أمجد البطولات الأوروبية
فكرةٌ جريئةٌ دارت في خلد صحفيٍّ فرنسيٍّ بارزٍ يُدعى غابرييل هانو، صارت اليوم حدثًا بارزًا ينتظره الملايين حول العالم بشغف، الفكرة تحولت إلى إعلان، والإعلان أسفر عن اجتماعات، والاجتماعات تمخّضت عن صدور النظام الداخلي لأول بطولةٍ تجمع أندية القارة الأوروبية قاطبةً، إنها بطولة دوري أبطال أوروبا: أمجد وأهم البطولات الأوروبية والعالمية على صعيد الأندية.
عام 1955 شهد انطلاق أول مواسم هذه البطولة وكانت حينها تحمل اسم “كأس عصبة الأبطال”، واستطاع نادي ريال مدريد الإسباني الظفر بأول ألقابها، وتتابعت مواسم هذه البطولة بكل نجاح ترتقي بأبطال جدد أو تجدّد بطولات القدامى كل عام، وشكّل مطلع موسم 1992-1993 علامةً فارقة في تاريخ هذه البطولة، إذ جرى توسيعها لتشمل أصحاب المراكز الثلاثة أو الأربعة الأولى من الدوريات الأوروبية الكبرى بعد أن كانت تقتصر على أبطال تلك الدوريات حصرًا، لتتّخذ منذ ذلك الحين شكلها الحالي تحت مسمى “دوري أبطال أوروبا” (الشامبيونز ليغ)، والتي نشهد اليوم نسختها الـ 60 –الـ 23 بشكلها الحالي -، وقد وصلت إلى محطّتها النهائية.
جديرٌ بالذكر أن ريال مدريد ينفرد بالرقم القياسي في الفوز بهذه البطولة برصيد 10 ألقاب، كان آخرها العام المنصرم بفوزه في نهائي لشبونة على جاره المدريدي أتلتيكو، ويليه ميلان الإيطالي بسبعة ألقاب، ثم كل من بايرن ميونيخ الألماني وليفربول الإنجليزي بخمسة ألقاب لكل منهما.
طرفا نهائي الحلم
سيجمع نهائي هذا العام الفريقين الأنجح في أوروبا لهذا العام، فكل منهما استطاع تحقيق ثنائية الدوري والكأس محليًّا، وهما يتطلعان بتوقٍ لإكمال مسيرتهما الرائعة هذا العام وترصيعها بالتاج الأوروبي الثمين، وما هما عنه بغريبين، فكلٌ منهما سبق أن خاض سبع مباريات نهائية في هذه البطولة من قبل، فنجح برشلونة في الظفر بأربعة ألقاب مقابل لقبين ليوفنتوس، حيث استطاع البارسا حمل اللقب أعوام: 1992 على حساب سامبدوريا الإيطالي بهدف كومان الثمين، و2006 على حساب أرسنال الإنجليزي بهدفين لهدف، و2009 على حساب مانشستر يونايتد الإنجليزي بهدفين نظيفين، وآخر ألقابه كان عام 2011 على حساب مانشستر يونايتد أيضًا بعد فوزه عليه بثلاثة أهداف لهدف، فيما فشل في تجاوز النهائي أعوام 1961 و1986 و1994.
بدوره يوفنتوس استهلّ ألقابه في المسابقة عام 1985 على حساب ليفربول بهدف نجمه بلاتيني، وثانيها عام 1996 على حساب أياكس الهولندي بركلات الترجيح، فيما خسر النهائي خمس مرات أعوام 1973 و1983 و1997 و1998 وأخيرًا عام 2003 بسقوطه أمام جاره الميلان بركلات الترجيح.
أما على صعيد المواجهات المباشرة بين الفريقين، فيذكر تاريخ البطولة بأنهما التقيا مرتين ذهابًا وإيابًا، أولهما في ربع نهائي موسم 1985-1986، حيث تأهل البارسا بفوزه ذهابًا في النيوكامب بهدف وتعادله بهدف لمثله في تورينو، وثانيهما في ربع نهائي موسم 2002-2003، وحينها رد اليوفي الدين لغريمه بإقصائه من البطولة بعد التعادل بهدف لمثله في تورينو والتفوق في النيوكامب بهدفين لهدف بعد التمديد.
الطريق إلى النهائي
لم يكن طريق الفريقين نحو نهائي الحلم مفروشًا بالورود، فقد واجه اليوفي مخاضًا عسيرًا في الدور الأول بعد تعرضه لهزيمتين خارج ملعبه أمام كل من أولومبياكوس اليوناني وأتليتكو مدريد الإسباني بهدف وحيد، مقابل تحقيقه لثلاثة انتصارات منهما اثنين على مالمو السويدي بهدفين وآخر على أولومبياكوس بنتيجة 3-2، قبل أن يتعادل مع الأتليتكو بدون أهداف، ليحتل المركز الثاني في مجموعته برصيد 10 نقاط بعد المتصدر أتليتكو مدريد، وتضعه القرعة في مواجهة بروشيا دورتموند الألماني في الدور الثاني، حيث نجح اليوفي في تجاوزه بكل جدارة بعد تحقيقه انتصارين ذهابًا بهدفين لهدف وإيابًا بثلاثية نظيفة، قبل أن يواجه مفاجأة البطولة موناكو الفرنسي في دور الربع فيقصيه بصعوبة بعد فوزه ذهابًا بهدف في تورينو وتعادله إيابًا بدون أهداف، ليجد نفسه في الدور نصف النهائي وجهًا لوجه أمام بطل النسخة الماضية من البطولة ريال مدريد، فينجح في إقصائه بكل جدارة بعد فوزه عليه بهدفين لهدف في تورينو وتعادله بهدف لمثله في مدريد.
أما برشلونة فقد استطاع تصدر مجموعته في الدور الأول برصيد 15 نقطة حصدها من فوزه بخمسة من لقاءاته الستة، على كل من أبويل القبرصي مرتين بواقع 1-0 و4-0، وعلى أياكس أمستردام الهولندي مرتين أيضًا بواقع 2-0 و3-1، وعلى باريس سان جيرمان الفرنسي بنتيجة 3-1 في النيوكامب رد به هزيمة الذهاب في البارك دي برانس بنتيجة 3-2، وفي الدور الثاني تواجه مع بطل إنجلترا مانشستر سيتي، فلم يجد صعوبة تذكر في إقصائه بعد فوزه عليه ذهابًا في ملعبه بهدفين لهدف وإيابًا في النيوكامب بهدف، وفي ربع النهائي تجددت مواجهته مع باريس سان جيرمان، فتخلص منه بسهولة بعد فوزه عليه بثلاثة أهداف لهدف في باريس وبهدفين نظيفين في النيوكامب، قبل أن يلاقي خصمه البافاري العنيد بايرن ميونيخ في نصف النهائي فيكتسحه ذهابًا في برشلونة بثلاثية بيضاء جعلت خسارته إيابًا بنتيجة 3-2 غير مؤثرة على تأهله الجدير إلى النهائي.
نظرة تحليليّة
لم يعتمد الإيطالي ماكسيميليانو أليجري مدرب يوفنتوس على خطة واحدة ثابته خلال مواجهاته السابقة بكأس الأبطال، فقد تنقّل بين خطته المتوازنة 4-4-2، وخطة سلفه كونتي الدفاعية 3-5-2 التي تتحول إلى 5-3-2 في أغلب الحالات، وخاصة عندما يريد الحفاظ على النتيجة كما فعل في مباراتي نصف النهائي أمام الريال، وقوام خطته الأولى دفاع صلب يقوده الثنائي كيليني وبونوتشي ومن خلفهما الحارس الأسطوري بوفون، وعلى الظهرين نجد كل من السويسري ليختشتاينر والفرنسي الخبير إيفرا، أما في خط الوسط فيلعب أليجري بطريقة الصندوق معتمدًا على رباعي قوي يمتلك القدرة على الدفاع والهجوم معًا بقيادة المايسترو بيرلو، ومعه كل من الحرّاث التشيلي فيدال والموهوب الفرنسي بول بوغبا، وينضم إليهم أغلب الأحيان اللاعب التكتيكي ماركيزيو الذي يجيد اللعب في أغلب مراكز خط الوسط، أما في حالة الـ 3-5-2 فيسحب أليجري أحد لاعبي رباعي الوسط ليضيف مدافعًا ثالثًا في العمق الدفاعي – على الأغلب الخبير بارزالي أو الشاب أوغبونا – ويعطي بالمقابل للظهيرين حرية أكبر في التقدم على الأطراف، وفي المقدمة نجد كل من الهداف الآرجنتيني الخطير تيفيز – الذي يتصدر قائمة هدافي اليوفي في المسابقة برصيد سبعة أهداف – وإلى جانبه الإسباني الصاعد ألفارو موراتا الذي استطاع انتزاع المركز الأساسي من مواطنه يورينتي.
على الجانب الآخر، نجد مدرب برشلونة الإسباني الشاب لويس إنريكة يعتمد على خطّةٍ ثابتة، رسمُها 4-3-3، لم يغيّرها غياب بعض اللاعبين وإصابة بعضهم الآخر خلال مراحل الموسم، فالبدائل موجودةٌ وعلى أعلى مستوى، بدءًا بمركز حارس المرمى الذي يشغله الألماني الشاب تيرشتيغن في كأس الأبطال على حساب التشيلي المتألق برافو أفضل حارس في الليغا، ومن أمامه رباعي خط الظهر الذي يتألف من البرازيلي الماهر داني ألفيش والأرجنتيني الخبير ماسكيرانو والصخرة بيكيه والمكوك الطائر جوردي ألبا، وفي خط الوسط يعتمد على ثلاثي يميل إلى المهام الدفاعية قوامه: ملك التكتيك سيرجيو بوسكيتس، وأمامه كل من الكرواتي القوي راكيتيتش والرسام الرائع إنييستا، مع تواجد شبه دائم للمايسترو المخضرم تشافي – الذي قد يلعب النهائي أساسيًا في حال تأكدت إصابة إنييستا -، وفي الخط الأمامي نجد ثلاثي (م س ن) المبهر: ميسي – سواريز – نيمار، الذين يمتازون بالقدرة على تبادل الأدوار والتحوّل بين مراكز الهجوم الثلاثة، مما يجعل مهمة مراقبتهم والحد من خطورتهم شبه مستحيلة، فقد سجلوا مجتمعين 25 هدفًا في 12 مباراة لفريقهم في كأس الأبطال هذا الموسم، بواقع عشرة أهداف للأسطورة الأرجنتينية الحيّة ميسي وضعته في صدارة هدافي البطولة الحالية إلى جانب البرتغالي رونالدو، وتسعة للبرازيلي الفنّان نيمار، وستة للهدّاف الأورغواني الفذّ لويس سواريز.
السيناريو المتوقّع
سيحاول أبناء كتيبة البيانكونيري فرض إيقاعهم البطئ على المباراة من خلال الاعتماد على قوة خط وسطهم بدنيًا وتكتيكيًا، مع إغلاق كامل لخطّهم الخلفي عبر دفاع ثلاثي – على الأغلب -، يعاونه ثلاثي الوسط والظهيران في محاولةٍ لعزل ثلاثي البارسا الهجومي المرعب عن بعضهم البعض، ولن يكتفي اليوفي بذلك بل سيلعب على المرتدّات مستفيدًا من سرعة خطّه الأمامي بقيادة تيفيز، في محاولةٍ لخطف هدف التقدم الذي قد يجعل مهمة خصمه صعبةً للغاية.
أما كتيبة البلوغرانا، فلن يغيّر عناصرها عادتهم في فرض الاستحواذ وحرمان الخصم من الكرة، مع الاعتماد على ثلاثي (م س ن) الرهيب بقيادة الساحر ميسي في العمليات الهجومية، وستكون مهمتهم الأصعب بكل تأكيد هي افتتاح التسجيل، والذي سيعني – إن حدث – حسم البارسا للفوز بنسبة كبيرة، نظرًا لتخلي اليوفي حينها عن حذره الدفاعي ولجوئه إلى فتح اللعب بغية إدراك التعادل، مما سيعطي فرصة ذهبيّةً للـ (م س ن) في استخدام مهاراتهم بحُريّةٍ لزيادة غلّتهم التهديفية.
استمرار التعادل السلبي لأطول فترة ممكنة سيصبُّ في صالح البيانكونيري، فهم الطرف الأقل ترشيحًا للفوز وبالتالي فالضغوطات النفسية عليهم أقل، بعكس البلوغرانا الذي سيلعب تحت الضغط، وبالتالي فكلما طال أمد التعادل زاد التسرّع وساد التوتّر أجواء الفريق الكاتالوني.
وفي النهاية، لا بدّ أن نذكّر بأن جميع التوقّعات والسيناريوهات المحتملة ليست إلا حبر على ورق، والكلمة الفصل تبقى منوطةً بأقدام اللاعبين على أرض الملعب.
مسرح الحدث
وأخيرًا، ستكون العيون شاخصةً مساء السبت الواقع في الـ 6 من شهر يونيو للعام 2015 عند السابعة إلا ربع (بتوقيت غرينتش)، إلى ملعب برلين الأوليمبي ذي الـ 70 ألف مقعد، والذي سيحتضن هذا الحدث المرتقب، بإدارة طاقم تحكيم تركي يقوده جونيت شاكير.
فلمن تبتسم الكأس ذات الأذنين الكبيرتين حينها؟ ومن سيتوّج ملكًا على عرش أندية أوروبا لهذا الموسم؟
- أهو برشلونة، العملاق الكاتالوني المدجّج بأبرع نجوم الكرة وأكثرهم مهارة.
- أم يوفنتوس، سيدة إيطاليا العجوز وملوك التكتيك في عالم الساحرة المستديرة.