مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في تركيا والمزمع عقدها في الـ 7 من يونيو القادم تنحصر المنافسة بين الأحزاب الأربعة الكبرى، وذلك بسبب قانون الانتخابات الذي يحرم الحزب الذي يفشل في الحصول على نسبة 10% من أصوات الناخبين، ومن ثم يتم توزيع أصواته على الأحزاب التي تحقق النسبة ذاتها، وضع كل حزب هدفًا واضحًا من خوض تلك الانتخابات؛ فالعدالة والتنمية الحاكم أعلن عن خطته التي تتمثل في الحصول على أغلبية تمكنه من إقرار دستورًا جديدًا، أهم ملامحه هي تغيير النظام من برلماني إلى رئاسي، ويمكن القول إن أردوغان اعتمد على مكانته التاريخية وقدراته الكاريزمية في فرض هذا الهدف على حزبه، فيما بدا أن أوغلو لم يكن متحمسًا لذلك في البداية، إلا أنه رضخ للأمر الذي لو نجح الحزب فيه سيفقد أوغلو منصبه في رئاسة الوزراء.
تحقيق العدالة والتنمية لهدفه ليس بالأمر السهل، إذ يتوجب عليه الفوز بثلثي مقاعد البرلمان أو أغلبية (بواقع 330 مقعدًا) تمكنه من عرض الدستور الجديد على استفتاء شعبي، هذه النسب الكبيرة لا يبدو تحقيقها ممكنًا إلا في حال فشل رابع أكبر الأحزاب، وهو حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في تحقيق نسبة الـ 10%.
مما ينقلنا إلى تحدٍ آخر يواجه حزب الشعوب الكردي هذه المرة، فالحزب الذي اعتمد سابقًا على ترشيح أعضائه مستقلين للتغلب على عقبة القانون الانتخابي، قرر لأول مرة خوض الانتخابات بقائمة حزبية، وهي مغامرة سياسية قد تبعد الحزب عن البرلمان القادم، يبدو أن حصول رئيس الحزب صلاح الدين دميرطاش على نسبة 9.8% في انتخابات الرئاسة الأخيرة، والتي كانت بمثابة بروفة للانتخابات البرلمانية، شجعت الحزب الراغب في لعب دور فاعل في المشهد السياسي على خوض هذه المغامرة، وكذلك دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، الأكراد للاصطفاف ودخول المعترك السياسي، ما يعني توقف العمليات المسلحة ضد الدولة التركية، وهو ما يحاول حزب الشعوب استغلاله في ضمان تصويت الكتلة الكردية له وتخطي حاجز الـ 10%.
هذه التحديات التي تواجه العدالة والتنمية وحزب الشعوب الكردي تجعلنا أمام احتمالين ﻻ ثالث لهما:
أولها، ماذا لو نجح الحزب الكردي في تحقيق نسبة الـ 10%؟ تبدو الاجابة بديهية، وهي أن الحزب الحاكم سيكون قد فشل في تحقيق النسبة التي تمكنه من تمرير الدستور الجديد، بينما على الجانب الكردي ستعتبر هذه النسبة نجاحًا كبيرًا لحزب الشعوب، الذي سيرتفع تمثيله في البرلمان من 29 نائبًا إلى 55 نائبًا كحد أدنى، مما يزيد من ثقة الأكراد في المسار السياسي للحصول على حقوقهم ويسهم في تقدم عملية المصالحة مع الدولة.
وماذا لو فشل؟
الاحتمال الثاني يتمثل في فشل الحزب الكردي في تحقيق نسبة الـ 10% مما يعني فشله في التواجد في البرلمان، انعكاس هذا الاحتمال على ثقة الأكراد في جدوى المسار السياسي واستكمال عملية المصالحة خطير للغاية، كما أن تهديد دميرطاش بالاستقالة والدعوة إلى مظاهرات سلمية في حال فشل الحزب في التواجد البرلماني، ينذر بموجة من أعمال الشغب في المناطق الكردية عقب الانتخابات، لكن على الجانب الآخر فتوزيع نسبة الحزب الكردي على باقي الأحزاب سيعني حصول العدالة والتنمية على النصيب الأكبر منها، وبالتالي زيادة الفرصة في تحقيق هدفه وإقرار الدستور الجديد والنظام الرئاسي، وهو ما سيمثل خيبة أمل للمعارضة.
إذن في كلا الحالتين يمكننا أن ندرك أن حزب العدالة والتنمية سيكون مستفيدًا، ففي حالة نجاح الحزب الكردي في دخول البرلمان سيعزز ذلك من فرص دمج الأكراد في الحياة السياسة، ودفع عجلة المصالحة مع الدولة، مما يعد انتصارًا لتجربة حزب العدالة والتنمية، أما في حالة فشل الحزب الكردي في دخول البرلمان ستزيد فرص الحزب الحاكم في إقرار الدستور الجديد والنظام الرئاسي، وهو الأمر الذي سيمثل انتصارًا كبيرًا أيضًا.
لذا السؤال هو أي الانتصارين يريد الحزب؟ أيهما يفضل على الآخر؟
يبدو أن حزب العدالة والتنمية يسعى للنصر الثاني، أي إقرار الدستور الجديد ولو جاء على حساب فشل الحزب الكردي في الوصول للبرلمان، وربما يفسر هذا الحرب الكلامية التي يشنها قيادات العدالة والتنمية ضد الحزب الكردي، والتي كان آخرها تشبيه رئيس الوزراء داوود أوغلو لرئيس حزب الشعوب بالمتحدث باسم إسرائيل، ردًا على تصريحات الأخير المؤيدة لحق اليهود في القدس، وسبقها هجوم وزير الخارجية جاويش أوغلو على الحزب الكردي، واتهامه بتهديد المواطنين الأكراد لإجبارهم التصويت له.
ولأن العدالة والتنمية يدرك جيدًا أن الرقم الأهم في هذه الانتخابات هو الذي سيحققه حزب الشعوب وما إذا كان فوق الـ 10% أو أقل منها؛ لذلك فإنه يحاول مغازلة الأكراد بالتصويت له وهو ما بدا في حملته الدعائية، ومنها ما ذُكر في تقرير نون بوست المنشور عن الجيش الإلكتروني الذي يقود حملات الحزب الدعائية، حيث يشير إلى أنه تم توظيف فريق من الأكراد كي يساهموا في مخاطبة أكراد تركيا بلهجاتهم المتعددة، كما اعتمد الحزب على تقديم تطمينات للأكراد والدفع بمرشحين رمزيين مثل المغني الشهير من أصول كردية إبراهيم طاطليسيس، وهو ما يوضح أهمية الصوت الكردي بالنسبة للعدالة والتنمية.
وربما يرجع تفضيل العدالة والتنمية إقرار الدستور، حتى لو جاء على حساب الحزب الكردي، إلى الثقة في قدرة الحكومة وقدرة أردوغان على دفع الأكراد نحو المصالحة مع الدولة، كما أن نزعة الهيمنة لدى الحزب الحاكم تدفعه نحو خوض كافة المعارك الانتخابية بغية الفوز بها، دون الالتفات إلى موازنات أخرى لديه ثقة في القدرة على التغلب عليها، وربما للشعور بأن تلك اللحظة التاريخية في حياة تركيا وحياة حزب العدالة والتنمية لا بد من المضي فيها قدمًا حتى وإن وقعت بعض التهديدات.
موقف جماعة كولن من الانتخابات
رغم الغموض الذي تحيطه جماعة فتح الله كولن حول نفسها وقدراتها الانتخابية إلا أن تقديرات عديدة تشير إلى أنها تمتلك ما بين 2-3% من أصوات الناخبين، وفي ظل حالة الصراع المستمر بين العدالة والتنمية من ناحية وجماعة كولن من ناحية أخرى، يتوقع البعض توجيه الجماعة كتلتها التصويتية لحزب الشعوب نكاية في العدالة والتنمية، وحتى ينجح الحزب الكردي في تجاوز حاجز الـ 10%، ما يعني فشل الحزب الحاكم من تحقيق هدفه، إلا أن هذا التصور يبقى كاحتمال أمام احتمال آخر؛ يقول إن جماعة كولن لن تضع كل قدراتها الانتخابية في سلة واحدة، وأنها ستتحالف مع العديد من المرشحين الذين تنتظر منهم دعمها بعد نجاحهم في الانتخابات، كما أن تأثر الجماعة بالضربات التي وجهتها لها الحكومة يحد كثيرًا من قدرتها على التأثير في نتائج الانتخابات.
ختامًا، ﻻ شك أن العدالة والتنمية سينجح في تشكيل الحكومة القادمة ما يعني استمرار مشروع التنمية والتغيير الذي بدأه قبل 13 عامًا، لكن هل ينجح في تحقيق هدفه هذه المرة المتمثل في إقرار دستورًا جديدًا، والتحول من النظام البرلماني إلى الرئاسي، ما يعني السير قدمًا في مشروع تركيا 2023 والمصالحة مع الأكراد؟
كذلك هل ينجح حزب الشعوب في اجتياز حاجز الـ 10% ما يعني رفع تمثيله في البرلمان بنسبة كبيرة ولعبه دور فاعل ومؤثر في الحياة السياسية التركية السنوات القادمة، وما يعنيه ذلك من تعطيل مشروع العدالة والتنمية، بينما سيعد تعبيرًا عن انخراط الأكراد في الحياة السياسية؟
هذه التحديات وغيرها تجيب عنها أصوات الناخبين الأتراك في الـ7 من يونيو القادم، والتي سترسم شكل النظام السياسي التركي، وتؤثر بشكل كبير على عملية المصالحة مع الأكراد خلال السنوات القادمة.