حديث النظام الرئاسي يُعنون الانتخابات التركية

تقترب الانتخابات التركية في أجواء تنافسية بين الأحزاب السياسية المشاركة وتدور رحى المناقشات الدائرة حول برامج الأحزاب، وتتصدر مسألة النظام الرئاسي الذي ضمنه حزب العدالة والتنمية في برنامجه الانتخابي هذه المناقشات؛ حيث ترفض أحزاب المعارضة الانتقال للنظام الرئاسي جاعلة من هذه الغاية أهم أجندتها الانتخابية.
وكان أردوغان قد صرح إبان انتخابه لمنصب الرئاسة في أغسطس من العام الماضي بأنه سيحاول استخدام صلاحيات منصب الرئاسة بصلاحياته الكاملة، مما دعا أردوغان لترأس اجتماعات مجلس الوزراء لعدة مرات، إلا أن تصريحات أردوغان التي صرح فيها عن رؤيته بضرورة تحول تركيا للنظام الرئاسي أثارت لغطًا ليس فقط من قِبل أحزاب المعارضة بل حتى من أطراف داخل حزب العدالة والتنمية مثل رئيس الجمهورية التركية السابق عبد الله غل الذي صرح بأنه مع بقاء النظام البرلماني ولكنه دعا في نفس الوقت لمناقشة الموضوع بصورة وبشكل عام وأمام الجماهير، وكذلك فإن أحمد داود أوغلو لم يقطع بتأييده للنظام الرئاسي حتى وقت إعلان حزب العدالة والتنمية عن برنامجه الانتخابي المتضمن للانتقال للنظام الرئاسي.
مقارنة بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني
لماذا يسعى حزب العدالة والتنمية لتطبيق النظام الرئاسي؟
هناك جملة من الأسباب التي قد تكون وراء رغبة حزب العدالة والتنمية الانتقال بتركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي منها:
أولاً: تناسب النظام الرئاسي مع برنامج حزب العدالة والتنمية الخدماتي، حيث يمتاز النظام الرئاسي بسرعة اتخاذ القرار، فيتركز القرار في يد الرئيس الذي يمثل رأس السلطة التنفيذية، بينما تحول الإجراءات داخل النظام البرلماني من تحقيق ذلك بالإضافة إلى مشاكل البيروقراطية التي تعاني منها تركيا والتي من الممكن التغلب عليها من خلال الصلاحيات المباشرة للرئيس.
ثانيًا: النظام الرئاسي يتيح حرية أكبر للرئيس في العلاقات الخارجية وفي مسائل الأمن القومي والمخابرات، حيث تعتبر قدرة حزب العدالة والتنمية في السياسة الخارجية ضعيفة نسبية خصوصًا في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها تركيا في المنطقة والتي تستدعي حرية أكبر في التعاطي والتي من الممكن أن يوفرها النظام الرئاسي عن طريق تشكيل إدارات تتبع مباشرة للرئيس تستطيع إدارة الملفات بسرعة كبيرة من دون عوائق تتمثل في الدولة العميقة ومشاكل البيروقراطية والرقابة البرلمانية.
ثالثًا: إرادة أردوغان في البقاء في دائرة السلطة مع وجود شرائح كبيرة في المجتمع التركي وحزب العدالة والتنمية مقتنعة بأن إمكانيات أردوغان كفيلة بنقل تركيا إلى مصاف الدول العظمى.
المشاكل المتمثلة في النظام الرئاسي
يذهب المعارضون للنظام الرئاسي بأن هناك عدة مشاكل تستدعي بقاء النظام البرلماني ورفض النظام الرئاسي ومنها:
أولاً: أن البيئة الديمقراطية في تركيا غير مستقرة بالدرجة الكافية التي تتيح انتقال ديمقراطي من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، ويخشى كثير من المعارضين أن الانتقال إلى نظام يعطي صلاحيات كبيرة للرئيس بدون مساءلة برلمانية قد يؤدي إلى إعادة إنتاج الديكتاتورية والسلطنة في المجتمع التركي على يد أردوغان.
ثانيًا: أن الانتقال إلى النظام الرئاسي يفضي بالضرورة إلى نظام الحزبين لعدم قدرة الأحزاب الصغيرة على المنافسة وبالتالي تفقد تركيا تمثيل عادل لشرائح المجتمع؛ فالنظام البرلماني أنتج وعلى مدى سنوات طويلة أحزاب كثيرة ومتعددة الرؤى والخطاب وعليه فإن الانتقال إلى النظام الرئاسي سوف يفقد تركيا هذه الميزة ويحصرها بوضعية الحزبين الكبيرين.
المساجلات الحزبية
كان أردوغان قد صرح بأن أحزاب المعارضة تذهب في رفضها النظام الرئاسي إلى اعتبارات أيدلوجية ومن مبدأ الالتزام التاريخي بالنموذج الفرنسي، وأضاف أردوغان بأن النظام الرئاسي الذي سوف تطبقه تركيا لن يلتزم حرفيًا بضوابط الأنظمة الرئاسية المتبعة في العالم، بل سيضيف إليها من تقاليد المجتمع التركي حتى يضحى نموذجًا فريدًا من نوعه.
بينما ذهب كل من حزب الحركة القومية على لسان رئيسه دولت بهتشلي إلى التأكيد على أن النظام الأنسب لتركيا هو النظام البرلماني، رافضًا الانتقال إلى النظام الرئاسي، وكذلك الحال فإن كمال قليشدار أوغلو قد صرح بأن تركيا تمتلك نظام برلماني من 150 سنة ولن تتخلى عنه من أجل تطلعات أردوغان للحكم.
أما حزب الشعوب الديمقراطي فقد اشتهر بشعاره “لن نجعلك رئيسًا يا أردوغان”، حيث يعول حزب الشعوب الديمقراطي على تجاوز عتبة العشرة في المئة الكفيلة بدخوله البرلمان ومنع حزب العدالة والتنمية من الحصول على نسبة تؤهله لإجراء التغييرات الدستورية اللازمة.
ويحتاج حزب العدالة والتنمية للفوز بـ 330 مقعدًا في البرلمان القادم ليمتلك حق تنظيم استفتاء شعبي حول الدستور الجديد والنظام الرئاسي بينما يستطيع إجراء التغيرات اللازمة منفردًا إذا حصل على 367، ولكن يبدو أن هدف حزب العدالة والتنمية بعيد المنال وغير ممكن في الوقت الحالي.