للمرة الثانية يحل أبو محمد الجولاني زعيم تنظيم جبهة النصرة في سوريا الموالي للقاعدة ضيفًا إعلاميًا على قناة الجزيرة الفضائية، ليُطلق عدة رسائل أخرى تحمل فكر التنظيم وكيفية تعامله مع حاضر الدولة السورية ومستقبلها من وجهة نظر النصرة، في اللقاء الأول فسر البعض ظهور الرجل بأنه عرضٌ لرجل دولة يعرض نفسه لمرحلة ما بعد بشار، خاصة بعد أن أصبح لجبهة النصرة دورًا رئيسيًا في قتال قوات النظام على الأرض.
الجولاني أخذ في هذا الجزء الثاني من لقائه بالحديث عن أعداء تنظيمه في سوريا والمنطقة، وموقف التنظيم منهم وكيف يتعامل وسيتعامل معهم في حال سقوط نظام بشار الأسد، فالجولاني يرى إقليميًا أن قائمة الأعداء تُسطر إيران كعدو أول، إذ يرى الجولاني أن الولايات المتحدة أصيبت بالانكفاء بعد هزيمتها في أفغانستان والعراق على يد المقاومة وفي مقدمتها بالطبع تنظيم القاعدة، ويرى أنها لم تعد لديها قدرة لإرسال جيشها للخارج كما كان من قبل، لذلك من وجهة نظره “طوعت الولايات المتحدة حاليًا إيران وأطلقت يدها في سوريا واليمن ولبنان والعراق لتستعيض بها”.
كما يقول الجولاني أن إيران حركت المليشيات الشيعية لتقاتل جبهة النصرة في سوريا، لكنها لم تدخل المعركة بجنودها حتى الآن، مؤكدًا أن إيران تهرب من مواجهة تنظيم القاعدة بجنودها وجيشها على الأرض حتى الآن وتكتفي بتلك المليشيات، كحزب الله والحوثيين من الصنيعة الإيرانية.
الجولاني وضع إيران في هذه المكانة العدائية بتفسير تاريخي، يقول فيه أن لإيران مطامع في الهيمنة على المنطقة العربية، لها جذور ممتدة منذ مقتل عمر بن الخطاب على يد أحد الفرس مشيرًا إلى أن كل ما تريد أن تفعله إيران في المنطقة هو استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية التي انتهت بظهور الإسلام، في حين أن هذا العداء ممتد حتى الآن بحسب تصريحاته، ووفق قول الجولاني فإن المعركة تسير في مصلحة ما أسماهم “أهل السنة”.
انتقل الجولاني لتصنيف الحكام العرب في خانة الأعداء أيضًا بما يدفعونه من “جزية خاصة” للولايات المتحدة على حد وصفه، حيث تسائل عن أسباب انعدام الاستثمار في الدول العربية بالرغم من وجود هذا الكم الهائل من البترول في المنطقة التي أوشك بترولها أن ينفذ بينما يزداد في الولايات المتحدة فقط.
انتقل الجولاني في حديثه عن الآخر إلى التنظيم المنشق عنه “تنظيم الدولة الإسلامية” الذي رأه الجولاني في خانة “الخوارج”، إلا أنه أكد أن النصرة لا تكفر تنظيم الدولة، وأشار زعيم النصرة إلى أن هناك انحرافات بهذا التنظيم منذ حقبة أبي مصعب الزرقاوي في العراق، والتي نفذت فيها عمليات بأسواق عامة، كذلك في هذه الحقبة تحدث الجولاني عن نكوث أبي بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة عن بيعته لأيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة، وذاك أدعى للقطيعة في وجهة نظره.
هذا ويرى أيضًا أن التنظيم يساعد النظام الأسدي والولايات المتحدة في وسوريا بقتاله للفصائل المسلحة المعارضة الأخرى، بينما لا توجد الجدية الكافية في وجهة نظره من التنظيم لمحاربة الأسد، مثلما يحدث من التنظيم في العراق الذي يقاتل بشراسة أكثر أمام المليشيات الشيعية هناك وهو ما اعترف به الجولاني لصالح تنظيم الدولة وثمّنه.
رغم هذا نفى الجولاني أي بوادر لانفراجة الأزمة بينهم وبين تنظيم الدولة وهو ما يعني عزم النصرة على استكمال القتال أمام تنظيم الدولة، وهو ما يفسره البعض بمحاولة التنظيمين الاستئثار بالبيئة الجهادية السورية، وهو ما سيمد أجل المعارك بينهما.
الجولاني تحدث عن عدوٍ آخر صنفه في لائحته وهو النظام بالطبع قائلًا أن معركة دمشق قادمة لا محالة بينما يحاول النظام نقلها إلى الساحل على حد وصفه، في حين أثار الجولاني طمأنة المسلمين على حال تنظيمه مؤكدًا أن القاعدة ما زالت تخرج أجيالًا.
وبالحديث عن منافسي النصرة عبر الجولاني عن وجهة نظر تنظيمه في جماعة “الإخوان المسلمين” بوصفها جماعة “منحرفة”؛ وسبب ذلك في وجهة نظره أنها رضيت بالرضوخ لما رآه “أوامر أمريكية” بدخول المعارك الانتخابية والرضى بالبرلمانات، بينما دعاهم إلى العودة إلى “الجهاد” ومحاربة السيسي الذي يراه انقلب على الرئيس السابق محمد مرسي بأوامر أمريكية صرفة رغم أن الإخوان لم يطبقوا الشريعة في وجهة نظره بل حاربوا المجاهدين في سيناء على حد قوله، وفي النهاية دعاهم إلى الجهاد الذي قامت عليه الحركة إبان فترة حسن البنا وسيد قطب.
أما عن منافسيه من المعارضة السياسية فقد هاجمها الجولاني بقوله إنها تنظيمات إعلامية لا وجود لها على أرض الواقع، بل جل تواجدها في فنادق الخارج وفقط، مؤكدًا على عدم صلاحيتها للقيام بدور في الثورة السورية الحالية، بذلك يصنف الجولاني الساحة بين أعداء سيقاتلهم وبين منافسين لا يرضى عن منهجهم على الأرض في سوريا، وهو بذلك يرى أنه يقدم شرحًا وافيًا لمنهج النصرة وموقفهم من التنظيمات الأخرى على الأرض في سوريا التقليدية منها كحركة الإخوان المسلمين والقومية كالحركات السياسية المعارضة، والجهادية المتناحرة معه.
سعى الرجل في حديثه إلى التأكيد على عدم سعي النصرة للحكم في سوريا، بينما أكد أن شرط قبولهم بالحكومة القادمة أن تكون “إسلامية” بغض النظر عمن يترأسها، وهي لا شك طمأنة يبثها التنظيم للخارج والداخل، فهذا اللقاء بجزئيه كان بمثابة إعلان وترويج واضح لهوية النصرة في سوريا وماذا تريد وما موقفها من مختلف التيارات على الأرض التي صنفه التنظيم كمقاتلين أعداء ومنافسين محتملين، عارضًا بذلك النصرة كبديل موجود على الساحة حال سقوط بشار، مؤكدًا أن التنظيم برغمم انتمائه للقاعدة فإنه سيظل رقمًا في المعادلة السورية القادمة لا محالة، وقد أرسل برسالة إلى اللاعبين في سوريا إقليميًا ودوليًا أن النصرة لن تكون خارج معادلة الحل السوري، ولا ينفي أحدًا أن اللقاء كان تلميعًا بشكل أو بآخر للجولاني، الذي وعد بظهور بوجهه في أقرب فرصة ممكنة تكون وقتًا مناسبًا.