لولا مصر وشعبها الذي خرج بالملايين لمكافحة الفاشية الدينية في 30 حزيران/يونيو لكان للمنطقة شأن آخر، ولم نكن نستطيع أن نترك بلدا به 90 مليونا لأن الأوضاع لو كانت قد تطورت أكثر من ذلك، لكانت ستصبح مجرد دولة للاجئين، وكنتم ستضطرون لإرسال المساعدات بالطائرات ولن تستطيعوا النزول على أرض مصر.
ما زال عبد الفتاح السيسي يعزف على نفس الوتر، يواجه أي انتقادات عن الانتهاكات الجسيمة التي يقوم بها نظامه بالإجابة المعتادة، “أنتم عارفين الإخوان كانوا هيعملوا فينا إيه؟”، ويبذل مجهودا كبيرة لإقناع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بأن المصريين جميعهم سعداء به وبسياساته.
صدقي السيسي أيتها المستشارة ولتتوسطي له عند أوروبا كلها لتصدقه، راقبي تصفيق الإعلاميين المصريين المرافقين لكل جملة تخرج منه لتتأكدي أن النخبة تؤيده، انظري من نافذة سيارتك على الممثلين الذين يحملون صوره على جانب الطريق لتلمسي الشعبية الجارفة التي يتمتع بها، واقرأي الأخبار المنشورة عن اختفاء فتاة اسمها إسراء الطويل لتعرفي كيف أنقذنا الرجل من الفاشية والاستبداد.
القصة حسبما ترويها آلاء الطويل، أن شقيقتها توجهت، الاثنين 1 حزيران/يونيو بصحبة اثنين من زملائها إلى كورنيش النيل بمنطقة المعادي لتناول العشاء، لكنهم لم يعودوا جميعا إلى الآن بالإضافة إلى غلق تليفوناتهم المحمولة، ورغم توجه الأسرة لكل أقسام الشرطة القريبة من المنطقة، فإنهم لم يعثروا لهم على أثر.
أما الأب المضطرب الخائف على ابنته فقال في تدوينه على صفحته الشخصية، إن الاختفاء القسري دون أي مبرر غير مقبول لا دستوريا، ولا دينيا ولا أخلاقيا، فما بالك إذا كان هذا الإخفاء لإنسانة عاجزة لا تستطيع أن تمشي وحدها دون الاستناد على آخرين، ولا تملك إلا كاميرا تلتقط بها بعض الصور؟
أيتها المستشارة، إذا كنت عرفتي فتوح أحمد، ومحمد الصاوي فأنت بالطبع سمعت عن حملة اسمها “الحرية للجدعان”، هذه الحملة تقول إنها رصدت ووثقت 99 حالة اختفاء قسري واحتجاز دون تحقيق منذ مطلع نيسان/أبريل الماضي بمختلف المحافظات، بينهم 37 حالة ظهرت لاحقا بعد احتجازها لفترة دون وجه حق، بالإضافة إلى اختطاف وقتل الطالب بهندسة عين شمس إسلام عطيتو ، الذي يجب أن تستعيني بموقع “جوجل” لتعرفي قصته وتعرفي معها كيف أنقذنا السيسي من الفاشية وأقام دولة القانون والعدل.
***
شباب الأحزاب ممنوعون من السفر دون تهمة، بينما أحمد موسى في الطائرة الرئاسية وهو الصادر ضده حكم نهائي، عصام حجي المصري الذي يعمل في ناسا متهم بالعمالة وهاني عازر المصري الذي أسس محطة قطارات برلين في مكان ما، بينما يسرا وإلهام شاهين في برلين للمشاركة في المحادثات، ماهر ودومة وعلاء وماهينور وسناء في السجن بتهمة التظاهر وأبناء مبارك يتظاهرون دون تصريح ويعتدون على مصابي الثورة ويعودون لمنازلهم.
الرئيس الذي يقول إنه ممثل لثورة يناير، يحبس كل شبابها ويصطحب من سبوها وأهانوها على طائرته، ذكرى 30 حزيران/يونيو في مؤتمره مع ميركل، وبالغ في احترامها ولم ترد كلمة يناير على لسانه مرة واحدة، تتضح انحيازاته كل يوم أكثر، ولا يترك للواقفين في المنتصف أي فرصة ليثبتوا أنه بالإمكان الوقوف إلى جانبه والدفاع عن الثورة في نفس الوقت.
اختطاف “إسراء” وأصدقائها، ومن سبقوهم ومن سيلحقوا بهم يكشف مدى ضعف هشاشة نظام يملك كل شيء ويخاف من فتاة عشرينية نصف معاقة لا تملك إلا كاميرا وصفحة على “فيسبوك”، يزعم أن شعبيته جارفة وترتعد فرائصه من حملة شبابية للإفراج عن المعتقلين، ينافقه مئات السياسيين والخبراء والإعلاميين والفنانين، ويمنع القنوات من استضافة صوت واحد معارض، يعرف أنه يبيع الوهم للناس لذلك لا يريد لأحد أن يفضح سلعته.
***
سيعود السيسي من ألمانيا وينفض المولد، ستلحق النتائج التاريخية للزيارة بنتائج زيارات روسيا وإيطاليا وأمريكا، لن يشعر الشعب بأي تحسن في أي ملف وسيظل أقطاب النظام يتحدثون عن الإرهاب والإخوان وعظمة 30 حزيران/يونيو، ستظهر “عصافير” جديدة تلهي الشعب عن فقره ومعاناته وسيبحث السيسي عن زيارة تاريخية جديدة في رحلة مطاردة الأمل الكاذب.
جرب من سبقوكم الخطة نفسها وأسقطتهم، فلتستمروا في تجريبها ولتنتظروا نتائج مختلفة!
نُشر هذا المقال لأول مرة في موقع عربي 21