تحليل مقارن للمائة اليوم الأولي فى عهد كل من “مرسي” و”منصور”
بالرغم من اختلاف الظروف والسياقات، إلا أنه يمكن تحديد عدة أوجه للمقارنة التحليلية بين المائة يوم الأولى في عهد (مرسي) بوصفه رئيساً مدنياً منتخباً في أول انتخابات رئاسية منذ الثورة، والمائة يوم الأولى في عهد (عدلي منصور) بصفته رئيساً مؤقتاً وانتقالياً لحين إجراء انتخابات رئاسية جديدة عقب إطاحة الجيش بمرسي في (3 يوليو) الماضي، إثر احتجاجات شعبية واسعة مطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة ورحيل مرسي في (30 يونيو).
العلاقات المدنية – العسكرية
جاء (محمد مرسي) في ظل تحكم كامل للمجلس العسكري على زمام السلطة، حيث واجه صعوبات وتحديات جمة في طريق الإخضاع والهيمنة الديوقراطية على المؤسسة العسكرية، لكنه نجح في النهاية في توظيف حادثة مقتل أكثر من عشرين جندياً مصرياً في رفح (بالقرب من الحدود المصرية – الإسرائيلية والحدود مع قطاع غزة) إذ قام على إثرها بتنحية رئيس المجلس العسكري (المشير حسين طنطاوي)، وعدد كبير من قيادات المجلس، وتعيين الفريق (عبد الفتاح السيسي) وزيراً جديداً للدفاع، وهو ما بدا خطوة فارقة وحيوية في طريق الهيمنة المدنية في العلاقات مع المؤسسة العسكرية.
وفي المقابل فإن (عدلي منصور) قد جاء بتعيين من وزير الدفاع الذي قام مرسي بتنصيبه، وذلك في بيان “السيسي” الذي قضى فيه بعزل “مرسي”. وهو ما يزيد الأمر صعوبة في سبيل إثقال كفة المدنيين في العلاقات المدنية – العسكرية، إذ بالرغم من الصعوبات التى كانت تواجه “مرسي” فإن الظهير الشعبي الواسع، والثورى على وجه الخصوص، كان أحد أهم العناصر الفارقة التى كان جديراً به استغلالها لتحقيق تقدم أكبر في العلاقات المدنية – العسكرية، وهو ما اختلف عليه الوضع الآن، إذ يسود رأي قائل بأن الفريق “السيسي” هو الرئيس الفعلي، بينما “منصور” هو الواجهة أو الرئيس الشرفي، كما أنه ليس لدى “منصور” أية شعبية تذكر في مواجهة شعبية “الجيش” الآخذة في الازدياد، في مواجهة من يسعون إلي دولة مدنية حقيقية لا تتغول فيها المؤسسة العسكرية، ولا تطغى على الحياة السياسية، سواء كانوا من مؤيدي المعزول “مرسي” أو ممن عارضوه لتكريمه قيادات المجلس العسكري وعدم محاكماتهم، ويعارضون “السيسي” أيضاً حالياً، غير مطالبين بعودة “مرسي”.
ويزعم البعض أنه كانت لدى مرسي “النية” في التغيير، إلا أن الواقع يقضى بأنه اكتفى بخطوة أولى في مسار طويل، مما أثار حفيظة أغلب المنتمين لمعسكر “الثورة”. بينما ليس واضحاً من الأساس وجود أية نوايا أو خطوات من قبل “منصور” والذي ازدادت في عهده شرعية “الجيش” والافتتان بقياداته وخصوصاً “السيسي” بعكس السياق المحفز والذي كان ملائماً للغاية لإحداث تحول كبير في العلاقات المدنية – العسكرية لصالح المدنيين وجموع الشعب في عهد “مرسي” إلا أنه لم يحسن استغلالها جيداً.
تشكيل النخبة
حرص “مرسي” في مجمل تعييناته الجديدة لقيادات أجهزة الدولة، على عدم استبعاد الرموز القديمة، بل الحفاظ عليها، مع إدخال بعض العناصر الجديدة، والتى جاء أغلبها إما من أعضاء جماعة “الإخوان المسلمين” أو المؤيدين والمحبين لها، أو ممن ينتمون للتيار الإسلامي بصفة عامة (40% من أعضاء التأسيسية للدستور، إضافة إلي استقالة أغلب مستشاريه احتجاجاً على طريقته في إدارة الأمور، ولم يتبق سوى القريبين من الإخوان).
ولم يغير (منصور) من الوضع القائم الكثير فقد حافظ على عدد لا بأس به من أعضاء الجمعية التأسيسية الأولى ليكونوا أعضاءاً في لجنة الخمسين الحالية (خمس أعضاء لجنة الخمسين الحالية كانوا أعضاء في التأسيسية في عهد مرسي)، إلا أنه لم يتوان عن عزل وتنحية كل المقربين من “الإخوان” من المناصب التنفيذية، بل وحتى القضاة والعاملين بالسلطة القضائية.
وفي المجمل فإن النظام القديم الذي ثارت عليه جموع الشعب في يناير 2011 لا يزال هو المحتفظ بالنصيب الأكبر في تعيينات كل من “مرسي” و “منصور”، والفارق البسيط هو ميل الأول في الاختيار لمن يحظوا بثقته من المقربين من جماعة “الإخوان المسلمين” بينما الأخير يميل إلي مناهضي “الإخوان” أكثر.
قضايا الحياة اليومية (الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية)
منذ البداية حظى برنامج “محمد مرسي” الانتخابي تحت عنوان (برنامج ال100 يوم) بتركيز كبير على قضايا تمس الحياة اليومية للمواطنين، من نظافة، وتحقيق للأمن، وتوفير للخبز وللوقود، وتيسيير المرور.
وقد استهل “مرسي” فترته الرئاسية بمجرد فوزه، بحملة “وطن نظيف” والتى تركز على محور النظافة، وهي ما لاقت نجاحاً محدوداً إلا أنها لم تستمر، ولم تلبث الأوضاع إلا أن تعود إلي سابق عهدها. وقد قام مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء بعمل استطلاع رأي خلص فيه إلى تسجيل المؤشر العام لتقييم خطة الـ100 يوم الأولى حوالي 51.6 نقطة، وهو ما يشير إلى أن الإجراءات التي نفذت في خطة الـ100 يوم الأولى لم تؤتِ ثمارها بشكل ملموس.
وفي المقابل فإن التركيز على قضايا الحياة اليومية في عهد “منصور” لم يكن أفضل كثيراً، بل لقد زادت هموم وأعباء المواطنين، مع إعلان حالة الطوارئ، وفرض حظر التجوال على عموم الجمهورية، وتوقف قطارات السكك الحديدية، والتى تعد شريان حياة يربط مناطق مصر من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها وهو التوقف الذي استمر أكثر من 40 يوم، لتعود فيه جزئياً للعمل وليس كلياً خلال الأيام الماضية.
إدارة الأزمات والاشتباكات الميدانية
تعددت الأزمات والاشتباكات الميدانية التى اندلعت سواء في المائة يوم الأولى من حكم “مرسي” أو “منصور”. لكن إجمالي من ماتوا جراء هذه الاشتباكات في مجمل عهد مرسي الذي لم يتعدى سوى عام واحد (والذي بلغ أكثر من 189 قتيل، بحسب مصادر مستقلة لمجموعة “وراكم بالتقرير لتقصى الحقائق”) فاقه بكثير حكم “منصور” المعين من قبل الفريق “السيسي” إذ تخطى في شهر أغسطس فقط أي في أقل من شهرين من حكمه حاجز 1500 قتيل بحسب نفس المصادر السابقة.
وشكّل التعامل الأمني والقمع العنيف من قبل أجهزة الدولة السمة المشتركة في عهدي كل من “مرسي” و”منصور” مع بعض الاختلافات الطفيفة، إذ قام “مرسي” باستدعاء أنصاره من شباب جماعة (الإخوان المسلمين) للمشاركة في فض الاعتصام القائم أمام قصر (الاتحادية) وهو ما أسفر عن مزيد من الضحايا، بينما قامت قوات الداخلية بالقمع العنيف للمتظاهرين في مدينة بورسعيد في عهد مرسي، وللمعتصمين في “رابعة العدوية” وميدان “النهضة” في عهد “منصور” و”السيسي” ولم يظهر أي بصيص للتعامل السياسي مع الأزمات سوى في حل أزمة الجنود المختطفين في سيناء في عهد “مرسي” لمرة واحدة فقط.
وفي المجمل، فقد اتسع نطاق الاشتباكات بعد أن كانت في الغالب داخل نطاق “القاهرة الكبري” في عهد “مرسي” ولم تتجاوزها سوى قليلاً في بعض محافظات الدلتا، لتصل إلي “كرداسة” و”دلجا” وتتزايد وتيرة العنف الدائرة، وتتعقد الأزمات بصورة أكبر في عهد “منصور”.
التقدم نحو تحقيق مطالب الثورة
وأخيراً، فإنه من الصعوبة الشديدة عمل تقييم شامل لمدى التقدم في تحقيق أهم المطالب التى نادت بها الثورة منذ اندلاعها في الخامس والعشرين من يناير، ومع تتابع موجاتها المختلفة في “محمد محمود” و”الاتحادية” و “30 يونيو”. لكن يمكن فقط تلخيص المشهد سريعاً دون تحيزات، إذ من الواضح أن “مرسي” أضاع فرصاً كبيرة في تحقيق تقدم هائل للثورة بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وتحقيق الهيمنة المدنية على المؤسسة العسكرية، وانشغل على العكس من ذلك في مجالات أضيق مثل الصراع على وزارة الثقافة، وتعيينه لنائب عام جديد، وليس سن قانون يقضي باستقلالية القضاء ويتضمن تغيير النائب العام أيضاً.
وفي حين أن السياق كان مساعداً لمرسي إلا أنه قام بإهدار العديد من الفرص طيلة عام كامل، فإن السياق الآن أميل للقبول بالعسكرة، وسط تزايد في انقسام المجتمع، وتفشي كبير للعنف، وقبول بالعنف الممارس من جانب الدولة، وهو ما يزيد الأمر صعوبة لانجاز تقدم نحو مطالب الثورة.
والخلاصة في أن مطالب الثورة لم يتم التقدم كثيراً في طريقها من قبل السلطة لا في عهد “مرسي” ولا في عهد “منصور”، والفارق البسيط أنه كان لدى “مرسي” الإمكانية فلم يحسن استغلالها، بينما في عهد “منصور” فقد تضائلت الفرص كثيراً، وليس من الواضح أصلاً وجود نية للتقدم لدى السلطة، في ظل حالة تراجع عامة، مع رفع شعار “الحرب على الإرهاب”. وهو ما لا ينفي بالطبع إمكانية قيام موجة ثورية أخرى قد تطيح بالجميع سواء من أطاحوا ب”مرسي” أو من يطالبون بعودته.