يبدو أن شعار عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية، في محاربة الفساد، والذي أعلن عنه في لقاء تلفزيوني، قد لاقى فشله الذريع في تحقيق الهدف المنشود، لأن المفسدين لن يرتدعوا إطلاقًا من “عفا الله عما سلف”، وأعلن بنكران في لقاء حزبي مطلع السنة الجارية أن الحكومة نجحت في استعادة 2.85 مليار دولارًا من الأموال المهربة إلى الخارج خلال عام 2014، فهل يبدو هذا الرقم مثيرًا للاهتمام بالمقارنة مع حجم رؤوس الأموال التي تدفقت خارج المغرب طيلة العقد الماضي؟
ارتفاع الحصيلة
ذكر تقرير سابق للجنة الأمم المتحدة لأفريقيا أن المغرب فقد بين سنتي 1970 و2008، 33.9 مليار دولار من أمواله التي هُربت إلى الخارج؛ واحتل بذلك المرتبة الرابعة على مستوى القارة، وسجل قطاع الآلات والمعدات الكهربائية 82.7% من مجموع الأموال المهربة، احتل المغرب المرتبة الأولى فيها بنسبة 51%، ويؤكد التقرير أن نفس الأمر ينطبق على الأسماك والقشريات بنسبة 31.4%، في حين بلغت نسبة الأموال المهربة في قطاع الخضراوات 10.7%.
كما كشفت دراسة لمؤسسة النزاهة المالية العالمية، أواخر العام الماضي، عن تدفق حوالي 10 مليار دولار من الأموال غير المشروعة خارج المغرب بين سنتي 2003 و2013، استهدفت تشجيع الجريمة والفساد والتهرب من دفع الضرائب، التي تستنفذ 991 مليار دولارًا سنويًا، من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بما فيها المغرب، الذي يُعد واحدًا من أفقر المناطق حول العالم، ليحتل بذلك، وفق الدراسة، المركز الـ59 عالميًا بالنسبة لأكبر متوسط التدفقات المالية غير المشروعة، حيث سجل 998 مليون دولارًا غير مصرح به في السنوات التسع الماضية.
ويعد ضعف المراقبة الجمركية أحد الأسباب التي تُسهم بشكل غير مباشر في سهولة تهريب الأموال من المغرب إلى الخارج، وهو ما كشفته النزاهة المالية العالمية، التي دعت الحكومة المغربية إلى تشديد المراقبة الجمركية وتكوين رجال الجمارك تكوينًا، يسمح لهم بكشف التلاعب والتزوير في الفواتير، من أجل الحد من تهريب رؤوس الأموال الذي يضيع على المغرب مبالغ مالية كبيرة.
لعل السؤال الذي يتوجب على الحكومة المغربية أن تطرحه على نفسها هو: لماذا لم تذهب إلى مطالبة الدول الأوربية، وخاصة سويسرا وبريطانيا، بمدها بالحسابات البنكية للمغاربة كما فعلت دول أوربية أخرى، ونجحت في استرجاع ملايين الدولارات مثل فرنسا؟
عفو حكومي
تستنفر الحكومة المغربية كل جهودها، بغية صد عمليات تهريب الأموال إلى الخارج، لا سيما في شأن العمليات المعقدة والمتطورة في تهريب الأموال، إذ أقرت في قانون المال الجديد، بإعفاء المهربين المغاربة لأموالهم من العقوبة، مقابل استرجاعها ليستنفع منها الاقتصاد المغربي، وكانت العقوبات والغرامات على تهريب الأموال خارج البلاد تصل إلى ستة أضعاف المبلغ الذي يتم تهريبه، بالإضافة إلى عقوبة الحبس ما بين شهر وخمس سنوات، وذلك في حالة إحالة ملف صاحب الأموال المهربة إلى القضاء.
ومازال مكتب الصرف، ضمن تعديلاته الأخيرة، يعمل على إقناع المغاربة الذين يمتلكون أموال في الخارج أن يصرحوا بها، إذ إن الأشخاص الراغبين في التصريح بأموالهم بشكل عفوي، بعد انتهاء مهلة العفو الحكومي، سيكون عليهم أداء غرامة نسبتها 15% من مجموع الأموال والممتلكات التي يمتلكونها في الخارج، عكس نسبة 10%، والتي كانت مقترحة خلال مدة العفو الحكومي على مهربي الأموال.