القوة الناعمة هي قوة الجذب التي تجعل من الرياضة والمنافسة فرصة مهمة لنشر القيم الوطنية وأهدافها وخصائصها وبثها للعالم، فهي وعاء كبير يمكن من خلاله بث الشعارات والتوجهات والمواقف على نطاق أوسع وأعمق.
تعتبر الألعاب الرياضية بصورة عامة وكرة القدم بصفة خاصة من أهم الأنشطة الاجتماعية المؤثرة في المجتمعات السياسية وفي العلاقات الدولية، وتنبع تلك الأهمية من طبيعة الألعاب الرياضية ذاتها كظاهرة اجتماعية تتسم باتساع قاعدتها الجماهيرية، وبإمكانية متابعتها دون الحاجة إلى قدر كبير من التعمق، والدراية المتخصصة في بعض المفاهيم.
ومن خلال توظيف الرياضة تستطيع الدولة أن تظهر مدى قوة ورسوخ الأيديولوجية السياسية التي تحكمها، وبالتالي تستطيع الدولة من خلال الألعاب الرياضية الترويج لمجموعة من القيم السياسية التي تخدم مصلحتها القومية.
ولذلك، فإن القيادة الفلسطينية أكثر من يحتاج لتلك المفاهيم والأدوات، لتوظيفها في معركتها ضد الغطرسة الإسرائيلية، فإن كانت إسرائيل تمتلك القوة العسكرية، إلا أننا كفلسطينيين نمتلك التاريخ والحق، وما علينا إلا توظيف عناصر قوتنا بأدوات مناسبة لنقهر المحتل لأرضنا.
لكن الصدمة الكبيرة التي هزت كيان كل فلسطيني وكل من يتعاطف مع قضيتنا، هي في قرار الرجوب، رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، سحب طلب تجميد عضوية إسرائيل في الفيفا.
ولم تكن الصدمة الفلسطينية من ذلك القرار فقط، بل من عدم وضوح الموقف الفلسطيني من المنافسة بين بلاتر، إمبراطور الفيفا كما يصفه البعض، والأمير علي بن الحسين، على رئاسة “الفيفا”، فقد بدا حتى اللحظة الأخيرة أن الكف الفلسطينية تميل لبلاتر، وأن القرار بالتصويت للأمير اتُخذ في اللحظات الأخيرة، واعترف الرجوب بأنه تأخر في ذلك، برغم أن البعض شكك في صحة كلام الرجوب، لما رأوه من دفء الاحتفاء بفوز بلاتر برئاسة الفيفا.
جاءت هذه الحادثة لتكمل مسيرة الانبطاح السياسي الرسمي الفلسطيني في مواجهة عنجهية الاحتلال الإسرائيلي، وربما هي الأكثر تأثيرًا وقد نشهد ارتداداتها مستقبلًا، بسبب حاجتنا كفلسطينيين للأردن نظامًا وشعبًا، فالحادثة أخذت أبعادًا كبيرة نظرًا للهالة الإعلامية التي رافقت موقف رأس اتحاد الكرة الفلسطيني الرجوب من إسرائيل، ثم خذلانه لكل المتعاطفين معنا، وليس انتهاءً بما تحمله كرة القدم من اهتمام رسمي وشعبي كبير في العالم بأسره، فربما كانت هذه المرة الوحيدة التي احتاج فيها الأردن الصوت الفلسطيني، فإذا بالرجوب يضع الكل الفلسطيني وكأنه منزوع عن وطنيته وقوميته.
معركتنا مع الاحتلال لم تنته عند عتبات الفيفا، والفشل في هذه الجولة لا يستشرف الفشل المستقبلي، وإنما تقتضي الحالة إسناد المهام الرسمية والدبلوماسية للأكفأ، وهم كثر في وطننا، لمواصلة العمل على فضح إسرائيل وملاحقتها وفرض العزلة عليها، والعقوبات جراء الجرائم التي ارتكبتها في السابق، والجرائم المستمرة مثل الاستيطان، وهذا يتطلب تصحيح مسار الموقف الفلسطيني وشرعيته التي تآكلت نتيجة ممارسات أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها صبيانية.
إن عدم الاجتهاد في جمع أوراق القوة والضغط، واستخدام الأدوات المناسبة لفضح الاحتلال وعزله، سيتسبب بمزيدٍ من التراجع الفلسطيني في المحافل الدولية، وستفقد القضية الفلسطينية رونقها لدى الشعوب، خصوصًا إن أسأنا التصرف تجاه بعض رموزهم واهتماماتهم، فنحن بحاجة لجهد الجميع.
وليس أقل من أن نلعب السياسة في ملاعب كرة القدم، وأن نحرز الأهداف في مرمى خصمنا، وأن نصطف كحاجز دفاعي صلب أمام مهاجمي إسرائيل ومعاونيهم، لنحقق الثبات حتى انتهاء الجولة، ونطرد خصمنا المحتل عن ملعبنا.