خرجت المصورة العشرينية مع صديقيها لركوب الخيل وتناول العشاء على النيل فلم يعد ثلاثتهم منذ مطلع هذا الشهر، ليستمر اختفاء كلٍ من: إسراء الطويل، صهيب سعد، وعمر محمد، لليوم الرابع على التوالي، فيما نشرت أسرة وأصدقاء الفتاة معلومات تؤكد صحة ما تردد عن اعتقالهم مع عدد آخر من الشباب والفتيات من محيط قصر النيل وقسم شرطة المعادي، رغم استمرار إنكار أقسام الشرطة احتجاز أي منهم لديها.
الفتاة التي مازالت تعاني من إصابتها في إحدى قدميها جراء إطلاق قوات الشرطة المصرية الرصاص عليها أثناء مشاركتها في تظاهرات ذكرى ثورة يناير الثالثة، لا يعد اعتقالها وإخفائها قسريًا الأول ولا الأخير الذي يتعرض له المواطنون في ظل النظام العسكري الحاكم، الذي لم يستثن الفتيات أيضًا.
تزامن مع إبراز النشطاء لموضوع اختفاء الشبان الثلاثة، اختطاف الأمن لفتاة سكندرية تدعى داليا رضوان، من منزلها في 31 مايو لنشاطها البارز في إعالة أسر المعتقلين، ولم يتعرف أحد على مكان احتجازها حتى الإفراج عنها من قسم شرطة بالإسكندرية بكفالة مالية في الـ 3 من الشهر الجاري، بعد اتهامها بتلك التهم المعتاد سماعها بالإضافة إليها تهم إدارة اجتماعات الإخوان المسلمين وحركة الـ 6 من أبريل، وهذه تهم تثير السخرية لما تحمله من تناقض.
ويستمر مع الحدثين الذين برزا مؤخرًا اختفاء 4 فتيات أخريات، اثنين منهن مر على اختفائهن قرابة العام، الفتاتان كن ضمن قائمة ضمت أكثر من 130 شخصًا اختطفوا في شهور متفاوتة تجاوزت جميعها العام ومازال كلهم مجهولي المصير حتى اللحظة.
أقدمهن الطبيبة بمستشفى القصر العيني بأسيوط، أسماء خلف شندين، والتي اُعتقلت من مقر عملها في أبريل من العام الماضي ولم يتم التعرف على مكان احتجازها مع توارد معلومات حول حبسها داخل مقر أمن الدولة بأسيوط، بحسب ما أشارت إليه أسرتها، كذلك طالبة جامعة الأزهر فرع الشرقية، علا عبدالحكيم، التي اُختطفت من أمام الجامعة منذ يوليو الماضي، وأيضًا هند راشد بدوي، طالبة كلية الحقوق جامعة بنها، التي اختطفت في ديسمبر الماضي من داخل الحرم الجامعي ومازالت ذات مصيرٍ مجهولٍ حتى اللحظة، وهو نفس المصير الذي آلت إليه الفتاه القاصر، آية محمود حنفي، ذات الـ17 ربيعًا بعد اختطافها عقب خروجها من درس للقرآن في المسجد.
الفتيات الأربع اللاتي لا يعرف ذووهم مصريهن منذ شهور تضاف إليهن المصورة الشابة إسراء الطويل، يضفن إلى عشرات الفتيات والسيدات اللاتي تعرضن لنفس الشكل من تنكيل السلطة بمعارضيها، فلا يوجد عددٌ محدد للنساء اللواتي تعرضن للاختفاء القسري منذ انقلاب الـ 3 من يوليو 2013 لكثرة تلك الحالات فهن بالعشرات وربما المئات.
كان لكل فتاة خاضت التجربة المريرة قصتها، فمنهن من تخرج وعليها آثار واضحة لتعذيبٍ تعرضت له خلال فترة اختفائها، ومنهن من تحبس وتعرض على نيابة ترفض تسجيل أي معلومة تخص اختفاءها بعد فترة تطول وربما تقصر حسب رغبة خاطفيها من القوات الأمنية، وأخرى تهدد بالاغتصاب وغيرها يتم انتهاك عِرضها بالفعل، وواحدة تختطف للمقايضة بأحد أفراد أسرتها المطلوب أمنيًا للضغط عليه لتسليم نفسه.
بالطبع الإخفاء القسري لم يكن السبيل الوحيد الذي سلكته السلطات المصرية للتنكيل بالمعارضين بشكلٍ عام وبالنساء والفتيات بشكلٍ خاص، فتشير تقارير لمنظمات حقوقية إلى أن السلطات المصرية اعتقلت ما يزيد عن 3000 سيدة وفتاة خلال عامين عاشتهما مصر تحت حكم عسكري، فيما لاتزال نحو 83 فتاةً منهم قيد الاحتجاز، منهم 25 فتاةً وسيدةً تقضين أحكامًا بالسجن تتفاوت فتراتها ما بين النصف عام إلى السجن المؤبد، حيث كان حكم السجن بـ 25 عامًا على الأختين هند ورشا منير أعلى الأحكام القضائية الصادرة بحق نساء، بالإضافة إلى الحكم بالإعدام السيدة المعتقلة “سامية شنن” في قضية أحداث كرداسة مع 182 آخرين، وكذا الحكم الأخير الصادر قبل أيام ضد الناشطة اليسارية، ماهينور المصري، بالسجن عام وثلاثة أشهر.
النساء صدر بحقهن أحكامًا من محاكم جنايات وجنح بعضها كان حضوريًا لمعتقلات وصل مجموعها إلى 114 عامًا، وأخرى كانت أحكامًا غيابية تجاوزت مئات السنوات بحق عشرات السيدات والفتيات المطاردات من قبل القوات الأمنية، أبرزها الحكم بالإعدام على سندس عاصم، إحدى العاملات بالفريق الرئاسي إبان فترة حكم مرسي في قضية التخابر مع حماس، يضاف لحكم الإعدام بحق المعتقلة سامية شنن، لتكونا الوحيدتين في مصر اللتين يصدرن بحقهن حكمًا بالإعدام، حتى الآن، بين أكثر من 1070 مواطنًا مصريًا أُحيلت أوراقهم للمفتي منذ انقلاب الـ 3 من يوليو.
هذا مع إضافة 26 فتاةً تنظر أوراقها أمام محاكم عسكرية بينهن اثنتين معتقلتين والباقيات يحاكمن غيابيًا بعد خروجهن من السجن على ذمة القضايا الملفقة إليهن، أبرزهن طالبة جامعة المنصورة، إسراء ماهر، حيث قضت المحكمة العسكرية بالمنصورة بسجنها عامين مع الغرامة المالية بـ 50 ألف جنيه، بالإضافة إلى 4 طالبات بالمرحلة الثانوية تنظر قضيتهن أمام المحكمة العسكرية بالإسماعيلية.
القتل الذي طال نحو 90 امرأةً وسيدةً في تظاهرات معارضة للنظام لم يُكتفى به من قِبل رجال الأمن في مصر ليقوموا بتعذيب الفتيات والنساء المعتقلات، حيث كان الأعنف ما تعرضن له معتقلات سجن القناطر في يونيو من العام الماضي، زاد وطأته على الطبيبة المعتقلة حينها بالسجن سماح سمير، والتي قضت حكمًا بالسجن لمدة عام، وفتيات جامعة الأزهر المعتقلات اللاتي كن حينها 13 فتاةً، وأيضًا الأختين هند ورشا منير والسيدة سامية شنن نالو النصيب الأكبر من التنكيل والتعذيب مراتٍ عديدة لإجبارهن على الاعتراف بتهم ملفقة يعقبها صدور أحكام قاسية عليهن، كما أن إجبار المعتقلات على إجراء كشوف الحمل والعذرية، أو انتهاك عرض ما يزيد عن 50 فتاةً وسيدةً كان من طرق تنكيل وإذلال السلطات المصرية لكل من تسول لها نفسها أن تعارض النظام.
وجب القول إن تلك الأرقام تقديرية وقريبة من الواقع وليست الواقع كاملًا كما هو، فهناك عشرات الوقائع المماثلة لم يتمكن العاملون في مجال حقوق الإنسان أو شاشات الإعلام وأقلام الصحافة من الوصول إليها، بسبب عملية التضييق الأمني على كل العاملين في هذا المجال، بيد أن هذه الأرقام وإن كانت تمثل جزءًا من الواقع فقط فإنها كارثية في حق النساء بمصر.