أزمة قوية تلك التي تعيشها جماعة الإخوان في الفترة الحالية، أزمة لم تحدث من قبل، منذ أن حدث التصارع على قيادة الجماعة في الخمسينات حينما كان المستشار حسن الهضيبي هو المرشد حينها.
الظرف الذي تعيشه الجماعة منذ انقلاب العسكر في الـ 3 من يوليو ظرفًا استثنائيًا، وطبيعي أن يفرز ذلك الظرف الاستثنائي وضعًا استثنائيًا، كل العوامل اجتمعت على الجماعة لتصب جميعها في ناحية أن تحدث أزمة في القيادة، وقد كان غريبًا ألا تحدث هذه الأزمة إلى الآن، وقد شارفنا على العامين الكاملين منذ الانقلاب العسكري.
لقد كان السؤال الأكبر هو، كيف ستدار جماعة بهذا الحجم في ظل هذا الظرف القاتل، وفي ظل غياب أغلب قياداتها، ما بين شهيد وسجين وطريد ومطارد؛ كل قيادات الصف الأول والثاني والثالث لم تعد موجودة تقريبًا على ساحة العمل الإخواني، كانت الغرابة في بقاء هذا الجسد الكبير في حركته دون رأس واضح يرتب للجسد حركته، ويوزع هذه الحركة بين أعضائه، كل حسب مكانه وقدرته ووظيفته.
قام بعض قياديي الجماعة باختيار قيادة جديدة لتقود الجماعة وحراكها الثوري، وذلك في أوائل عام 2014، وهنا تكون الأسئلة: كيف أُجري هذا الاختيار؟ وهل هذا الاختيار يؤسس لقيادة جديدة شاملة أم لقيادة استثنائية لظرف استثنائي؟ وهل لهذه القيادة أن تتخذ قرارات وتوجهات تخالف الأصول التي بنيت عليها الجماعة من الأساس؟ وهل للقيادة الطبيعية القديمة، أو بتعبير أدق للباقين من القيادة القديمة، حق في متابعة القيادة الجديدة وتوجيهها إذا لزم الأمر؟ وللإجابة على هذه الأسئلة اجتهادات وتأويلات، واختلاف هذه التأويلات والاجتهادات هو سبب الإشكال الكبير.
مضت القيادة الجديدة لأكثر من عام في تولي الأمور، ومنذ أول بياناتها ظهر أنها قيادة أميل إلى الفعل الثوري، وأنها قيادة غير مقتنعة بالبقاء في دائرة التظاهر السلمي فقط، بل تسعى إلى شيء من العمل الثوري الثائر، الذي يثأر لاغتصاب النساء في السجون، ولقتل المتظاهرين في الشوارع، ولقتل المساجين في سجونهم إهمالًا وتعذيبًا.
بدأت تظهر حركات تحت مسميات مختلفة؛ العقاب الثوري، وإعدام، وغيرها، وبدأت بعض العمليات النوعية في قتل بعض عتاة المجرمين من رجال الشرطة والبلطجية، ولم يكن كل هذا ليشكل الهاجس الأكبر الذي يثير الريبة والتوجس في نفوس قيادات الإخوان القديمة، بل وفي نفوس كثير من جموع الإخوان، إنما كان الانجرار إلى عمل مسلح شامل ضد ميليشيات الانقلاب هو هذا الهاجس، بدت القيادة الجديدة مفتوحة الخيارات إلى أبعد حد، كل بياناتها تشير إلى ذلك، ومن هذه الخيارت العمل المسلح الشامل.
هنا جاء دور القيادة القديمة في الظهور والحديث؛ ظهر الدكتور محمود غزلان المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان، لأول مرة منذ الانقلاب، ليؤكد على سلمية جماعة الإخوان في أصولها المنهجية وفي اختيارها الحركي الآني لمواجهة الانقلاب الغادر، ثم جاء من بعده تصريح الدكتور محمود حسين، الأمين العام للجماعة، ليؤكد على نفس المعنى، وليحدث الهزة الكبيرة والضجيج الشديد بتأكيده على أن الدكتور محمود عزت، نائب المرشد العام، هو القائم بأعمال المرشد حاليًا حسب اللوائح، وأنه لا تغيير في قيادة الإخوان، ثم ذيل بيانه بتأكيده على أنه الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين.
خرج بعدها محمد منتصر المتحدث باسم الإخوان في الإدارة الجديدة ببيان شديد، يؤكد فيه على أن إدارة جديدة هي التي تتولى قيادة الإخوان في هذه المرحلة، وأن الدكتور محمود حسين لم يعد أمينًا عامًا للجماعة، وأن الخيار الثوري هو الخيار الذي لا تراجع عنه أبدًا، حتى إنه قال في أحد مداخلاته الفضائية بعد ذلك، موجهًا حديثه لعموم الإخوان، “لو رأيتم الجماعة تتخلى عن النهج الثوري فلا تتبعوها”.
وهنا بدأت الفاجعة، وبدأت التساؤلات أيضًا؛ هل الصراع الحالي هو صراع على القيادة فقط، أم أنه صراع على التوجه، أي صراع بين السلمية والثورية؟
الصراع كما يبدو لي هو صراع على القيادة، وفي باطنه صراع على التوجه والإستراتيجية، صرح الدكتور محمود حسين مؤخرًا أن القيادة الجديدة ما هي إلا مكتبًا لإدارة الأزمة، وهو مكتب منذ إنشائه والاتفاق مبرم على تبعيته لمكتب الإرشاد الطبيعي، ولمكتب الإرشاد الطبيعي القديم أن يقيل مكتب إدارة الأزمة متى أراد.
الإدارة الجديدة مصرة على شرعيتها، بل وتسعى إلى أبعد من ذلك، تسعى لإجراء انتخابات شاملة، لتختار فيها مجلس شورى جديد ومكتب إرشاد جديد، ولست أدري كيف تجرى كل هذه الانتخابات في هذا الوضع الشائك المضطرب، وهل ستكون انتخابات صالحة دقيقة، وأين الذين سينتخبون وهم مسجونون ومطاردون ومطرودون.
حل هذه المشكلة لا يكون – في رأيي – إلا بأن يخرج بيان من المرشد العام الدكتور محمد بديع من محبسه، مع الأخذ في الاعتبار أن الطرفين المتصارعين يقران بأن الدكتور بديع هو المرشد الباقي في منصبه؛ يخرج هذا البيان ليحسم الجدال بلا ريب، ويبين القيادة الشرعية الحالية في الجماعة، ولن تجد بعد هذا البيان إلا إذعانًا من جموع الإخوان، فمازال الجسد الإخواني متمتعًا بهذا الانضباط التنظيمي الكبير، ثم على الإخوان أن يحسموا أمرهم في توجهاتهم الثورية، عليهم أن يؤكدوا على أن سلميتهم لا حياد عنها أيًا كانت القيادة، ففي العمل المسلح دمار للبلاد والعباد، ودمار لجماعتهم ولقضيتهم من قبل.