يمكن القول ان الانتخابات البرلمانية التركية المزمع اجراءها في السابع من يونيو ليست كغيرها من الانتخابات التي شهدها تاريخ الجمهورية التركية عموما وبشكل ادق ليست كغيرها من التجارب الانتخابية التي شهدها حزب العدالة والتنمية منذ 2002, كما ان اهميتها لا تاتي من كونها حدثا مهما يترك تاثيراته على السياسات والاستراتيجيات كما في الديمقراطيات الحديثة فحسب , بل ان اهميتها متاتية من النتائج التي ستترتب عليها سواءا التحولايات الداخلية التاريخية التي تنتظر اجتيازها او تلك المتعلقة بدور تركيا الشرق اوسطي بشكل عام .
اهمية الانتخابات التركية:
ما يميز هذه الانتخابات هو الحيز الذي تشغله في ادراك حزب العدالة والتنمية وعلى وجه الخصوص الرئيس رجب طيب اردوغان , اذ ان هذه الانتخابات ترتبط بالخطوة الاخيرة التي ستقرب الحزب واردوغان من تحقيق مشروعه الذي خطط له منذ توليه للحكم في 2002 , وعلى الرغم من ان التوقعات كلها تذهب الى فوز حزب العدالة والتنمية الا انها تاتي في سياق اوسع تعرض له الحزب لهجمة شرسه من معارضيه الداخليين وبعض حلفاءه كادت تشكل خطر يتهدده , فمن التحركات المتعلقة باحداث تقسيم والهجمات على السفارة الامريكية , الى تحركات ما عرف ” بالدولة الموازية ” وحركة كولن الى تحركات بيروقراطية الدولة العميقة , تصدى الحزب لهذه التحركات التي استهدفته في سياق سيولة التحولات التي تشهدها المنطقة عموما , وربما يمكن القول بان هذه الانتخابات ستكون الاختبار الاخير الذي سيشهده الحزب ازاء كل خصومه المتعددين .
اضافة الى البيئة التي تجري فيها الانتخابات البرلمانية هذه , تاتي اهمية هذه الانتخابات في ان الحزب واذا ما حصل على اغلبية مقاعد مريحة ستكون الخطوة الاخيرة التي سيشرع بعدها الحزب من تنفيذ طموحه ومشروعه السياسي سواءا فيما يتعلق بعملية السلام مع حزب العمال الكردستاني الـ PKK والتسوية النهائية للقضية الكردية في تركيا , اوما يتعلق بتغيير شكل النظام السياسي المبني على دستور 1982 الذي وضعه الانقلاب العسكري الذي قاده كنعان ايفيرين , عبر تمكنه من سن دستور جديد للبلاد يغير شكل النظام من نظام برلماني الى نظام رئاسي تبعا لمشروع الرئيس اردوغان وهو ما يعني ان الحزب سيسعى وعبر هذه الانتخابات الى تشييد الجمهورية التركية الثالثة .
تداعيات الانتخابات على الدور التركي في العراق وسوريا:
ان السؤال الاهم هو ما علاقة الانتخابات النيابية التركية بدور تركيا في الشرق الاوسط ؟ وبشكل اكثر خصوصا هو ما مدى تاثير الانتخابات على دور تركيا في العراق وسوريا اللذان يمثلان الحزام الاكثر مساسا بتركيا بشكل مباشر ؟ ولعل الجواب على هذا السؤال يتطلب التعرف على الدور التركي في المنطقة وتعرجاته , فتركيا دولة تمتلك عمقا جغرافيا وتاريخيا اهلها لان تكون احدى الدول الكبرى اقليميا, بيد ان هذه الخصائص لم تؤهل تركيا للعب دورها الطبيعي في المنطقة بسبب الذهنية الاستراتيجية التي كانت تحكم تركيا الكمالية , فمع التوجه للغرب ظلت تركيا ولعقود بعيدة عن الشرق الاوسط الا من ادوار ومشاركات طفيفية في احداثه الدينامية المستمرة , ومع تولي حزب العدالة والتنمية للحكم منذ العام 2002 تغيرت الذهنية الاستراتيجية لتركيا , وحاول الحزب عبر منظر سياستها الخارجية احمد داوود اوغلو العودة بتركيا الى حاضنة الشرق ولعب دور اساس في العالم الاسلامي عموما الذي هي جزء منه , كما ان ادراك اهمية الشرق الاوسط واعتباره الحديقة الخلفية لتركيا التي لا غنى لها عنها , دفعها لان تكون دولة شرق اوسطية اكثر من اية دائرة اقليمية بالنسبة لها .
ولقد بدا الدور التركي يتعاظم في المنطقة المستند على ركائز اساسية منها سياسة تصفير المشاكل , ودورها الذي اضطلعت به في القضية لفلسطينية , وكذلك محاولة تاسيس دور تركي في العراق منذ العام 2006 , وكان من مخرجاته ان عقدت تركيا ما يربو على الخمسين اتفاقية مع سوريا وعقدت اكبر اتفاقية استراتيجية شاملة مع العراق في 2008 , وزادة حجم التبادل التجاري مع دول الخليج , حتى تحول دورها الى محور اساسي في المنطقة وشريك للقوى الدولية في المنطقة .
هذا الدور تعرض لاختبار شديد اضطر تركيا الى تبديل الاولويات وهو المتعلق باندلاع الربيع العربي , واذا ما كانت تركيا مرحبة لبعض تلك الثورات ومتحفظة على بعظها بتردد , الا انها وجدت نفسها امام تحدي مباشر يمس امنها القومي ذلك المتعلق بتطور الاحداث في سوريا واخذها لمسار فوضى العنف , وباستضافتها لعدد كبير من النازحين فضلا عن وجود اطول حدودها البرية مع سوريا البالغة 822 كم, صار انتهاء حكم بشار الاسد مصلحة تركية حيوية , الذي بات يشكل كابوسا للاستقرار الداخلي لها والذي يعد ماكينة تقدمها المتنامي .
اتون الفوضى هذه التي ادخلت المنطقة في سياسة المحاور, دخلت تركيا بشكل نشط محور قطر مصر السعودية المناهض لمحور نظام بشار وايران , بيد ان ذلك المحور تعرض لانكسار حاد تمثل بالانقلاب على الرئيس مرسي وتغير البوصلة السعودية نحو مصر بدلا من سوريا وانعزال قطر , كله ترك بالنتيجة تاثيرا كبيرا على الدور التركي اذ وجدت تركيا نفسها تعاني عزلة في المنطقة بعد التقاطع في السياسات مع دول الخليج وتحديدا السعودية في التعاطي مع الانقلاب في مصر , كما ان الاشارات التي تلقتها تركيا من خلال احداث ميدان تقسيم والتحرك الداخلي للخصوم الداخليين الذي وصفته حكومة العدالة والتنمية بـ ” المؤامرة الخارجية ” جعل تركيا تتراجع خطوة الى الوراء في دورها في المنطقة حتى بدت تظهر وكانها غائبة عن المنطقة , وهو ما عبر عن هشاشة تركيا في المنطقة نتيجة الادراك الذي كان يحكم مؤسس الجمهورية التركية تجاه الشرق الاوسط .
ومع دخول داعش للمعادلة وسيطرته على مناطق شاسعة في العراق وسوريا , شهدت البيئة الدولية والاقليمية حراكا واسعا لتشكيل تحالف دولي لمواجهة خطر هذا التنظيم ولاعادة ترتيب الاوراق الاقليمية على نحو جديد , الا ان تركيا التي شاركت في مباحثات تشكيل التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش , فاجئت الجميع بتحفظها على المشاركة في التحالف مما عزز عزلة تركيا بشكل كبير في المنطقة .
ولقد كان لتركيا اسباب في عدم مشاركة التحالف , فازاء عدم استفزاز داعش لتركيا كونها تمتلك جيشا كبيرا وعضوا في الناتو وتمتلك مطارات قريبة على الحدود السورية والعراقية , كانت لتركيا ايضا مصلحة في عدم مواجهة التنظيم , فمع الحدود الطويلة بين تركيا وسوريا , ومع وجود 1,5 مليون لاجئ سوريا وتدفق لاجئين عراقيين اليها , خشيت تركيا وتحديدا العدالة والتمية من ان يؤدي استفزاز داعش الى تنفيذها لهجمات انتقامية داخل تركيا تقوض الاستقرار الداخلي لتركيا وهو ما يعني ان تستغله المعارضة التركية في تقويض فرص الحزب في الانتخابات النيباية القادمة .
وللاهمية القصوى التي يوليها حزب العدالة والتمنمية للانتخابات فقد حرصت على عدم المواجهة المباشرة مع تنظيم داعش قبل الانتخابات مستذكرة الغضب الشعبي العارم نتيجة الخسائر التي وقت من مشاركة تركيا دول الناتو في الحرب الكورية 1952 , كما قامت بنقل رفاة مؤسس الدولة العثمانية سليمان شاه الى منطقة اخرى داخل سوريا على اعتبار ان هذه الارض تتبع وفقا لاتفاقية لوزان للحكومة التركية وبعد جر التنظيم الاردن للمواجهة بعد حرقه للطيار الاردني معاذ الكساسبة , ولذلك فان اجتياز العدالة والتنمية للانتخابات البرلمانية سيتحرك بتركيا ليكون لها دور جديد في المنطقة في العراق وسوريا , ولقد كان شروع تركيا بانشاء قاعدة عسكرية تركية للتدريب في قضاء الشيخان شمال غرب مجينة الموصل و وتصريح وزير الخارحية التركي الي ان تركيا اتفقت مع الولايات المتحدة على تقديم دعم جوي تركي لبعض فصائل المعارضة السورية والتقارب السعودي التركي يبين ملامح الدور الذي ستظطلع به تركيا الجديدة في الشرق الاوسط , بعد اجتياز الانتخابات البرلمانية القادمة .