعتقال، وقد حكم بالإعدام على 4 نساء هن سامية شنن (حكم عليها مع ولديها) وسندس عاصم المتحدثة الإعلامية للرئاسة وامرأتين من المنيا، تعرضت أيضًا 25 امرأة مصرية خلال هذه الفترة للمحاكمات العسكرية وحكم بالفعل على الطالبة إسراء ماهر بالسجن لمدة عامين وغرامة، بالإضافة إلى 63 حالة اغتصاب وثق منها 20 حالة فقط منهم 12 حالة في سجن الأبعدية فقط، كما تم الحكم بالمؤبد على 5 سيدات من ضمنهن أختين هما هند ورشا منير، بالإضافة إلى ثلاث حالات من الإخفاء القسري أبرزهن إسراء الطويل وهي فتاة مصابة تتحرك بصعوبة تم القبض عليها يوم 1 يونيو 2015 والطبيبة إسراء خلف التي اختفت منذ شهر يونيو 2014 ولم يُستدل على مكانها حتى الآن.
خلال هذه الفترة تعرضت النساء لتعذيب ممنهج أدى لإصابة بعضهن بإصابات جسيمة منها إصابات نفسية وانهيار عصبي مثل الصحفية سماح إبراهيم التي حكم عليها بسنة مع الشغل والحاجة سمية شنن المحكوم عليها بالإعدام حيث تعرضت للضرب والتعذيب والتعرية أمام أولادها والتهديد باغتصابها.
وقد تم رصد حالات تحرش جنسي من قِبل الشرطة ومن قِبل السجينات الجنائيات ضد السجينات السياسيات حيث يتم تفتيشهن بطريقة مهينة والتحرش بهن، وطال التحرش ذوي المعتقلين نساءً ورجالًا حيث يشمل التحرش التفتيش المهين والعبث بالأجساد رجالاً ونساءً، و يسود تخوف الآن من تنفيذ بعض الإعدامات التي صدرت بحق بعض النساء مثل سامية شنن.